الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
الإستبدال نتيجة ترك التقوى

الإستبدال نتيجة ترك التقوى

قد يحصل أحياناً تعرّض الحالات الروحيّة إلى الفناء والزوال نتيجة بعض‏ المسائل الحادثة، فتتبعها عمليّة قلعها من أصولها وأحياناً أخرى تكون النتيجة الحاصلة غير ذلك، بل إنّها تسبب في تحويها واستبدالها من حالة إلى اُخرى.

ونقول على سبيل التوضيح: إنّ البارئ عزّ وجلّ يغفر أحياناً الذنب والمعصية ويمحو أثره بشكل كامل، وقد يبدله أحياناً اُخرى إلى الحسنة فنخاطبه بالقول: «يا مُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ بِالْحَسَناتِ» ففي الحالة الأولى فإنّ المعصية إنتفى أثرها وزال بالمجموع ولم تتبدّل إلى حالة اُخرى، بينما الصورة في الحالة الثانية اختلقت فتبدل الذنب والمعصية إلى حسنة.

فالتقوى هي حالة تشبه إلى حدّ هذا الأمر؛ لأنّها قد تزول أحياناً نتيجة المعصية بصورة كاملة وأحياناً تفسد نتيجة السيطرة المطلقة للشهوة أو المعصية، ولكن هذا لايعني القضاء عليها، بل تحوّلت من تلك الحالة إلى ‏الحالة الشيطانيّة.

قال أميرالمؤمنين علي ‏عليه السلام:

لايُفْسِدُ التَّقْوى إِلّا غَلَبَةُ الشَّهْوَةِ.(105)

من النقاط التي تثير الإهتمام في هذا الحديث الشريف هي أنّ الإمام صلوات اللَّه ‏عليه لم يقل: إنّ التقوى تذهب بغلبة الشهوة، وإنّما قال: إنّها لم تفسد إلّا من‏ خلال غلبة الشهوة، وهذا الأمر بعيد عن التنافي مع التبديل والتغيّر.

والنقطة الاُخرى التي تسترعي الإنتباه هي أنّ التقوى هي حالة لها خصلة روحيّة ومعنوية بالمطلق، وفي حالة فسادها تستوجب فقدانها لتلك الخصلة وتفقد عناصرها الحيوية.

وفي هذه الحالة يفقد الشخص الحالة الرحمانية، وتضحى تلك الحالة وتتبدّل إلى حالة شيطانيّة تعتريها الغرائز والأهواء والخيالات الشيطانية! وبذلك تسيطر هذا الحالة ونتيجة فساد التقوى على الفرد المتقي وفي خضم‏ ذلك تشكل عنده مرحلة كلّها إضطراب واستقطاب للشيطان.

لذا نرى أنّ الشخص المتقي الذي تغلب عليه شهوة الرئاسة يصبح أكثر خطراً  من الشخص العادي الذي حصل عليها.

ومن هنا نجد أنّ تبديل الحالات الرحمانيّة إلى الحالات الشيطانيّة وتبديل‏ الحالات الشيطانيّة إلى الحالات الرحمانيّة من المسائل المسلمة التي وردت‏ في أحاديث وكلمات أهل البيت ‏عليهم السلام.

وعادة ما يتمتّع الإنسان ونتيجة السعي والجدية والمثابرة والأعمال التي ‏يقوم بها بقوى روحية ومعنويّة، فترسخ في قلبه وروحه بشكل تجعل الحالات‏ الماديّة وكيفيتها الطبيعيّة تصل إلى أقلّ المراتب والدرجات فتغلب حينئذ الحالات المعنوية والروحية، وتكون هي من لها الفيصل في سلوكه وأفعاله.

إنّنا إذا فرضنا أنّ الحالات المعنويّة والروحيّة لدى الإنسان تبدلت، فإنّه‏ يخرج عن حالته العاديّة والطبيعية، فترى في الكثير من الموارد تنقلب الصورة فتتبدل تلك الحالات إلى حالات معاكسة تماماً فتتحوّل إلى حالات شيطانيّة وكذلك قد تكون الصورة معكوسة إذ إنّ الكثير من المعاصي والآثام التي‏ تجمعت نتيجة سنوات متتالية من معصية البارئ عزّ وجلّ وترسخت بشكل‏ جذري، واختلطت بالأرواح الشيطانية الخبيثة تتبدّل نتيجة الإنابة والتوبة النصوحة إلى حالات رحمانية قاهرة لجميع الحالات الشيطانيّة التي كانت ‏مهيمنة من قبل؛ باعتبار أنّ اللَّه عزّ وجلّ قد يغفر أحياناً المعاصي وأحياناً اُخرى‏ لايغفر المعاصي تلك  فقط، وإنّما يبدلها إلى حسنات.

إنّ واحداً من أسماء ربّ السماوات والأرض والتي تزرع الأمل في قلوب‏ العاصين والمذنبين والذين تأخّروا عن قافلة المعنويّات هو «يا مُبَدِّلَ السَّيِّئاتِ ‏بِالْحَسَنات»، وتجري هذا العملية في حالة وصول الإنسان إلى الكمال والتوبة النصوحة، حيث تتبدّل آثارها وتتغيّر.


105) شرح غرر الحكم: 376/6.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2778
    اليوم : 8008
    الامس : 85752
    مجموع الکل للزائرین : 133031157
    مجموع الکل للزائرین : 92123756