الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
آداب الدعاء

    آداب الدعاء

    إذا اتضّح ما ذكرنا من أهميّة الدعاء وآثاره العجيبة في وصول الداعي إلى حاجته إذا كان راعياً لآداب الدعاء فلنذكر آدابه :

    نقل في «المختار من كلمات الإمام المهديّ عليه السلام» :

    احفظ آداب الدعاء ، وانظر من تدعو ، وكيف تدعو ، ولماذا تدعو ؟ وتفكّر ماذا تسأل ، وكم تسأل ، ولماذا تسأل ؟ والدعاء استجابة الكلّ منك للحقّ ، وتذويب المهجة في مشاهدة الربّ ، وترك الإختيار جميعاً ، وتسليم الاُمور كلّها ظاهراً وباطناً إلى اللَّه ، فإن لم تأت بشرط الدعاء ، فلاتنتظر الإجابة ، فإنّه يعلم السرّ وأخفى ، فلعلّك تدعوه بشي‏ء قد علم من سرّك خلاف ذلك.

    واعلم أنّه لو لم يكن اللَّه قد أمرنا بالدعاء لكنّا إذا أخلصنا الدعاء ، تفضّل علينا بالإجابة ، فكيف وقد ضمن ذلك لمن أتى بشرائط الدعاء .(51)

    ثمّ قال : «والآداب اُمور :

    الأوّل : الإبتداء بالبسملة .

 قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : لا يردّ دعاء أوّله «بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم» .(52)

    الثاني : التحميد . قال مولانا الصادق عليه السلام : كلّ دعاء لا يكون قبله تحميد فهو أبتر .(53)

   وآخر : إنّ في كتاب أميرالمؤمنين عليه السلام إنّ المدحة قبل المسألة فإذا دعوت اللَّه عزّ وجلّ فمجّده .

 قال : قلت : كيف اُمجّده ؟

 قال : تقول : يا مَنْ أَقْرَبُ إِلَيَّ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ ، يا مَنْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ، يا مَنْ هُوَ بِالْمَنْظَرِ الْأَعْلى ، يا مَنْ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ .(54)

    الثالث : الصلاة على محمّد وآله . قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم :

  صلاتكم عليّ إجابة لدعائكم ، وزكاة لأعمالكم .(55)

   وقال مولانا الصادق عليه السلام : لايزال الدعاء محجوباً حتّى يصلّي على محمّد وآل محمّد .(56)

  وآخر : من كانت له إلى اللَّه عزّ وجلّ حاجة فليبدأ بالصلاة على محمّد وآله ، ثمّ يسأله حاجته ، ثمّ يختم بالصلاة على محمّد وآل محمّد ، فإنّ اللَّه أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط ، إذا كانت الصلاة على محمّد وآل محمّد لا تحجب عنه .(57)

    الرابع : الإستشفاع . قال مولانا الكاظم عليه السلام :إذا كانت لك حاجة إلى اللَّه فقل :

  أَللَّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ ، فَإِنَّ لَهُما عِنْدَكَ شَأْناً مِنَ الشَّأْنِ ، وَقَدْراً مِنَ الْقَدْرِ ، فَبِحَقِّ ذلِكَ الشَّأْنِ وَبِحَقِّ ذلِكَ الْقَدْرِ أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَفْعَلَ بي كَذا وَكَذا... .

  فإنّه إذا كان يوم القيامة لم يبق ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا مؤمن ممتحن إلّا وهو يحتاج إليهما في ذلك اليوم .(58)

    ولابدّ من تقديم الوسيلة إلى اللَّه عزّ وجلّ لنجح الحاجات ، وقد أمرنا تعالى بذلك بقوله جلّ جلاله : «وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسيلَةَ»(59) ، ولا وسيلة أقرب من محمّد وآل محمّد صلىّ اللَّه عليهم وسلّم وهي الشفاعة ، وقد جاء في زيارة الجامعة الكبيرة :

 أَللَّهُمَّ إِنّي لَوْ وَجَدْتُ شُفَعاءَ أَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْأَخْيارِ ، اَلْأَئِمَّةِ الْأَبْرارِ لَجَعَلْتُهُمْ شُفَعائي... .

    ودلّ النصّ على أنّ الأئمّة عليهم السلام هم الوسيلة ، ولا ينافي تفسيرها بالمرقاة أو غيرها ، ففي الرواية عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : هم العروة الوثقى والوسيلة إلى اللَّه .

 ثمّ الآية هكذا : « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسيلَةَ»(61). (60)

    ولعلّ صفة الإيمان والتقوى شرط لإبتغاء الوسيلة إليه تعالى ، كما أنّ الإبتغاء بدونهما غير نافع ، فإذا اجتمعت نفعت ، إذ لا ولاية إلّا مع الإيمان والتقوى .

