الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
التقوى وسيلة لمعرفة الأفكار الرحمانيّة والشيطانيّة

التقوى وسيلة لمعرفة

الأفكار الرحمانيّة والشيطانيّة

كيف يمكن للإنسان من تشخيص الأفكار الرحمانيّة عن الأفكار الشيطانيّة؟

إنّ الإنسان وفي الكثير من الموارد عاجز عن وضع حدّ فاصل بين الأفكار الرحمانيّة والأفكار الشيطانيّة، وبالتالي عدم التفريق بينهما ولايعلم أيّهما أفكاراً رحمانية والتي لها أساس معنوي وأفكاراً شيطانية ونفسية والتي ألقيت‏ في الذهن عن طريق الشيطان أو النفس؟

إنّ عدم التشخيص هذا يؤدّي بالنتيجة إلى رسم حالة التحيّر والشرود ولايدري الوظيفة التي جعلت على عاتقه أمام مثل تلك الأفكار التي لايعلم ‏منها هل إنّها رحمانيّة أم شيطانيّة؟

ولعلّ المشكلة الأصعب في هذا الموضوع هي مسألة تجسيد الأفكار وبلورتها وحالة المكاشفة الحاصلة، فإنّ حقيقتهما تبقى خافية حتّى على‏ الأشخاص المتعلّمين والدارسين، ولأجل الإجابة على التساؤلات التي تمّ‏ طرحها نقول: إنّ القرآن الكريم قد أجاب على ذلك من خلال الكثير من آياته‏ ومنها قوله تعالى:

«إِنَّ الَّذينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّروُا...».(93)

يعني أنّ التقوى تمنح الإنسان قوّة ومعرفة، بحيث تجعله عالماً بالدسائس‏ والمخططات التي يحيكها الشيطان والأفكار والرؤى التي يريد إلقائها، ويدرك‏ جيّداً  أنّها من فعله يريد غرسها في ذهنه.

ولذلك ينبغي له السير في تشخيص الأفكار والرؤى الرحمانيّة عن‏ الشيطانيّة، وأيّ منها عليه تطبيقها وإنزالها على أرض الواقع، وأيّ منها عليه ‏الإبتعاد عنها وإهمالها وطردها من الذهن في دائرة التقوى وهي قاعدة مهّمة يمكن التركيز على خطوطها العريضة للإنطلاق نحو التشخيص الصحيح‏ والسليم.

إذن يمكن من خلال التقوى والصلاح صيانة النفس من الوقوع في شباك‏ الشيطان وحبائله، هذا بالإضافة إلى الحصول على البصيرة والمعرفة التفصيلة في معرفة العدوّ وطرق نفوذه، وبالتالي الإستعداد أكثر في الوصول إلى ‏المقامات الروحيّة المتعالية.

وباعتبار أنّ طريق التطوّر والتكامل والوصول إلى أيّ هدف يستلزم معرفة الموانع والعقبات التي تقف أمامه، ومعرفة معالم ذلك الطريق، وإلّا فإنّ ‏الإنسان يفشل في العبور منه لما فيه من مخاطر وطرق وعرة ومشاكل كثيرة.

ومن المعلوم فإنّ المسير المعنوي والسير والسلوك الروحي محفوف أيضاً بالموانع والحيل النفسيّة والشيطانيّة، وعليه يجب على الإنسان معرفتها بشكل‏ واضح، حتّى ليقع فيها والنجاة منها في الوقت المناسب، وكذلك لابدّ للإنسان ‏أن يعرف أنّ الشيطان يريد إغواءه عن عدّة طرق، وبالتالي تشخيص الطريق‏ الذي دخل منه والكيفية التي يريد من خلالها حرفه عن الجادّة الصحيحة.

ومن الواضح وكما رأينا في الأحاديث الواردة عن أهل البيت‏ عليهم السلام فإنّ التقوى‏ هي الوسيلة التي يمكن من خلال معرفة الوساوس الفكريّة الشيطانيّة ودرك ‏هجوم الأفكار والأوهام الشيطانية، إذ إنّ الأشخاص الذين يتحلون بالتقوى ‏يستطيعون وبسهولة فرز الأفكار الرحمانيّة عن الشيطانيّة.

ونقول للأسف الشديد: فإنّ هناك فئة من الناس قد أصيبوا بالعديد من‏ الأمراض الفكريّة والروحيّة والتلوثات النفسية وسواد القلب وفقدان البصيرة، وهذا ناتج كلّه من عدم وجود عامل التقوى لديهم، وهم بالفعل غير قادرين ‏على تشخيص العلاج اللازم ومعرفة الدواء الذي يشفي أنفسهم، وبالنتيجة فقد وقعوا ولعدم معرفتهم بمذهب أهل البيت ‏عليهم السلام وما جاء به من تعاليم سامية تفتح ‏آفاق الخلاص من تلك الأمراض في شباك أفراد منحرفين من أمثال ساحر الهنود الحمر «دون خوان» أو «ماهاريشي» وغيرهما من أولئك الشياطين، وأصبحوا يعانون من الحيرة والتيه.

