الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
معرفة أهل بيت‏ عليهم السلام

معرفة أهل بيت‏ عليهم السلام

إنّ واحدة من البحوث المهمة التي تدخل في صميم المواضيع العقائدية والمعرفيّة هي معرفة المقام الشامخ والمكانة الرفيعة والعظيمة لأهل البيت‏ صلوات اللَّه عليهم أجمعين.

ولا شكّ فإنّ الوظيفة الدينية والشرعية تحتم على الجميع تحري السبل‏ لإيجاد تلك المعرفة قدر الإمكان والإستطاعة، والحركة بشكل متوازٍ ومنطبق ‏مع معرفة كلّ إمام من الأئمّة الأطهار عليهم السلام دون التقدم عليه أو التأخّر عنه؛ باعتباره ‏يمثل الضياء والنور الإلهي، وبدونه فسوف تكون المسيرة مظلمة وفاشلة، والطريق موحش، فإنّ الحركة من دون نور هي حركة غير عقلائية ولايستسيغها أيّ عاقل أو لبيب، وعليه فإنّ معرفة الإمام هي وظيفة عامة تقع على عاتق‏ الجميع وأصل مسلّم وثابت لايمكن المحيص عنه، وحقيقة غير داخله في‏ حيّز النفي.

يقول الإمام الصادق‏ عليه السلام إلى شخص يدعى زيداً:

اَتَدْري بِما اُمِرُوا؟ اُمِرُوا بِمَعْرِفَتِنا، وَالرَّدِّ اِلَيْنا وَالتَّسْليمِ لَنا.(27)

وعلى أساس ذلك تعدّ معرفة مقام الأئمّة مسألة في غاية الأهميّة في باب ‏العلوم والمعارف، ويجب العناية بها بشكل كامل والتسليم المطلق أمام‏ الأحاديث الصحيحة والإرشادات القيّمة التي جادوا بها، فعند الدقة والتمعّن ‏في تلك الكلمات سوف نصل إلى عظمتهم ومكانتهم التي لايصل إليها أحد من‏ العالمين.

وهناك روايات وأحاديث كثيرة مهمّة تزيد من المعرفة بمقام الأئمة الأطهار صلوات اللَّه عليهم أجمعين ومن تلك الروايات رواية نقلها أبوبصير عن الإمام الباقر عليه السلام‏ جاء فيها:

عن أبي بصير قالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ مَعَ أَبي جَعْفَرٍ عليه السلام وَالنَّاسُ ‏يَدْخُلُونَ وَيَخْرُجُونَ فَقالَ لي: سَلِ النَّاسَ هَلْ يَرَوْنَني؟ فَكُلُّ مَنْ ‏لَقَيْتُهُ قُلْتُ لَهُ: أرَأَيْتَ أَبا جَعْفَرٍ عليه السلام؟ فَيَقُولُ: لا وَهُوَ واقِفٌ حَتَّى دَخَلَ‏ أَبوُ هارُونِ الْمَكْفوُفُ، قالَ: سَلْ هذا، فَقُلْتُ: هَلْ رَأَيْتَ أَباجَعْفَرٍ؟ فَقالَ: أَلَيْسَ هُوَ قائِماً، قالَ: وَما عِلْمُكَ؟ قالَ: وَكَيْفَ لاأَعْلَمُ وَهُوَ نوُرٌ ساطِعٌ.

قالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقوُلُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْاِفْريقيَّةِ: ما حالُ راشِدٍ؟ قالَ: خَلَّفْتُهُ حَيّاً صالِحاً يُقْرِؤُكَ السَّلامُ قالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ قالَ: ماتَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: وَمَتى؟ قالَ: بَعْدَ خُروُجِكَ بِيَوْمَيْنِ، قالَ: وَاللَّهِ ما مَرَضَ ‏وَلا كانَ بِهِ عِلَّةٌ قالَ: وَإنَّما يَموُتُ مَنْ يَموُتُ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عِلَّةٍ.

قُلْتُ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قالَ: رَجُلٌ كانَ لَنا مُوالِياً وَلَنا مُحِبّاً.

ثُمَّ قالَ: لَئِنْ تَرَوْنَ اَنَّهُ لَيْسَ لَنا مَعَكُمْ اَعْيُنٌ ناظِرَةٌ، اَو اَسْماعٌ سامِعَةٌ، لَبِئْسَ ما رَأَيْتُمْ، وَاللَّهِ لايَخْفى عَلَيْنا شَيْى‏ءٌ مِنْ أَعْمالِكُمْ، فَاحْضِروُنا جَميعاً وَعَوِدُّوا اَنْفُسَكُمْ الْخَيْرَ، وَكوُنوُا مِنْ اَهْلِهِ تُعْرَفوُا فَاِنّي بِهذا امُرُ وُلْدي وَشيعَتي.(28)

ولعلّ الدقة في هذه الرواية تنبئ عن أهمية وجود الأنوار الساطعة للعلوم‏ والمعارف التي جاد بها أهل البيت‏ عليهم السلام ومدى علم الإمام ومكانته وإمتلاكه ‏للنظرة الجادة والعميقة للأمور.

إنّ الإنسان الذي يرى نفسه في محضر البارئ عزّ وجلّ ومحضر إمامه الروؤف ‏العطوف واختلطت أطباعه وعاداته بالأعمال الحسنة والطالحة فهل يتسنى له‏ إرتكاب المعاصي والآثام والأعمال القبيحة والطالحة؟

إنّ النقطة التي تلفت الإنتباه في هذه الرواية هي قول الإمام عليه السلام: «عوّدوا أنفسكم الخير، وكونوا من أهله» باعتبار أنّها من ضروريات الحضور في‏ محضر اللَّه عزّ وجلّ والإمام المعصوم ‏عليه السلام.

فهنا ما يراه الإمام الباقر عليه السلام للإعتقاد بالحضور المهم هو اعتياد النفس على‏ الآداب والعمل الحسن.

بالطبع فإنّ الإنسان عندما ينال مقام المعرفة، ويدرك الاُمور الغيبية وغير المرئية قد يحرم من بعض الحواسّ الخمسة - مثل أبي هارون - ولذلك فإنّ ‏امتزاج النفس وتعودها على الاُمور الحسنة والتي تشتمل على الخير يمهّد الأرضية لإيجاد حالة الحضور لديه ويفتح لها الآفاق الباطنية لأجل معرفة مقام‏ الحضور عند الإمام كالحالة التي حدثت لأبي هارون، فينتقل من مقام العمى إلى‏ مقام البصيرة، وهذا ما حدث فعلاً لهذا الرجل الجليل.


27) بحار الأنوار: 204/2.

28) بحارالانوار: 243/46، عن كتاب الخرائج: 595/2 ح 7.

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2700
    اليوم : 25933
    الامس : 171324
    مجموع الکل للزائرین : 144005423
    مجموع الکل للزائرین : 99358855