    الخامس : الإعتراف بالذنب . ففي ما قاله مولانا الصادق عليه السلام :

  إنّما هي المدحة ، ثمّ الإقرار بالذنب ثمّ المسألة ، واللَّه ما خرج عبد من ذنب إلّا بالإقرار .(62)

    السادس : أن لا يكون الدعاء عن قلب لاه ساه ، بل بالإقبال والتوجّه ، كما قال الإمام الصادق عليه السلام :

 إنّ اللَّه لايستجيب دعاء بظهر قلب ساه ، فإذا دعوت فأقبل بقلبك ، ثمّ استيقن الإجابة .(63)

    لأنّ الساهي غير داع ، ولا دعاء إلّا بإقبال القلب إلى المدعوّ .

    السابع : طيب المطعم والمشرب والملبس ، لأنّ الدعاء الصالح من العمل الصالح ، وكيف يجتمع الصلاح مع الحرام والخبيث ، وفي قوله تعالى : « يا أَيَّهُا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً»(64) ، دلالة على الملازمة بين العمل الصالح وأكل الطيّب .

    قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : من أحبّ أن يستجاب دعاؤه فليطيّب مطعمه ومكسبه .(65)

   وآخر : طهّر مأكلك ، ولا تدخل في بطنك الحرام .(66)

    وآخر : أطب كسبك تستجاب دعوتك ، فإنّ الرجل يرفع اللقمة إلى فيه حراماً فما تستجاب له أربعين يوماً .(67)

    وفي الحديث القدسيّ : فمنك الدعاء وعليّ الإجابة ، فلا تحجب عنّي دعوة إلّا دعوة آكل الحرام .(68)

    وقال مولانا الصادق عليه السلام : من سرّه أن يستجاب دعاؤه فليطيّب كسبه .(69)

    وآخر : إذا أراد أحدكم أن يستجاب له  فليطيّب كسبه ، وليخرج من مظالم الناس ، وإنّ اللَّه لايرفع دعاء عبد وفي بطنه حرام، أو عنده مظلمة لأحد من خلقه .(70)

   الثامن : مظلمة العباد . قال مولانا الصادق عليه السلام :

 إنّ اللَّه عزّ وجلّ يقول : وعزّتي وجلالي لا اُجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ، ولأحد عنده مثل تلك المظلمة .(71)

  وقال مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام : إنّ اللَّه أوحى إلى عيسى بن مريم : قل للملإ من بني اسرائيل : ... إنّي غير مستجيب لأحد منكم دعوة ولأحد من خلقي قبله مظلمة .(72)

  التاسع : الذنب يمنع قضاء الحاجة . قال الإمام الباقر عليه السلام :إنّ العبد يسأل الحاجة فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب ، أو إلى وقت بطي‏ء فيذنب العبد ذنباً ، فيقول اللَّه تبارك وتعالى للملك : لاتقض حاجته وأحرمه إيّاها ، فإنّه تعرّض لسخطي واستوجب الحرمان منّي .(73)

    العاشر : حسن الظنّ بالإجابة المعبّر به عن الإستيقان ، لعدم تخلّف الوعد منه تعالى ، لأنّه أمر بالدعاء وضمن الإستجابة بقوله عزّ من قائل : «اُدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ»(74) ، فلا يخلف وعده ، كما نصّ عزّ وجلّ بذلك في آي من القرآن الكريم ، منها : «وَعْدَ اللَّهِ لايُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لايَعْلَمُونَ»(75) .

    وكيف يخلف الوعد وهو الغنيّ القادر الحنّان الرحيم الكريم .

    وفي حديث : فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثمّ استيقن الإجابة(77) . (76)

    الحادي عشر : الإلحاح في الدعاء .

    عدّه العلّامة المجلسي رحمه الله من آداب الدعاء وقال : في الوحي القديم :لاتملّ من الدّعاء ، فإنّي لا أملّ من الإجابة .(78)

    وروى عبدالعزيز الطويل ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام قال :  إنّ العبد إذا دعا لم يزل اللَّه في حاجته ما لم يستعجل .(79)

   وعنه عليه السلام : إنّ العبد إذا عجّل فقام لحاجته ، يقول اللَّه تعالى : استعجل عبدي أتراه يظنّ أنّ حوائجه بيد غيري .(80)

    وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم :إنّ اللَّه يحبّ السائل اللحوح .(81)

    وروى الوليد بن عقبة الهجري قال : سمعت أباجعفر عليه السلام يقول: واللَّه لا يلحّ عبد مؤمن على اللَّه في حاجة إلّا قضاها له .(82)

  وروي أبوالصباح ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام : إنّ اللَّه كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في المسألة ، وأحبّ ذلك لنفسه ، إنّ اللَّه يحبّ أن يسأل ويطلب ما عنده .(83)

 وعن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال : قلت لأبي الحسن عليه السلام : جعلت فداك إنّي قد سألت اللَّه تعالى حاجة منذ كذا وكذا سنة ، وقد دخل قلبي من إبطائها شي‏ء .

  فقال له : يا أحمد ؛ إيّاك والشيطان أن يكون له عليك سبيل ، حتّى يقنّطك ، إنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول : إنّ المؤمن ليسأل اللَّه حاجة فيؤخّر عنه تعجيل إجابته حبّاً لصوته واستماع نحيبه .