فهل رأيت أو سمعت يوماً أنّ شخصاً تعرف على حقيقة مذهب أهل البيت‏ صلوات اللَّه عليهم أحتاج إلى أفكار وعقائد ورؤى هؤلاء المنحرفين؟

ولانذيع سرّاً إذا قلنا: إنّ هؤلاء الأشخاص قد وصلوا ونتيجة الرياضات ‏والتمارين الروحيّة التي تخالف العقل والشرع إلى قدرات ومهارات خارقة، ولكن تلك القدرات النفسيّة والشيطانيّة التي نالوها استخدموها في طريق ‏الفساد وخدمة الأهداف والمصالح لأصحاب القوّة والقرار، وبالطبع فإنّ منشأ ذلك هو فقدانهم حالة التقوى والصلاح.

إنّنا نرى أنّ بعض من المرتاضين الهنود وعباد البقر والذين يلطخون‏ روؤسهم بفضلات البقر (المقدّس!)، يجلسون مع الرؤساء الأمريكين وسائر رؤساء العالم الذين بيدهم قدرات الشعوب ليقدموا لهم الإستشارة والنصيحة ويعلّمونهم دروساً في المعنويّات ومعرفة اللَّه وحبّ الإنسان! وكيف يمكنهم ‏العمل على قهر تلك الشعوب المظلومة والمستضعفة ونهب خيراتها؟! فيريدون ومن خلال الوسائل والقوى الشيطانيّة اللامرئيّة محاربة القوى الغيبيّة والإلهية.(94) 

إنّ هؤلاء الطغاة ونتيجة تناغم أفكارهم مع أحفادهم من أمثال فرعون فإنّهم ‏يتوسّلون بالسحرة لتمرير خططهم وبرامجهم المشؤومة!

وبما أنّهم فقدوا الحقيقة ومعالم طريقها أخذوا يتخبطون ويطرقون كلّ باب ‏حتّى وإن كانت باب السحرة والشعوذين!

ولابدّ للإنسان إذا أراد النجاة والخلاص من الآلام الروحيّة وعذاباتها التوسّل بمن اجتباهم اللَّه عزّ وجلّ فشهدوا الخلق والعالم.

وعلى هذا الأساس تتّجه صوب مذهب من يمنح الحياة الأبدية والسكون ‏والطمأنينة والراحة النفسيّة فلتستمع لكلمات من أمير البيان الإمام ‏أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام إذ يقول فيها:

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنّي اوُصيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذي اِبْتَدَءَ خَلْقَكُمْ وَإِلَيْهِ يَكوُنُ ‏مَعادُكُمْ، وَبِهِ نَجاحُ طَلِبَتِكُمْ، وَإِلَيْهِ مُنْتَهى رَغْبَتِكُمْ، وَنَحْوُهُ قَصْدُ سَبيلِكُمْ، وَإِلَيْهِ مَرامي مَفْزَعِكُمْ، فَإِنَّ تَقْوَى ‏اللَّهِ دَواءُ داءِ قُلوُبِكُمْ، وَبَصَرُ عَمى أَفْئِدَتِكُمْ، وَشَفاءُ مَرَضِ اَجْسادِكُمْ، وَصَلاحُ فَسادِ صُدوُرِكُمْ، وَطَهُورُ دَنَسِ أَنْفُسِكُمْ، وَجَلاءُ غِشاءِ اَبْصارِكُمْ، وَاَمْنُ ‏فَزَعِ جَأْشِكُمْ، وَضِياءُ سَوادِ ظُلْمَتِكُمْ... .(95)

وكما يشاهد القارئ العزيز فإنّ الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام يعرّف التقوى على‏ أنّها طريق لدواء القلوب من المعاصي الفكريّة وعمى البصيرة وبقيّة الأمراض‏ الروحيّة الاُخرى، ويوصي جميع الإنسانيّة مهما كانت مشاربها الفكريّة والعقائديّة في البحث عن الإنسانيّة والسير في طريق المعنويّات ومن ثمّ‏ الحصول عليها.


93) الأعراف: 201.

94) لقد صرفت الولايات المتحدة الأمريكيّة في هذا الطريق الملايين من الدولارات، وخسرت العديد من جنودها، ولمزيد من المعلومات راجع كتاب «إلى اللانهاية».

95) بحار الأنوار: 284/70، نهج البلاغة: الخطبة رقم 81، شرح نهج البلاغة (المرحوم ميرزا حبيب اللَّه الخوئي) الخطبة رقم 269/12 :197.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2766
    اليوم : 62405
    الامس : 132510
    مجموع الکل للزائرین : 138480453
    مجموع الکل للزائرین : 95097235