الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
من أسرار أهميّة الفكر

من أسرار أهميّة الفكر

   إنّ الفكر والتفكّر هما الطريق المستقيم نحو الوصول إلى معرفة الحقائق الكونية، وحينما يتطبع الفكر ويستمرّ لفترة طويلة على التناغم مع المسائل المعنويّة، فسوف ينجر الإنسان بصورة عفويّة وغير مخطط لها مسبقاً صوب المعنويات‏ والروحيات.

   وبالتأكيد فقد يوجد في الفكر قوى جذابة تعمل على ربط الشخص المتفكر بالقضيّة التي يفكر بها وتنشأ علاقة بينهما.

   ويعتبر وجود هذه القوى واحداً من الأسرار المهمّة للأهميّة المترتبة على الفكر والتفكّر، وعلى أساس وجود هذه‏ القوى يفكر الفرد حول الأشياء والأفعال الحسنة والقبيحة، وتعمل على استمراره بعدم الفتور في التفكّر إلى أن ينجذب‏ رويداً رويداً نحو الحسن، أو لذلك الشي‏ء الذي كان يفكر به، وتدفعه نفس تلك القوى إلى ذلك.

   وهذه حقيقة صُرح بها في الروايات والأحاديث الواردة عن أهل البيت صلوات اللَّه عليهم أجمعين وجاء التأكيد عليها؛ لأنّ‏ الأفكار الحسنة والمتعالية تصفي القلب، وتطهرّه من الأدران، وتنوّر باطن الإنسان، على عكس الأفكار المنحرفة والقبيحة والغفلة التي قد تصيبه، فإنّها توجد الظلمات والعتمة على قلبه، فتقوده إلى كارثة تقتل الآمال وتميت الحياة.

   إنّ الإنسان الذي يفكر ويتأمّل يحمل في باطنه الخصوصية النورانية والصفاء القلبي، وأمّا الإنسان الغافل والذي لايتمتع ‏بتلك النعمة فيكون قلبه مظلماً ومتصدأ.

   يقول الإمام أميرالمؤمنين‏ عليه السلام في خطبة «الوسيلة»:

اَلْفِكْرُ تُورِثُ نُوراً وَالْغَفْلَةُ ظُلْمَةً.(5)

   لأنّ التفكّر إذا كان مبنيّاً على أساس طلب الحق والحقيقة والكمال، فإنّه مبيّن على الحقيقة وبيان الوقائع، وتكون‏ الحقائق الكونية في حدود ذهنية الإنسان المتفكّر ومهمّة منوطة به، وهذا الموضوع يكون باعثاً على إيجاد الصفاء والنورانيّة، ولكن الغفلة عن تلك الحقائق تزيد حالة الظلمة الموجودة وتضاعفها.

   ومن الواضح فإنّ التغيّر والتحوّل الذي يحصل في قلب الإنسان نتيجة كثرة الفكر والتفكّر يساعده ويجعله على مقدار كافٍ من الإستعداد للعمل واستخلاص الحقائق، ولهذا يصبح الفكر والتفكر عاملاً ضاغطاً لإيجاد القوّة العاملة عنده. ومن‏هذا الباب فإنّ الفكر لايهيّئ الإنسان للقيام بالمسائل التي يفكر بها فحسب، وإنّما يوجد عنده - ونتيجة التدوام على طبيعة الفكر - القوّة العاملة وقوى العمل، فتسوقه باتّجاهه، وبالنتيجة تطبيق الفكر والتفكّر على أرض الواقع بصورة عملية وسلوكية.

   عن الإمام الصادق‏ عليه السلام قال:

التَّفَكُّرُ يَدْعُو اِلَى الْبِرِّ وَالْعَمَلِ بِهِ.(6)

   وبالطبع فإنّ عمليّة الفكر والتفكّر حول خلقة الإنسان، والهدف من وراء خلقه، وفي النهاية العاقبة التي ينتهي إليها،تضعه في طريق الخير والصلاح ومقام «العبودية» الخالصة للبارئ سبحانه وتعالى.

   إنّ الإنسان يستطيع ومن خلال الفكر والتفكّر، والوصول إلى مقام «العبوديّة» ويلزمه على توظيف طاقاته وقواه العظيمة التي هي‏ موجودة في داخله بصورة خفية وبالقوّة، ويجعلها فعليّة وظاهرة للعيان.


  5) تحف العقول: 93.

6) بحار الأنوار: 322/71، عن اصول الكافى: 55/2.

 

 

 

 

    زيارة : 2598
    اليوم : 16244
    الامس : 112715
    مجموع الکل للزائرین : 134670409
    مجموع الکل للزائرین : 93107734