الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
النشاط في العبادة

النشاط في العبادة

إذا أراد الواحد منّا درك جاذبيّة العبادة فما عليه سوى إبعاد عملية الإكراه من قلبه ‏والقيام بها بكلّ رغبة واشتياق حتّى يتمكّن من كسب الآثار القيّمة والعظيمة المترتبة عليها وإخراج نفسه من دائرة الشيطان الرجيم.

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم :

اَفْضَلُ النَّاسِ مَنْ عَشِقَ الْعِبادَةَ فَعانَقَها وَاَحَبَّها بِقَلْبِهِ، وَباشَرَها بِجَسَدِهِ وَتَفَرَّغَ لَها، فَهُوَ لايُبالي عَلى ما اَصْبَحَ مِنَ الدُّنْيا، عَلى عُسْرٍ اَمْ عَلى يُسْرٍ.(80)

وعلى أساس ذلك فمن شروط العبادة مضافاً إلى خلوصها إبعاد الشيطان ‏والنفس الإنسانيّة منها وإلّا تضحى رياء وغرور وأمثالهما.

ويجب على الإنسان أن يبني نفسه بشكل تكون النفس منقادة للعقل، وبذلك تكون حينئذ نفسه راغبة بالعبادة بإخلاص وقربة مطلقة للبارئ عزّ وجلّ، وهذا يحدث نتيجة تلك التبعيّة، حيث من خلالها تتهذّب النفس فتكون‏ كالعقل ميالة كل الميل للقيام بالعبادة الخالصة.

وعليه فإنّ عمليّة التهذيب والإستعداد الذاتي للنفس من الشروط المهمة في‏ العبادة وهي تلعب دوراً لايستهان به؛ لأنّ الإنسان إذا أراد القيام بالعبادة نتيجة الأوامر الصادرة من العقل تكون النفس هي المانع والعقبة، وعامل ردع ‏ومقاومة، فتعمل من داخل وجوده وبكلّ الأشكال على منعه من القيام بها وتقنّعه على أنّها أمر ناتج من فراغ أو وصوله إلى حالات روحية سلبيّة تحدث‏ نتيجة المقاومة التي يبديها لموانع اُخرى، فتكون آفة وبلاءً عليه من قبيل مرض‏ الوسواس، فتجعله يفقد اللذات الروحيّة الحاصلة نتيجة العبادة، وبذلك‏ يصبح قلبه مرتعاً خصباً لكلّ الأمراض النفسيّة والروحيّة.

إنّ العبادة هي الصراط المستقيم للَّه تبارك وتعالى، وهذه حقيقة أشار إليها القرآن الكريم، وبها يصل الإنسان إلى مقام العبوديّة، ومن يصل إلى ذلك المقام‏ فإنّه يتحصّن من وساوس الشيطان، ويتخلّص من حكومته وسلطنته، بينما نرى أنّ الشخص الذي يقوم بالعبادة المتزامنة بعداء النفس لن يكون بمنأى عن ‏تلك الوساوس فقط؛ وإنّما جعل نفسه هي الحاكم المطلق، فتصول وتجول ‏وبذلك تكون مهلكة أكثر من الشيطان والعامل الذي يعبد الطريق لنفوذ الشيطان.

ومن لوازم تلك العبادة إبتعاد النفس وتضاربها مع العقل وعدم مطاوعتها له، وكذلك القيام بها من دون أي عملية لتهذيب النفس وبنائها، وهذه هي ثمرات ‏العبادة التي تؤسّس لوجود الشيطان وهيمنته.

ومن هنا فإنّ القيام بأيّ عبادة يتطلب الإستعداد لتهيئة المقدمات والأجواء اللازمة والضرورية لها وتأديتها باستحقاق وجدارة، إذ أنّ الشخص الذي يقوم‏ بالعبادات الصعبة وحسب الإصطلاح المعروف الرياضات الشرعيّة، ولكنّه‏ ليس له الإستعداد النفسي اللازم فإنّه يكون غير مؤهل للقيام بمثل تلك‏ العبادات، وعلى هذا الأساس فمن يرغب الوصول إلى قمة العبادة والرياضات‏ الروحيّة المتعالية عليه العمل لتوفير أرضية محبة العبادات في قلوبهم.

إذن من الشروط الحتمية للقيام بالعبادات الصعبة أو بتعبير البعض القيام‏ بالرياضات الشرعية هي الإستعداد النفسي وتصوّر استحقاقاتها ونتائجها والآثار التي تترتب عليها.

وكم هو حسن ورائع، بل ولازم أن تتزامن أعمال وأفعال الإنسان وخاصّة العبادية منها مع التعرّف والإطلاع الكامل على مذهب أهل البيت‏ عليهم السلام والقيام‏ بعبادة البارئ عزّ وجلّ من خلال منهجهم وسيرتهم، وبالتالي البقاء في آمان من ‏السقوط والإنزلاق والإنحراف والتعصّب الأعمى.

آل النبيّ هم مصابيح الهدى

تُجلى بنور هداهم الظلماتُ

جبهاتهم بالنور تشرق كلّما

قد أظلمت من غيرهم جبهاتُ

أجرُ الرسالة ودّهم نزلت له

في الذكر من ربِّ السما الآياتُ

هم عصبةٌ بسوى الصلاة عليهم

من مسلمٍ لا تُقبَل الصلواتُ

يا آل بيت محمّد؛ بولائكم

تُمحى الذنوب وتُضاعفُ الخيراتُ

وبغير حُبّكم إذا جمع الورى

يوم الجزا لاتُقبَل الطاعاتُ

حُبّي لكم ذخري وإنّ جوانحي

عمر الزمان عليه مطويّاتُ

وعلى هذا الأساس، فإنّ القيام بالعبادات وفق مذهبهم صلوات اللَّه عليهم يتطلب‏ معرفة الشروط  الخاصّة بالعبادة والموانع التي تقف حائلاً من قبولها، من قبيل ‏أكل المال الحرام.


80) بحار الأنوار: 253/70، عن اُصول الكافي: 83/2 .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 3004
    اليوم : 27485
    الامس : 85752
    مجموع الکل للزائرین : 133070110
    مجموع الکل للزائرین : 92143233