الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
التفكّر وسيلة للبصيرة والتبصر وبُعد النظر

   التفكّر وسيلة للبصيرة والتبصر وبُعد النظر

   ويمكن القول من خلاصة ما سبق بأنّ الإنسان إذا تفكّر وتأمّل في عاقبة العمل الذي يريد الأقدام عليه، ودراسة جميع‏ جوانبه سوف يصل فيه إلى برّ الأمان، ويحصل على أعلى مراتب النجاح والتوفيق، وبالتالي لايقع في مجاهل الحيرة والندم.

عن أمير الكلام والبلاغة الإمام أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب‏ عليه السلام قال:

اِذا قَدَّمْتَ الْفِكْرَ في جَميعِ اَفْعالِكَ، حَسُنَتْ عَواقِبُكَ في كُلِّ اَمْرٍ.(11)

   وهذا حاصل باعتبار أنّ التفكّر في كلّ فعل وعمل يبعث على إيجاد نوع من البصيرة والتبصر حول عاقبة ما سيؤول إليه ‏من نتائج.

   وانطلاقاً من هذا الأمر فإنّك ترى أنّ أولياء اللَّه والمخلصِين وأولئك الذين نالوا القرب الإلهي، وكلّ من أخذوا من معين‏ أهل بيت الوحي والرسالة عليهم السلام الرقراق والعذب وأضحوا من أصحابهم وأتباعهم الحقيقين يتمتّعون بخصلة التفكير والتفكّر حول عاقبة أعمالهم وأفعالهم.

   ويبدو أنّنا لانبالغ إذا قلنا: إنّ كلّ من انتهل من درر وعطايا أهل البيت ‏عليهم السلام وارتوى من عذب مائهم الذي هو ماء الحياة، وتنور قلبه بنور أنوارهم وإشعاعاتهم الوهاجة، وتشبع بعلومهم ومعارفهم التي استقطبت أرواحهم وعقولهم، فقد جندكلّ قواه الفكريّة العظيمة - والتي هي من أكبر النعم الإلهية - فاصبح ممّن لديهم البصيرة وبُعد النظر في كلّ الاُمور والقضايا.

   ولا شكّ فإنّ من العوامل التي تلعب دوراً مهمّاً وأساسيّاً في إيجاد المعرفة والهداية ووضوح في الرؤية والاطّلاع على‏حقائق الاُمور هي عامل الفكر والتفكّر والتأمّل:

قال الإمام أميرالمؤمنين‏ عليه السلام:

لا بَصيرَةَ لِمَنْ لا فِكْرَ لَهُ.(12)

   إذن فإنّ الشخص الذي لايحمل آفاقاً رحبة من التفكير يكون فاقداً للبصيرة وقلبه أسود خالي من النور والضياء والهداية.

   وعلى أساس ذلك يمكن للفكر والتفكّر أن يجلي القلب من الأدران والشوائب العالقة به، ويطهره ويجعل النور والبصيرة تحل محل الظلمة فيه.

   كما حدث ذلك للحر بن يزيد الرياحي رضوان اللَّه عليه في واقعة الطف، إذ إنّ الإحترام الذي كان يكنه لمولاتنا الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السلام زرع في وجوده التفكّر في نتيجة الحرب ومقاتلة الإمام سيد الشهداء عليه السلام، وفي النهاية أوصله ‏ذلك الفكر - والذي تبلور كما قلنا نتيجة الاحترام لسيّدة نساء العالمين‏ عليها السلام - إلى النجاة وأن يكون ضمن شهداء كربلاء الذين ‏سيذكرهم  التاريخ ويقف لهم إجلالاً وإكباراً  مادامت الحياة تبض.

   ومع أنّ الحرّ كان من جيش ابن زياد اللعين الذي امتلأت بطنه من أكل الحرام، ولكن في لحظة ما فكر وتأمّل، فأنقده‏ ذلك التفكّر من اللعنات الأبديّة والخزي والعار الذي كان سيلحقه في الدنيا والآخرة لو أنّه بقي في ذلك الجيش.

