الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
کیفیة القضاء فی دولة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه

 کیفیة القضاء فی دولة الإمام المهدی عجل الله  فرجه الشریف

جاء فی کتاب «دولة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف» :

بالطبع وكما هو واضح وجليّ ، فإنّ الحكم في عصر إستقرار الحكومة الإلهيّة سيكون مدعوماً بالإمداد الغيبي ، لكيلا يتمكّن شخص بواسطة البيّنة الكاذبة أو القسم الكاذب - الّذي لا حقيقة له - أن يظلم الآخرين ، ويثبت الحقّ لنفسه .

  وعلى ضوء ما ذكرناه ، فإنّ الإمام صاحب العصر والزّمان لايحتاج في أحكامه إلى أيّ شاهد أو بيّنة ، ويعمل حسب علمه ، كما عمل من قبله داود عليه السلام .

  وقبل أن ننقل بعض الرّوايات الواردة في هذا الخصوص ، نتطرّق إلى بحث نقطة تدور حول النّبيّ داود وسليمان عليهما السلام :

  إنّ هناك بعض الأنبياء عليهم السلام قد خصّهم اللَّه سبحانه وتعالى ببعض الصّفات والخصائص الفريدة ، جعلتهم يمتزون عن بقيّة الأنبياء الآخرين عليهم السلام ، ومن هؤلاء النبيّ داود وإبنه النبيّ سليمان عليهما السلام . حيث يصرّح البارئ عزّ وجلّ في محكم كتابه العزيز :

 «وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالَا الْحَمْدُ للَّهِِ الَّذى فَضَّلَنا عَلى كَثيرٍ مِنْ عِبادِهِ الْمُؤْمِنينَ» .(النمل : 15)

  وجاء في سورة «الأنبياء» أيضاً :«وَكُلاًّ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً»(الأنبیاء : 79) .

  وقال البارئ عزّ وجلّ أيضاً في سورة «ص» عن النبيّ داود عليه السلام : «يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَليفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ...»(ص : 26) .

  ونفهم من هذا كلّه : أنّ اللَّه سبحانه وتعالى منح عناية إضافيّة وفيوضات جليّة للنّبيّ داود وسليمان عليهما السلام ، حتّى أنّهم كانوا باستطاعتهم الإطّلاع على وقائع وحوادث لايعلمها الآخرون .

  وعلى هذا الأساس فقد كانت حكومتهم تشهد وتتمتّع بصفات خاصّة ، فلهذا كانا عليهما السلام لايحتاجان في أحكامهم إلى الأدلّة والشّهود قطعاً .

 

  بحث روائي

  يعتقد البعض أنّ الأحكام الّتي أصدرها النّبيّ داود عليه السلام والّتي إستندت إلى الواقع ، والّتي لم يرجع بها إلى البيّنة والشهادة ، حدثت في مورد واحد أو موارد محدودة .

  ولكن يمكن الإستنباط ومن خلال إعمال الدقّة والإمعان في الرّوايات الواردة ، أنّ تلك الأحكام الواقعيّة الصّادرة عن النّبي داود عليه السلام - دون الإعتماد على البيّنة والشّهادة - لم تقتصر على مورد واحد كما زعم هؤلاء ، باعتبار أنّ سبب الإختلاف والنّزاع بين الأشخاص ورجوعهم في الحكم إلى النّبي داود عليه السلام ، لم يكن شيئاً واحداً . ولأجل شرح هذا الموضوع أكثر ، إليكم هذه الرّواية :

  ينقل عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :

  إنّ داود عليه السلام قال : يا ربّ ؛ أرني الحقّ كما هو عندك حتّى أقْضي بِهِ .

 فقال : إنّكَ لاتُطِيقُ ذلك ، فألحّ على ربّه حتَّى فعل .

 فجاءه رجلٌ يستعْدي على رجل ، فقال : إنّ هذا أخذ مالي .

 فأوحى اللَّهُ عزّ وجلّ إلى داود : إنّ هذا الْمُسْتَعْدي قتل أبا هذا ، وأخذ مالَه .

 فأمر داود بالمُستعْدي فقُتل فأخذ ماله، فدفعه إِلى المُستعدي عليه.

