الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
صدق العبادة

صدق العبادة

وتأكيداً على ما سبق فإنّ ملاك أهمية العبادة ليس كثرتها وإنّما الملاك هو قيمتها وتأثّراتها التي تتركها على واقع وحقيقة وحال الفرد وإن كانت تلك ‏العبادة لايعتدّ بها وكانت قليلة من وجهة نظر الإنسان.

ولايغامر أحداً الشكّ في أنّ العبادة إذا كانت صادقة تساهم في تحقيق الكثير من الآثار والبركات والثمار والنتائج الطيبة، ولهذا يجب على كل فرد منّا أن‏ يخطو خطوات صادقة في جميع الشؤون الحياتية خاصّة في القضايا المعنوية والتأهيل لمجاراة الأغراض والأهداف الشخصية والحقد والغش والعمل على‏ تزكية العمل والفعل ونقائه وخلوصه.

ولانجافي الحقيقة إذا قلنا: إنّ طهارة القلب من كل غلّ وغش وزرع الصداقة والخلوص هي السمة التي تميّز الشيعة، ومن هنا يقول مولانا الإمام ‏الحسين ‏عليه السلام:

إِنَّ شيعَتَنا مَنْ سَلُمَتْ قُلوُبُهُمْ مِنْ كُلِّ غَشٍّ وَدَغَلٍ.(60)

ولا شكّ فإنّ وجود حالات الغش والدغل في نيّة الإنسان يؤدّي في كل‏ الأحوال إلى الإستهانة بعمله ويعدّ  أمراً لا قيمة له، وعليه يجب أن يكون عمل‏ الإنسان في دائرة الصدق والإخلاص وإبعاد كلّ الحالات غير الصحية من‏ القلب، مثل الغش والغل والحقد والشراكة، وهذا لايتأتى إلّا من خلال الإرادة القوية والتصميم الجدّي والنية الصادقة.

إنّ واحدة من الطرق والأساليب التي تطهر القلب من تلك الأمور هي‏ الصلاة على محمّد وآل محمد صلوات اللَّه عليهم أجمعين (61) وإنّ واحدة من العلل في‏ ذكر هذا الورد قبل الأدعية هو إبعاد القلب من تلك الأمراض النفسية وإيجاد الصدق والخلوص فيه.

ومن الواضح والجليّ أنّ العمل والسعي إذا لم يكن على أساس قاعدة الصدق والخلوص، فإنّه لن يكون خالياً من أي قيمة تذكر فقط، وإنّما يكون‏ معصية وإثماً كبيرين.

بينما نجد أنّ العبادة الصادقة هي الطريق الأقرب والمؤثر للوصول إلى اللَّه ‏تبارك وتعالى؛ باعتبار أنّ السعي في القيام بالعبادة إذا كان صادقاً فإنّه يقلع السيئات‏ والأمراض النفسية من النفس قلعاً نهائيّاً ويوطئها لتكون القاعدة الرصينة التي ‏ينطلق بواسطتها للوصول إلى القرب الإلهي.

وقد اتّضح أنّ العبادة والوصول إلى المقام السامي للعبودية هو الصراط المستقيم، ولهذا فإنّ السير على ذلك الصراط لايتحقّق إلّا بوسيلة العبادة الخالصة.

قال اللَّه عزّ وجلّ في محكم كتابه العزيز:

«إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبّى وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدوُهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقيم».(62)

وعليه فإنّ الإنسان يستطيع بواسطة العبادة والعبودية للَّه تعالى السير على‏ الصراط المستقيم والنجاة من شباك الشياطين.

ولا شك أنّ السير على هذا الطريق والإستمرار فيه هو دليل ناصع على ‏سعادة الإنسان ونجاته وفوزه، وهذه حقيقة قد بينّها الإمام أميرالمؤمنين ‏علي‏ عليه السلام حين قال:

دَوامُ الْعِبادَةِ بُرْهانُ الظَّفَرِ بِالسَّعادَةِ.(63)

لأنّ الإنسان يكون في جادّة أولياء اللَّه تعالى وينال السعادة عندما يرتفع ‏مستوى عبادته ويحافظ عليها من كلّ الشوائب والرواسب التي يمكن أن تتعلّق‏ بها ويضحى بواسطتها من خلص عباده، وبالتالي يحصل على الأوصاف‏ والخصوصيات التي تمتع بها أولياؤه المقرّبون.

قال الإمام أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ‏صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: أَنَا وَعَلِيٌّ أَبَوا هذِهِ الْاُمَّةِ، وَلَحَقُّنا عَلَيْهِمْ أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ أَبَوَىْ وِلادَتِهِمْ، فَاِنَّنا نَنْقُذُهُمْ إِنْ اَطاعوُنا مِنَ ‏النَّارِ اِلى دارِ الْقَرارِ، وَنُلْحِقُهُمْ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ بِخيارِ الْأَحْرار.(64)

إذن يتمكّن الإنسان من الوصول إلى مقام العبودية ودرجة الأخيار، وذلك ‏من خلال شرطين أساسيين وهما أتباع أقوال وأحاديث الأئمّة الأطهار عليهم السلام ‏وتطبيقها بحذافيرها والعبادة الصادقة للَّه تبارك وتعالى، وفي هذه الصورة سوف‏ تتحقّق الولاية الرحمانية وتبتعد الشياطين وتفقد سيطرتها عليه.

