الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
سرّ أهمية مصاحبة الصالحين والأبرار

سرّ أهمية مصاحبة الصالحين والأبرار

إنّ الطرق والأساليب للوصول إلى النوازع والنوايا المعنوية عديدة ولكن المهم ما هو الطريق الأقصر مسافة الذي‏ يوصل الإنسان إليها بسرعة.(88)

ويوجد الكثير من الرؤى والأقوال المختلفة حول هذا الأمر، وكلّ يعتقد أنّ الطريق الذي سلكه هو الأقرب وأنّه هو الأسرع والأفضل، ولذلك تمسك وقبل به، ويرى البعض من هؤلاء أنّ مصاحبة الأخيار والصالحين هو أقرب الطرق ‏وأكثرها جدوى.

وكما يبدو للعقل أنّه هو الأصح؛ حيث إنّ صحبة من يريده اللَّه تضبطها الضوابط والمعايير الأخلاقية والإنسانية، ويكون لها الأثر الإيجابي في زيادة حقيقية الإيمان وإيصالها إلى المرحلة الواقعية والعلمية والنجاة من حالات الشّر.

وعلى هذا الأساس فقد جاء عن لسان أول المظلومين في هذا العالم أمير المؤمنين علي عليه السلام قوله:

لَيْسَ شَيْ‏ءٌ اَدْعى لِخَيْرٍ وَاَنْجى مِنْ شَرٍّ، مِنْ صُحْبَةِ الْاَخْيارِ.(89)

باعتبار أنّ مصاحبة الصالحين والأخيار في المجتمع تؤدّي بالنتيجة إلى كسب مراتب الشرف والعلو والهداية صوب‏ الطريق القويم، وتطهر القلوب من الرواسب العالقة وتجليها، وتشعل فيها مصابيح النور والإيمان والاصلاح، وتجذب‏ الإنسان بشكل تلقائي إلى عالم المعنويات.

عن الإمام زين العابدين عليه السلام قال:

مُجالَسَةُ الصَّالِحينَ داعِيَةٌ إِلَى الصَّلاحِ.(90)

ومن المعطيات الإيجابية الاُخرى التي تترتب على مصاحبة الأبرار والأخيار والجلوس معهم هي انتقال الطاقة المعنوية التي يحملونها في داخلهم إلى من يجالسهم ويعاشرهم، ولذا يمكن لمن يعاشرهم يسيطر وبمرور الزمن على‏ أعماله وسلوكه، ويسير بها نحو الحق والحقيقة.

وأحياناً يكون النفوذ المعنوي للأخيار إلى حد لايحتاج معه إلى زمن طويل، حيث يسري ويؤثر بفترة وجيزة لاتحسب‏ بحساب الزمن، قد تجري بواسطة جلسة واحدة أو نظرة أو في حديث قصير، ويمكن من خلاله تغيير عقائد الكثيرين ‏وإيجاد حياة أبدية لهم.

نعم؛ يتعطر الآخرون بعطر الأخيار فيلتحقون بركبهم، فتتغيّر معالم وجودهم، حيث يصبحون تقاة في الجوهر وضائي‏ النفوس وأرواحهم صافية، وهذا ما كان ليتأتى لولا تأثير الصالحين الذين استطاعوا من جذب القلوب إليهم والتي تصدأت‏ بكثرة الذنوب والمعاصي.

إنّ مصاحبة الأبرار تأتي بالبر وتوجد الخير والصلاح، وإنّ الجلوس معهم يصنع الإنسان ويعطيه شعوراً غريباً لفعل ‏الحسن والعمل الصالح، وعادة ما تنتقل الفيوضات التي يحظى بها الأخيار إلى من يصاحبهم وهذا امر مفروغ منه.

وهذه حقيقة أشارت إليها الأدعية الواردة حيث ينقل الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه الموسوم «المزار» دعاء، قال عنه: يستحب قراءته بعد زيارة الأئمة الأطهار عليهم السلام وقد جاء في قسم منه:

يا وَلِيَّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ اِجْعَلْ حَظّي مِنْ زِيارَتِكَ تَخْليطي بِخالِصي زُوَّارِكَ الَّذينَ تَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّوَجَلَّ في عِتْقِ ‏رِقابِهِمْ، وَترْغَبُ اِلَيْهِ في حُسْنِ ثَوابِهِمْ.(91)

وكما أنّ الأخضر واليابس يحترقان معاً، وأنّ الأزهار والأشواك تنبع من مصدر واحد وأنّ النظرة الحنونة التي يلقيها الفلاح على روضته الغناء تشمل الأشواك والورد معاً، وأنّ الرائحة الفواحة لتلك الورود والأزهار تنتقل بالجوار إلى تلك‏ الأشواك، وإنّ بياع الورود يبيع الورد والأشواك في مكان واحد، فكذلك الحال للفرد المقصّر الذي يصاحب الأخيار، إذ أنّه ‏يستفيد من أنوارهم المشعة؛ باعتبار أنّ حالة الملازمة تقتضي انتقال وهجه إليه.