 ثمّ قال : واللَّه ما أخّر اللَّه عن المؤمنين ما يطلبون في هذه الدّنيا خير لهم ممّا عجّل لهم فيها ، وأيّ شي‏ء الدنيا .(84)

    وعن الإمام الصادق عليه السلام : إنّ العبد الوليّ للَّه يدعو اللَّه في الأمر ينوبه ، فيقال للملك الموكّل به : إقض لعبدي حاجته ولاتعجّلها ، فإنّي أشتهي أن أسمع نداءه وصوته .

 وإنّ العبد العدوّ للَّه ليدعو اللَّه في الأمر ينوبه ، فيقال للملك الموكّل به : إقض لعبدي حاجته وعجّلها ، فإنّي أكره أن أسمع نداءه وصوته .

 قال: فيقول الناس: ما اُعطي هذا إلّا لكرامته، وما منع هذا إلّا لهوانه .(85)

   وعنه عليه السلام : لايزال المؤمن بخير ورخاء ورحمة من اللَّه ما لم يستعجل فيقنط فيترك الدعاء . قلت له : كيف يستعجل ؟

 قال : يقول : قد دعوت منذ كذا وكذا ، ولا أرى الإجابة .(86)

   وعنه عليه السلام : إنّ المؤمن ليدعو اللَّه في حاجته فيقول عزّ وجلّ : أخّروا إجابته ، شوقاً إلى صوته ودعائه ، فإذا كان يوم القيامة قال اللَّه : عبدي دعوتني وأخّرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ، ودعوتني في كذا وكذا فأخّرت إجابتك وثوابك كذا.

 قال : فيتمنّى المؤمن أنّه لم يستجب له دعوة في الدّنيا ممّا يرى من حسن الثواب .(87)

    وعنه عليه السلام قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : رحم اللَّه عبداً طلب من اللَّه حاجة فألحّ في الدّعاء ، اُستجيب له أو لم يستجب له .

 وتلا هذه الآية : «وَأَدْعُو رَبّي عَسى أَنْ لا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبّي شَقِيّاً »(89). (88)

    وفي التوراة : يا موسى ؛ من أحبّني لم ينسني ، ومن رجا معروفي ألحّ في مسألتي .

 يا موسى ؛ إنّي لست بغافل عن خلقي ولكن اُحبّ أن تسمع ملائكتي ضجيج الدّعاء من عبادي ، وترى حفظتي تقرّب بني آدم إليَّ بما أنا مقوّيهم عليه ومسبّبه لهم .

 يا موسى ؛ قل لبني إسرائيل : لاتبطرنّكم النعمة فيعاجلكم السلب ، ولاتغفلوا عن الشكر فيقارعكم الذلّ ، وألحّوا في الدّعاء تشملكم الرحمة بالإجابة ، وتهنئكم العافية .(90)

    وعن الإمام الباقر عليه السلام : لايلحّ عبد مؤمن على اللَّه في حاجته إلّا قضاها له .(91)

    وعن منصور الصيقل قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : ربّما دعا الرجل فاستجيب له ثمّ اُخّر ذلك إلى حين ؟ قال : فقال : نعم .

 قلت : ولِمَ ذلك ليزداد من الدعاء ؟

 قال : نعم .(92)

   إعلم إنّ ما نقلناه هو من الاُمور المهمّة في آداب الدعاء ، ونتأكّد هنا على بعض الاُمور :


51) البحار : 322/93 ، عن مصباح الشريعة : 14 .

52) البحار : 313/93 .  

53) الكافي : 503/2 .  

54) البحار : 315/93 .

55) البحار : 54/94 .  

56) البحار : 312/93 و 316 .

57) البحار : 316/93 .  

58) البحار : 22/94 .  

59) المائدة : 35 .

60) المائدة : 35 .

61) تفسير الصافي : 441/1 .  

62) البحار : 318/93 .  

63) البحار : 323/93 .  

64) المؤمنون : 51 .  

65) البحار : 372/93 .  

66) البحار : 373/93 .  

67) البحار : 358/93 .  

68) البحار : 373/93 .  

69) البحار : 373/93 .  

70) البحار : 321/93 .

71) البحار : 320/93 .  

72) البحار : 373/93 .  

73) البحار : 328/73 .  

74) غافر : 60 .

75) الروم : 6 .  

76) البحار : 323/93 .               

77) المختار من كلمات الإمام المهدي : 238/1 .  

78) البحار : 373/93 .

79) الكافي : 474/2 .  

80) البحار : 374/93 .

81) البحار : 374/93 .

82) الكافي : 475/2 .  

83) الكافي : 475/2 .  

84) البحار : 374/93 .  

85) البحار : 374/93 .  

86) البحار : 374/93 .  

87) البحار : 374/93 .  

88) مريم : 48 .

89) البحار : 375/93 .  

90) البحار : 375/93 .  

91) البحار : 375/93 .  

92) البحار : 375/93 . 

    زيارة : 2296
    اليوم : 40870
    الامس : 49009
    مجموع الکل للزائرین : 129086881
    مجموع الکل للزائرین : 89633448