الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
الكراهية في العبادة

الكراهية في العبادة

من الطبيعي أنّ الإرشادات والتعاليم الواردة عن أهل بيت الطهارة والعصمة صلوات اللَّه عليهم أجمعين حول كيفيّة العبادة وتحديد المعاير والضوابط  الخاصّة بها وحثّهم على التوجّه إلى الجوانب القلبية والباطنية لها كلّها تنصب في إطار الإستفادة الأكمل للناس من عبادتهم والآثار المترتّبة عليها، والتي لايمكن‏ دركها إلّا من خلال الوجدان، إذ إنّها تحدث تحوّلات وتغيّرات روحية ومعنوية تتأقلم مع النفس والعقل.

وأمّا إذا كانت خلاف ذلك، فإنّها تتحوّل إلى أمر عبثي لا جدوى منه ‏ولايرتجى منها شي‏ء، وكذلك فإنّها إذا تقاطعت مع تعاليم أهل البيت‏ عليهم السلام ‏وابتعدت عن منهجهم وسلوكهم فلن يكون لها سوى التعب والنصب والعياء والغرور، ولابدّ للإنسان تجنّب كلّ من يسلك ذلك ويشذ عنها.

ومن هذا المنطلق نرى أنّ أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام يقول :

إِيَّاكُمْ وَالْجُهَّالِ مِنَ الْمُتَعَبِّدينَ وَالْفُجَّارِ مِنَ الْعُلَماءِ فَإِنَّهُمْ فِتْنَةُ كُلّ ‏مَفْتوُنْ.(76)

وقد تكون أحياناً عبادة هؤلاء في الأصل غير صحيحة وأقنعوا أنفسهم ‏بالحجج الواهية بأنّها هي الصحيحة، وأحياناً اُخرى نرى أنّ العبادة التي يأتون‏ بها قد وردت في الشارع المقدس، ولكن عند القيام بها وبدل الإتيان بها عن‏ عبوديّة وطيب خاطر ورضا قلب، فإنّهم يقومون بالإتيان بها بإكراه وتألّم، ومع ‏هذا فإنّهم يعتقدون بأنّهم وصلوا إلى الكمال المنشود والمستوى المتعالي.

ولا شكّ فإنّ مثل هذه العبادة تصل بالإنسان إلى حالة الإشباع والتنفّر بالإضافة إلى أنّها تسبّب في بعض الأحيان إلى إيجاد سوء ظنّ بالآخرين، في ‏الوقت الذي يجب أن تكون العبادة باعثةً على توطيد حالة الإقبال والتوجه ‏والنشاط والحيوية في القلب، وليس حالة الإكراه والنفرة فإن أصبح المعيار والضابطة فيها هذا الأمر فسوف تعود على الإنسان بآثار سلبيّة وعكسيّة.

وفي هذا الصدد ينقل عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام قوله :

لاتُكْرِهُوا إِلى أَنْفُسِكُمْ اَلْعِبادَةَ.(77)

لذا يبنغي لكلّ واحد منّا أن يقوم بالعبادة بشوق ورغبة حتّى تظهر قيمتها الواقعية في وجودنا.

وهنا قد يطرح سؤال مفاده: على هذا الأساس فلابدّ للكثير من العابدين ‏ترك عبادتهم ويريح النفس منها؛ باعتبار عدم حصول الإقبال والتوجه ‏الخاصين عند العبادة بالإضافة إلى الملل والإكراه وحصول نوع من الجبر؟

فنقول في الإجابة عليه: إنّ التفكير بهذا النمط ينمّ عن عدم المعرفة الصحيحة والواعية بمذهب أهل البيت ‏عليهم السلام حيث إنّ الإنسان يستطيع ومن‏ خلال الإمعان والدقة في أحاديثهم الملكوتية التوصل إلى أنّ كلّ صفة وحالة سلبية وضعها الخالق المصوّر سبحانه وتعالى وهيّأ أرضيّتها في وجود الإنسان من ‏قبيل الحسد والبغض والإكراه وأمثالها لابدّ من الإستفادة منها في قبال أعداء اللَّه ‏عزّ وجلّ، ومن هنا ينبغي للإنسان عدم خداع الناس - إذ تعتبر من الصفات ‏المذمومة - بل عليه خداع نفسه ورفع حالة الإكراه والجبر، وذلك من خلال‏ تلقينها وجعلها تميل إلى القيام بالعبادة بكلّ رغبة وشوق.

قال مولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام :

خادِعْ نَفْسَكَ في الْعِبادَةِ وَارْفِقْ بِها وَلاتَقْهَرْها.(78)

وعليه فإنّ الإنسان إذا شعر بوجود حالة الإكراه في حالة قيامه بالعبادة ومالت نفسه إلى تركها، فعليه سريعاً تدارك الأمر والعمل على إبعاد وإزالة تلك‏ الحالة من النفس بأيّ شكل من الأشكال ولايجعلها تعصف بها، وبالتالي فقدانه‏ لذّة الوصال مع المحبوب الحقيقي؛ لأنّ العبادة يجب أن تؤدّى بحالة من ‏النشاط والشوق والعشق وليس بملل وسآمة وإكراه.

عن مولانا الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام قال :

لاتُبَغِّضْ إِلى نَفْسِكَ عِبادَةَ رَبِّكَ.(79)


76) بحار الأنوار: 106/2.

77) بحار الأنوار: 213/71، عن اُصول الكافي: 86/2.

78) بحار الأنوار: 509/33، عن نهج البلاغة: الرسالة رقم 69.

79) بحار الأنوار: 214/71، عن اُصول الكافي: 87/2.

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2924
    اليوم : 29797
    الامس : 85752
    مجموع الکل للزائرین : 133074734
    مجموع الکل للزائرین : 92145545