ولهذا نقول في الدعاء «يا وليّ اللَّه عزّ وجلّ إجعل حظي من زيارتك تخليطي بخالصي زوارك».

إنّ مثل مجالسة الأخيار مثل الكمياء؛ لأنّ هناك هالة في أطراف بدن أولياء اللَّه لها قوة كاسرة كقوّة الإكسير تكسر الضعف‏ الموجود لدى الشخص المقابل وتعطيه نوعاً من الشهامة والاندفاع ليكون فرداً صالحاً وتمنحه جناحين ليحلق بهما في ‏جو المعنويات، والإستفادة من لذائذ أسرار العالم الخفية.

وتكون الهالة التي أحاطت بجسم الإنسان عبارة عن ميادين من الطاقة والجاذبية المغناطيسية ويتمكن الإنسان‏ بواسطتها أن يكتسب الأثر الذي يتركه المجالس، وتأثير بعضهم على الآخر سواء أكان ذلك التأثير سلبياً أم إيجابياً.

وتختلف الهالة اختلافاً كبيراً في الجوانب العقائدية والنزعات من إنسان لآخر، وذلك بلحاظ الكيفية والنوعية، وكذلك ‏تختلف من جانب درجة مقدار وكمية التأثير الذي يتركه الأفراد بعضهم على الأخر.

وتصطدم الهالة فيما بينها بعد حدوث المجالسة والمصاحبة، فتتم عملية نقل الخصوصيات الفكريّة والعقدية بين‏الأفراد، فيدخل  هؤلاء في مرحلة استحقاقات وتجاذبات جديدة.

وبالطبع فإنّ الأشخاص الذين هم من أصحاب اليقين ويمتلكون الإرادة والنفوذ فإنّ لهم تأثيراً ووقعاً أكثر في نفوس‏ الأخرين، وتكون خصوصياتهم الفكريّة والاعتقادية جذابة إلى حدّ تستقطب كلّ من حولها وتلقي بظلالها عليهم ومن ثم ‏تأخذ بتأثير المباشر.

إنّ مجالسة أصحاب الاُمور المعنوية توجد تحولاً في نمطية أفكار الطرف الآخر، وتغير الأفكار الخاطئة والمنحطة من ‏خلال طرحها لمقولات جديدة وأطر تنظيرية تنسف بها المنظومة الفكريّة القديمة، فتبني إنساناً قويماً يمتلك أفكاراً صحيحة وعقائد متميزة، ولكن ليس هذا قانوناً كلياً يمكن تطبيقه على الجميع؛ والسبب في ذلك يرجع إلى تشخيص‏ نفس الشخص العالم والداعي والمبلغ، حيث أنّ الأوامر الدينية مرة تأمره بالذهاب بين أوساط الناس الجهلة والمعاندين ‏ودعوتهم  إلى مبادئ الإسلام والمذهب وتعريفهم بالتشيع وتعاليمه السامية والحقة، ومرة اُخرى تأمره بالإبتعاد عن ‏مجالسة هؤلاء المنحرفين، إذا كان ذلك يسبب إنحرافه والتأثّر بالطرف المتقابل، إذن يحتاج هذا الموضوع من ذلك ‏الإنسان وقفة تأنٍ وسرعة بديهة في تشخيص الموقف الصحيح.

إنّ الوظيفة تحتم على الشخص العالم أن يشخص مدى مقدار الآثار السلبية والإيجابية التي تتركها مجالسته لهؤلاء؟ وهل أنّه يستطيع أن يؤثر فيهم ويغير من عقائدهم وسلوكياتهم ودفعهم نحو الكمال؟ أم أنّ روحية هؤلاء تسيطر عليه ‏وبالتالي تترك آثارها السلبية شاء أم أبى؟ وهل إنّ الهالة الموجودة في أطراف بدنه تؤثر عليهم أم إنّ هالاتهم هي الأقوى ‏تأثيراً؟ ولهذا فإنّ مسؤولية أهل العلم والعلماء هي من جهة إرشاد الناس وهدايتهم إلى الطريق المستقيم، ومن جهة أخرى ‏التوجه إلى حالاتهم الروحية وعدم الثأثر سلبياً بمن يعاني من الأزمات الفكريّة والروحية والعقائدية المنحرفة.


88) جاء في الدعاء المأثور: «اَللَّهُمَّ اَوْصِلْني اِلَيْكَ مِنْ اَقْرَبِ الطُّرُقِ اِلَيْكَ وَاَسْهَلِها عَلَّيَ...». بحارالأنوار: 406/95.

89) شرح غررالحكم: 87/5.

90) اصول الكافي: 20/1.  

91) بحار الأنوار: 173/102 و 183.

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 3204
    اليوم : 8454
    الامس : 171324
    مجموع الکل للزائرین : 143970535
    مجموع الکل للزائرین : 99341380