الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
ما هي العبادة؟

ما هي العبادة؟

ما هي العبادة؟ وأيّ قسم من تلك الأعمال التي يمكن أن يطلق عليها مصطلح العبادة؟ وهذا سؤال مهم يخطر أحياناً في ذهن بعض الأشخاص، بالطبع فإنّ الكثيرين يعتقدون أنّ العبادة هي بمعنى الصلاة والصيام وبقيّة العبادات التقربية الاُخرى، ولكن عند مراجعة الروايات الواردة عن أهل بيت‏ العصمة والطهارة صلوات اللَّه عليهم أجمعين والإستفادة من إرشاداتهم وتوجيهاتهم ‏التي لايمكن لإنسان عاقل وصاحب فطرة سليمة الإستغناء عنها سوف نرى أنّ‏ العبادة لاتنحصر بإطار الصلاة والصوم والحج وفروع الدين الاُخرى، وإنّما معناها الحقيقي هو العبوديّة للَّه الواحد الأحد، ولن تتحقق تلك العبودية إلّا من‏ خلال الخضوع للأوامر والأحكام الإلهية وتنفيذ ما يريده منّا، ولا شكّ فإنّ ما يبتغيه البارئ عزّ وجلّ لاينحصر في دائرة الصلاة والصوم فقط والعمل على‏ التكثير منها.

حيث قال الإمام الحسن العسكري‏ عليه السلام في هذا الخصوص:

لَيْسَتِ الْعِبادَةُ كَثْرَةَ الصَّلاةِ وَالصِّيامِ، وَإِنَّمَا الْعِبادَةُ كَثْرَةُ التَفَكُّرِ في ‏أَمْرِ اللَّه.(58)

وكما قلنا فإنّ العبادة هي الخضوع للإرادة الربانيّة ومشيئته، ومنها يصل‏ الإنسان إلى مقام العبوديّة، وإنّ الملاك في الوصول إلى ذلك المقام هو قيمة العبادة، ولن تعتبر كثرة الأعمال والعبادة شرطاً مهمّاً وحتميّاً لنيل الدرجات المعنوية المتعالية؛ باعتبار أنّ المناط والميزان هو القيمة الواقعية لها بعيداً عن شكلها ومدتها وكثرتها.

ومن الواضح أنّ العبادة تكون ذات قيمة كبيرة إذا استطاعت إيجاد التأثير الملموس وتوجد تحوّلاً وتغيّراً في باطن الإنسان وسريرته، وعليه فإنّ أهميتها مشروطاً بالتحول في نفس الشخص العابد.

ويتّضح من خلال هذا أنّ التوفيقات والنجاحات التي حصل عليها عباد اللَّه ‏المخلصون وأولياؤه المقرّبون - والذين تمكنوا من إيجاد التحوّل في أنفسهم‏ والإستفادة من قدراتهم المعنوية - سواء في مجال العبودية للَّه أو في هداية الناس كان ملاكها التأثير الذي تركته قيمة العبادة التي تقرّبوا بها إلى اللَّه تبارك ‏وتعالى، وليس في ذات كثرتها، ومع أنّه في الكثير من الموارد يكون تأثير العبادة الكثيرة مرتبطاً بكثرتها، ولكن هذا الموضوع ليس قانوناً وقاعدة كلية.

والدليل على هذه الحقيقة الرواية التي نقلها «المفضّل» والذي يعدّ من‏ خواصّ الإمام الصادق عليه السلام حيث قال:

كُنْتُ عِنْدَ أَبي عَبْدِاللَّهِ‏ عليه السلام فَذَكَرْنَا الْأَعْمالَ، فَقُلْتُ اَنَا ما أَضْعَفَ‏ عَمَلي؟! فَقالَ: مَهْ اِسْتَغْفِرِ اللَّهَ، ثُمَّ قالَ لي: اِنَّ قَليلَ الْعَمَلِ مَعَ التَّقْوى‏ خَيْرٌ مِنْ كَثيرٍ بِلا تَقْوى. قُلْتُ: كَيْفَ يَكوُنُ كَثيرٌ بِلا تَقْوى؟

قالَ: نَعَمْ مِثْلُ الرَّجُلِ يُطْعِمُ طَعامَهُ، وَيُرفِقُ جيرانَهُ وَيَوَطِّئُ رَحْلَهُ، فَاِذا ارْتَفَعَ لَهُ الْبابُ مِنَ الْحَرامِ دَخَلَ فيهِ، فَهذَا الْعَمَلُ بِلا تَقْوى، وَيَكُونُ الْآخَرُ لَيْسَ عِنْدَهُ فَإِذا ارْتَفَعَ لَهُ الْبابُ مِنَ الْحَرامِ لَمْ يَدْخُلْ‏ فيهِ.(59)


58) بحار الأنوار: 373/78، عن تحف العقول: 486.

59) أصول الكافي: 76/2، بحار الأنوار: 104/70.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2692
    اليوم : 25121
    الامس : 91526
    مجموع الکل للزائرین : 135262614
    مجموع الکل للزائرین : 93480589