   ومن الواضح فقد فعل كلام الإمام الحسين عليه السلام فعلته، فجعل الحرّ يفكّر فيه مليّاً فحدّ من غضبه وانتقامه، فتنازل عن‏ ألقابه الدنيوية وتواضع أمام عظمة الإمام‏ عليه السلام فالتحق بركبه واستشهد بين يديه صابراً محتسباً.

   وهنا نستشهد بكلام لأميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب‏ عليه السلام يعتبر بحقّ ضابطاً أخلاقيّاً في رسم معالم الطريق والهداية، إذيقول فيه:

دَعِ الْحِدَّةَ وَتَفَكَّرْ فِي الْحُجَّةِ وَتَحَفَّظْ مِنْ الْخَطَلِ، تَأْمَنِ الزَّلَلَ.(13)

   وهكذا سار الحر وقرأ الواقع وتعامل معه متأنّياً واستطاع رسم معالم مستقبله، وذلك من خلال البصيرة وبُعد النظر.

   وبضرس قاطع نقول: لو أنّ أهل السقيفة جاء موقفهم مطابقاً لموقف الحرّ وأنّهم تفكّروا قليلاً وتأمّلوا بالعاقبة التي‏ ستؤول بهم وقبلوا بالمشروع الذي جاء به الرسول الأعظم‏ صلى الله عليه وآله وسلم ولم يحملوا الاُمّة على نصب العداء لأهل البيت‏ عليهم السلام لماكانت حالة المسلمين قد وصلت إلى ما وصلت إليه اليوم، ولكن مع الأسف نجد الحسرة تلف الجميع لعظم ما فرط به ‏هؤلاء القوم.

   ومن هنا يبيّن الإمام أميرالمؤمنين علي ‏عليه السلام أنّ البصيرة وبعد النظر هي من نتاجات وآثار الفكر والتفكّر الصحيحين ‏فيقول‏ عليه السلام:

مَنْ فَكَّرَ أَبْصَرَ الْعَواقِبَ.(14)

   إنّ كسب البصيرة والرؤية الثاقبة هي من أفضل الوسائل والآليات لتهذيب النفس وترويضها وموعظتها، وهي من‏ الخصال التي ينفرد بها أولياء اللَّه الصالحون، ولا شكّ فإنّ أفضل طريق للحصول عليهما هو طريق التفكّر والفكر والتأمّل.

   وعليه نقول: لقد وصلت الشخصيات الكبيرة والعظيمة إلى نوع من البصيرة والرؤية الواضحة وتشخيص الاُمور التي‏ ينبغي العمل بها والأهداف التي يجب أن تنطلق منها وجعلها تنصب لصالح حركتها الإجتماعية سواء الفردية كانت أم ‏الإجتماعية والمستقبل الذي تتأمّله، وذلك من خلال التفكّر والفكر حول مفاصل المجتمع وأفراده والوضع السائد والمستقبلي.

   وقد ورد عن الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام قوله:

مَنْ طالَتْ فِكْرَتُهُ، حَسُنَتْ بَصيرَتُهُ.(15)

   لأنّ نفس عمليّة التفكّر ستكون كالمرآة الصافية التي تعكس لك الصورة كما هي، من دون أيّ ضبابية وتشويش، بشرط أن لايكون الفكر ملوثاً بالأغراض والمصالح الشخصية الضيقة.

   عن الإمام أميرالمؤمنين علي ‏عليه السلام قال :

اَلْفِكْرُ مِرْآةٌ صافِيَةٌ.(16)

   وعليه فإنّ التفكّر يعكس لك الحقائق كما تبدو منوط بالاستفادة من خصوصية ذلك التفكّر والتفاعل معه.


11) شرح غرر الحكم: 162/3.

12) شرح غررالحكم: 401/6.

13) شرح غررالحكم: 19/4.

14) شرح غررالحكم: 324/5.  

15) شرح غرر الحكم: 272/5.

16) أمالى الطوسى: 114/1، بحار الأنوار: 403/77.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2754
    اليوم : 0
    الامس : 80203
    مجموع الکل للزائرین : 136105256
    مجموع الکل للزائرین : 93902806