 قال : فعجِب النّاس وتحدّثُوا حتّى بلغ داود عليه السلام ودخل عليه من ذلك ما كَره . فدعا ربّه أن يَرفع ذلك ، ففعل ، ثمّ أوحى اللَّه عزّ وجلّ إليه : أنِ احْكم بينهم بالبيّنات وأضِفْهم إلى اسْمي يَحْلِفُون به .(بحار الأنوار : 14 / 10)

  روى هذه الرّواية العلاّمة المجلسي رحمه الله ، عن محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد ، عن حسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيّوب ، عن أبان بن عثمان ، عن شخص أخبره . وكما ترون فإنّ أبان بن عثمان ينقل الرّواية بشكل ناقص ، وأضف إلى هذا الأمر : كون بعض العلماء الكبار - من أمثال العلامة الحلي رحمه الله - لايأخذون بروايات «أبان» ويعتبرونه غير مقبولاً وليس بثقة .

  إنّ مورد الإختلاف في هذه الرّواية هو المال والثروة . وفي رواية اُخرى فإنّ المشتكى عليه أقرّ بالشّكوى ؛ حيث كان يعتقد الشّاكي أنّ هذا الشّابّ دخل إلى بستانه وخرب الكرم ، وأنّ الشّابّ قبل ذلك ، فحكم داود عليه السلام لصالح الشّابّ ، ودفع إليه البستان بعد أن عمل بالحكم الواقعي... .(یمکن الرجوع الی بحار الأنوار : 14 / 6)

  وفي رواية اُخرى حيث صرّحت بأنّ النّبيّ داود عليه السلام عمل مرّة واحدة على أساس الحكم الواقعي - وليس على أساس البيّنة - في قضيّة حول ملكيّة بقرة ، بعد أن إختصم رجلان إليه ، فجاء هذا ببيّنة ، وجاء هذا ببيّنة... .

 

  قضاء أهل البيت عليهم السلام والنّبيّ داود عليه السلام وكيفيّتهما

  هناك بعض الرّوايات الّتي تحدّثت عن حكومة النّبيّ داود عليه السلام ، وهي دليل على أنّ أحكامه عليه السلام كانت لها خصوصيّة لا مثيل لها ، وهي عدم إحتياجها إلى إقامة بيّنة ، وهي نفسها مبيّنة أيضاً كيفيّة قضاء وأحكام أهل البيت عليهم السلام .

  أنظروا إلى هذه الرّواية :

 عن الساباطى قال: قلت لأبي عبداللَّه‏عليه السلام: بما تحكمون إذا حكمتم؟

 فقال : بحكم اللَّه وحكم داود ، فإذا ورد علينا شي‏ء ليس عندنا تلقّانا به روح القدس ؟(بحار الأنوار : 52/ 56)

  وإلى هذه الرّواية عن جعيد الهمداني ، وكان «جعيد» ممّن خرج مع الإمام الحسين عليه السلام بكربلاء :

 قال : فقلت للحسين عليه السلام : جعلت فداك ؛ بأيّ شي‏ء تحكمون؟

 قال : يا جعيد ؛ نحكم بحكم آل داود ، فإذا عيينا عن شي‏ء تلقّانا به روح القدس ؟(بحار الأنوار : 25/ 57)

  هذه الرّواية نقلها أيضاً العلاّمة المجلسي‏رحمه الله عن جعيد ، عن الإمام السجّادعليه السلام أيضاً .(16)

  (ونرى أنّ من الضروري التّنويه إلى نقطة وهي : إنّ هكذا إجابات ترتبط بالحالة العامّة والظّروف الّتي كان يمرّ بها النّاس الّذين يستمعون لهذه الرّواية ، وإلاّ فإنّ روح القدس هو الّذي يستسقي علومه من مذهب أهل البيت عليهم السلام كما صرّح الإمام الحسن العسكري عليه السلام حين قال في حديث له عليه السلام : «روح القدس في جنان الصّاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة»(بحار الأنوار : 26/ 265).

  وورد في رواية اُخرى عن الإمام الصّادق عليه السلام :

  عن حمران بن اعين قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام : أنبياء أنتم ؟

 قال : لا . قلت : فقد حدّثني من لا أتّهم أنّك قلت : إنّكم أنبياء ؟

 قال : من هو أبوالخطّاب ؟ قال : قلت : نعم .