وهذه حقيقة قرآنية، إذ يقول البارئ عزّ وجلّ في كتابه المنزل:

«إِنَّ عِبادى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطان وَكَفى بِرَبِّكَ وَكيلاً».(65)

لقد سعى الكثير من علمائنا الأعلام بعزائم قاطعة، وهمم عالية، ونفوس‏ قويّة لأجل الوصول إلى مقام القرب الإلهي ومقام العبودية.

ولا شكّ أنّ الجهود التي بذلها المرحوم الكرباسي في نيل المقامات‏ المعنوية الكبيرة هي واحدة من النماذج في هذا الطريق، وكان هذا العالم ‏الجليل واحداً من العلماء الشيعة الكبار وهو تلميذ السيّد بحرالعلوم وقد كُتب‏ عنه ما يلي:

كان الشيخ الكرباسي أعلى اللَّه مقامه يُحيي كلّ ليالي السّنة بالدعاء والعبادة، وذلك طلباً لدرك ليلة القدر، وكان يحضر إلى مسجد حكيم في الليالي المباركة، وخاصّة ليالي الجمعة، وكان يجمع الناس في تلك الليالي ويعظهم بالمواعظ الشافية، ثم يشير ضمن مواعظه إلى مصائب الأئمّة الأطهار عليهم السلام، ثمّ ينهمك فيما بعد بالدعاء والإلحاح على اللَّه تعالى لقضاء الحاجات، وكان يأتي أيضاً إلى‏ المسجد في غروب يوم الجمعة لقراءة دعاء السمات. ونظراً لكثرة ترغيبه‏ وحثّه الناسَ على الدعاء، فقد كانوا يحضرون في المسجد رجالاً ونساءً، ليقرأوا معه دعاء السمات، والواقع أنّ اهتمامه بالدعاء عصيٌّ على الوصف.

لقد أطبقت شهرة استجابة دعاء الكرباسي الآفاق، وبلغت كلّ الأسماع، وجرَتْ على كلّ الألسنة، ولم يحدث أنّ دعا المرحوم ربَّه وطلب منه شيئاً فلم ‏يستجب دعاءه، وكان الجميع يعتقد أنّه لو دعا الشيخ الكرباسي لأحد من أجل‏ أية حاجة فستُقضى حاجته فوراً ويصل إلى مبتغاه، وإذا دعا على أحدٍ فسيتحقق‏ ذلك بالتأكيد.

وقد دعا يوماً على حاكم إصفهان، حيث لم يحترمه فما كان إلّا أيّام قلائل‏ حتّى تمّ عزله من منصبه. وأمّا زهده وتقوها فحدّث ولا حرج، وخير مثال على‏ ذلك هو إصرار المرحوم الميرزا القمي على طبع رسالة عملية له، ولكنّه رفض‏ في البداية قائلاً: إنّ بدني لايتحمل نار جهنم، وبعد الإصرار الشديد من الميرزا وسائر العلماء أذعن لطلبهم وكتب رسالته.

وكان إذا أراد منه فقيرٌ شيئاً يطلب منه شاهداً ويقوم بتحليف ذلك الشاهد والفقير على عدم الإسراف في المال المعطى، ومن ثمّ يدفع لذلك الفقير قوت ‏شهرٍ كاملٍ.

يقال: إنّه جاء إليه أحد الأشخاص ليشهد في حادثة ما، فسأله الشيخ‏ الكرباسي عن عمله؟ فقال له الرجل: أنا غسال، فسأله عن شروط الغسل‏ فأجابه الرجل، ثمّ أردف قائلاً: عندما يأتي بالميّت أقول شيئاً في أذنه، فقال له ‏الشيخ: وماذا تقول؟ قال: أقول له: هنيئاً لك مت ولم تذهب إلى الشيخ‏ الكرباسي لأداء الشهادة.(66)

فهاهم علماؤنا الأبرار قد وهبهم اللَّه تعالى علماً نافعاً، وعقلاً راحجاً، وثباتاً على الحق، ورسوخاً في الإيمان.


60) بحار الأنوار: 156/68، عن تفسير الإمام العسكري‏ عليه السلام: 123.

61) للمزيد من المعلومات عن هذا الموضوع، راجع الرواية المفصّلة الّتي نقلها المرحوم العلّامة المجلسي في كتابه القيّم «بحارالأنوار: 16/94».

62) الزخرف: 64.

63) شرح غرر الحكم: 22/4.

64) بحار الأنوار: 259/23، عن تفسير الإمام العسكري ‏عليه السلام: 133.

65) الإسراء: 65.

66) الفوائد الرضويّه: 10، قصص العلماء: 118.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2766
    اليوم : 0
    الامس : 81482
    مجموع الکل للزائرین : 135192498
    مجموع الکل للزائرین : 93445424