الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
العبادات الروحيّة

العبادات الروحيّة

القسم الآخر من العبادات هي تلك العبادات التي ترتبط بالجانب الروحي، حيث يصل بها الإنسان إلى القرب الإلهي، وذلك نتيجة الفكر الثاقب والعقيدة الصحيحة والقلب  السليم.

يقول الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام في آخر خطبة له مبيّناً عجائب الطاووس‏ وخلقته العظيمة:

جَعَلَنَا اللَّهُ وإِيَّاكُمْ مِمَّنْ يَسْعى بِقَلْبِهِ إِلى مَنازِلِ الْأَبْرارِ بِرَحْمَتِهِ.(71)

ولا شكّ فإنّ كلام أميرالمؤمنين ويعسوب الدين علي‏ عليه السلام دليلٌ واضحٌ على ‏أنّ العبادات الروحيّة من قبيل التفكّر في آيات اللَّه ومظاهر التجلي الإلهية هي‏ وسيلة للوصول إلى المقصد النهائي والجلوس في مقعد الأبرار والأخيار، ولهذا السبب نرى في الكثير من الروايات الواردة قد تمّ التعبير عن العبادة بالتفكّر والتأمّل في أمر اللَّه سبحانه وتعالى وآياته في الآفاق.

فعن مولانا الإمام ثامن الحجج عليّ بن موسى الرضا صلوات اللَّه عليه أنّه قال :

لَيْسَتِ العِبادَةُ كِثْرَةَ الصَّلاةِ وَالصَّوْمِ، إِنَّمَا الْعِبادَةُ اَلتَّفَكُّرُ في أَمْرِ اللَّهِ ‏عَزَّ وَجلَّ.(72)

ولهذا الأمر نرى أنّ أبا ذر الغفاري رضوان اللَّه عليه كان قد قضى أكثر عبادته‏ بالتفكّر والتأمّل في خلق اللَّه تعالى، وقد استطاع وعلى الرغم من عمره أقصر من‏سلمان المحمدي رضوان اللَّه عليه وقضى قسماً منه في الجاهلية، ولكنّه وصل إلى‏ مقامه وأصبح من أقرانه.

إذن فإنّ العبادة والعبودية لاتنحصر في نطاق العبادة الجسدية، وإنّما يدخل‏ فيها العبادة الروحيّة، وهي روح العبادة ومغزاها، مثلها مثل التوجه والخلوص‏ و... في الصلاة وسائر الأعمال العبادية الأخرى والتي تعدّ روح الأعمال ‏الجسدية لتلك العبادات.

ومن المسائل المهمة التي لابدّ للإنسان من التركيز عليها هي وجوب‏ مراعاته للجوانب الروحية في جميع العبادات، وعدم التغافل عنها ووضعها جانباً، حيث نرى وللأسف الشديد أنّ هناك اشخاصاً لم يتركوا الجانب الروحي‏ للعبادة فقط، وإنّما عمدوا على عدم الإعتناء حتّى بالأعمال البدنية الصحيحة لها وأدائها بالشكل الكامل والمطلوب أيضاً، وبالنتيجة الإستخفاف بها.

ينقل أحد رواة الحديث:

سَأَلَ أَبُوبَصير الصّادِقَ ‏عليه السلام وَأَنَا جالِسٌ عِنْدَهُ عَنِ الْحُورِ الْعَيْنِ، فَقالَ‏ لَهُ: جُعِلْتُ فَداكَ اَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ الدُّنْيا اَوْ (خَلْقٌ مِنْ) خَلْقِ الْجَنَّةِ؟

فَقالَ لَهُ: ما أَنْتَ وَذاكَ؟ عَلَيْكَ بِالصَّلاةِ، فَإِنَّ آخِرَ ما اَوْصى بِهِ‏ رَسُولُ‏ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وآله وسلم وَحَثَّ عَلَيْهِ، الصَّلاةُ. إِيَّاكُمْ أَنْ يَسْتَخِفَّ اَحَدُكُمْ ‏بِصَلاتِهِ فَلا هُوَ اِذا كانَ شابّاً أَتَمَّها، وَلا هُوَ اِذا كانَ شَيْخاً قَوِيَ‏ عَلَيْها، وَما اَشَدَّ مِنْ سِرْقَةِ الصَّلاة ... .(73)

وعليه يجب علينا مراعاة الأركان الظاهرية للعبادة وأعمالها البدنية، وكذلك‏ باطنها على حدّ سواء؛ لأنّ المهم والمطلوب هو روح العبادة.

قال رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم:

رَكْعَتانِ خَفيفَتانِ في تَفَكُّرٍ، خَيْرٌ مِنْ قِيامِ لَيْلَةٍ.(74)

ويمكن إستنتاج النتيجة التالية من هذا الحديث وهي أنّ الأصل في العبادة هو التفكّر والتأمّل في آيات اللَّه جلّ وعلا ويعتبر القيام بها بمنزلة ومثابة روح وقلب‏ العبادات.

فعلى سبيل المثال يمكن للإنسان ومن خلال التدبّر والتفكّر في سورة الحمد معرفة أساس وولاية الإمام أميرالمؤمنين‏ عليه السلام والبراءة من أعدائه بشكل واضح والإتيان ‏باُصوله العقائدية في كلّ يوم عشرة مرّات على أقل التقادير، وذلك من أعماق‏ وجوده ويمررها على صفحة ذهنه.

وهذه هي نتيجة العبادة التي تتزامن وتقترن مع التفكر والتدبّر؛ باعتبار أنّ‏ التفكّر هو مظهر وعلامة لأهمية العبادة وقيمتها. ولهذا يقول الرسول‏ الأكرم‏ صلى الله عليه وآله وسلم:

لا عِبادَةَ كَالتَّفَكُّرِ.(75)


71) نهج البلاغة، الخطبة رقم 165.

72) بحار الأنوار: 322/71، عن اُصول الكافي: 55/2.

73) بحار الأنوار: 236/84، عن قرب الأسناد: 27.

74) بحار الأنوار: 240/84، عن ثواب الأعمال: 40.

75) بحار الأنوار: 70/77، عن المحاسن: 16.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2811
    اليوم : 22684
    الامس : 85752
    مجموع الکل للزائرین : 133060507
    مجموع الکل للزائرین : 92138431