 قال : كنت إذاً أهجر ؟ قال : قلت : بما تحكمون ؟

 قال : نحكم بحكم آل داود ؟(بحار الأنوار : 52/ 320)

   ويقول الإمام الباقر عليه السلام في رواية :

 ... أنّه إتّهم زوجته بغيره فنقر رأسها وأراد أن يلاعنها عندي . فقال لها : بيني وبينك مَن يحكم بحكم داود و آل داود ، ويعرف منطق الطّير ولايحتاج إلى شهود . فأخبرته أنّ الّذي ظنّ بها لم يكن كما ظنّ ، فانصرفا على صلح .(بحار الأنوار : 46/ 256)

  نستنتج من مجموعة هذه الرّوايات أنّ الأئمّة الأطهار عليهم السلام لايحتاجون في قضائهم إلى بيّنة ، كما كان النّبيّ داود عليه السلام كذلك ، وأنّ الإمام بقيّة اللَّه الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء ، فإنّه يحكم على أساس علمه ، ولايحتاج إلى بيّنة قطعاً .

 

  قضاء الإمام صاحب العصر والزّمان عجّل اللَّه تعالى فرجه

  ننقل هنا روايات لها دلالة واضحة على أنّ الإمام صاحب العصر والزّمان عجّل اللَّه تعالى فرجه لايعول في أحكامه على البيّنة أبداً ، كما كان النّبيّ داود عليه السلام من قبل .

  وانظروا إلى هذه الرّوايات :

  في رسالة بعثها حسن بن طريف إلى الإمام العسكري‏عليه السلام سأل فيها عن كيفيّة صدور قضاء الإمام بقيّة اللَّه الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء ، يقول الحسن بن طريف :

 إختلج في صدري مسألتان ، وأردت الكتاب بهما إلى أبي محمّد عليه السلام ، فكتبت أسأله عن القائم عليه السلام بم يقضي ؟

 فجاء الجواب : سألت عن القائم ، إذا قام يقضي بين النّاس بعلمه كقضاء داود عليه السلام ، ولايسأل البيّنة .(بحار الأنوار : 50/ 264 , 52 / 320)

   في رواية يقول الإمام الصادق عليه السلام لأبي عبيدة : يا أبا عبيدة ؛ أنّه إذا قام قائم آل محمّد ، حكم بحكم داود وسليمان ؛ لايسأل النّاس بيّنة .(بحار الأنوار : 23/ 86)

  ويقول أبان : سمعت من الإمام الصادق عليه السلام يقول :

 لايذهب الدّنيا حتّى يخرج رجل منّي يحكم بحكومة آل داود لايسأل عن بيّنة ، يعطي كلّ نفس حكمها .(بحار الأنوار : 52/ 320)

  ونقلت هذه الرّواية عن أبان أيضاً بهذا المضمون ، فيقول : قال الإمام الصّادق عليه السلام :

 سيأتي في مسجدكم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً - يعني مسجد مكّة - يعلم أهل مكّة أنّه لم يلد (هم) آبائهم ولا أجدادهم ، عليهم السيوف ، مكتوب على كلّ سيف كلمة تفتح ألف كلمة ، فيبعث اللَّه تبارك وتعالى ريحاً فتنادي بكلّ وادٍ : هذا المهديّ يقضي بقضاء داود وسليمان عليهما السلام لايريد عليه بيّنة .(23)

   كذلك يقول حريز : إنّني سمعت عن الإمام الصّادق عليه السلام يقول :

  لن تذهب الدنيا حتّى يخرج رجل منّا أهل البيت يحكم بحكم داود و آل داود ؛ لايسأل النّاس بيّنة .(24)

 

المصدر : موقع «کمیته اطلاع رسانی همایش دکترین مهدویت»

نقلا عن کتاب «دولة الإمام المهدی عجل الله تعالی فرجه الشریف : 57»

زيارة : 3334
اليوم : 84125
الامس : 98667
مجموع الکل للزائرین : 133989836
مجموع الکل للزائرین : 92656118