طلب معرفة الإمام أرواحنا فداه من اللَّه عزّ وجلّ
ولهداية البصائر وحياة القلب يجب على الإنسان معرفة الإمام عليه السلام ، لئلّا يموت ميتة الجاهليّة ، ويلزم عليه طلب معرفته من اللَّه عزّوجلّ ، فإنّه ليس العلم بكثرة التعليم والتعلّم بل هو نور يقذفه اللَّه في قلب من يريد أن يهديه ، « وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ»(41) .
وفي الكافي : عن أبي بصير ، عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قول اللَّه عزّوجلّ : «وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ اُوتِيَ خَيْراً كَثيراً »(42) ، فقال :
طاعة اللَّه ومعرفة الإمام .(43)
وفيه : عن أبي بصير قال : قال لي أبوجعفر عليه السلام :
هل عرفت إمامك ؟
قال : قلت : إي واللَّه ؛ قبل أن أخرج من الكوفة .
فقال عليه السلام : حسبك إذاً .(44)
وفيه : في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال :
ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمان تبارك وتعالى ، الطاعة للإمام بعد معرفته .(45)
وفيه : عن أبي خالد الكابلي قال :
سألت أباجعفر عليه السلام عن قول اللَّه عزّوجلّ «آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذي أَنْزَلْنا »(46) ، فقال :
يا أبا خالد ؛ النور واللَّه الأئمّة من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم القيامة ، وهم واللَّه نور اللَّه الّذي أنزل ، وهم واللَّه نور اللَّه في السماوات وفي الأرض .
واللَّه يا أبا خالد ؛ لَنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار ، وهم واللَّه ينوّرون قلوب المؤمنين ، ويحجب اللَّه عزّوجلّ نورهم عمّن يشاء فتظلم قلوبهم .
واللَّه يا أبا خالد ؛ لايحبّنا عبد ويتولّانا حتّى يُطهّر اللَّه قلبه ، ولا يُطهّر اللَّه قلب عبد حتّى يُسلّم لنا ، ويكون سلماً لنا ، فإذا كان سلماً لنا سلّمه اللَّه من شديد الحساب ، وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر .(47)
وقد أمر اللَّه عباده بتحصيل معرفة الإمام ، والدعاء من الأبواب الّتي أمر اللَّه تعالى أن يؤتى منها فقال : «اُدْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ »(48) ، « وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ »(49) ، وقال تعالى أيضاً : « إِنَّكَ لاتَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدي مَنْ يَشاءُ »(50) .
وفي الكافي : بإسناده عن محمّد بن حكيم قال : قلت لأبي عبداللَّه عليه السلام :
المعرفة من صنع من هي ؟
قال : من صنع اللَّه ، ليس للعباد فيها صنع .(51)
والآيات والروايات الدالّة على هذا المطلب كثيرة ، فاللازم على العبد أن يسأل اللَّه تعالى أن يرزقه ويكمل له معرفة إمام زمانه ، ويؤيّد ما ذكرنا ويدلّ عليه أيضاً ورود الدعاء لذلك بالخصوص .
وهذا لاينافي كون العبد مختاراً ومأموراً بالطلب والنظر في وسائل المعرفة ، لأنّه نظير الرزق الّذي اُمر العباد بطلبه ، والدعاء له أيضاً ، واللَّه هو الرازق جلّ شأنه ، فإنّ المجاهدة والسعي وظيفة العبد ، والإيصال وظيفة الخالق المتعال ، قال تبارك وتعالى : « وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا»(52) .
كما أنّ الزرع والسقي ونحوهما وظيفة العباد لكونها تحت قدرتهم ، والإنبات والإنماء والحفظ عن الآفات إلى حصول النتيجة وبلوغ المراد وظيفة اللَّه ، لخروجها عن قدرة العباد ، لكن عليهم الدعاء والمسألة لحصول النتيجة المقصودة .
وكذلك معرفة الإمام لها وسائل وأسباب ، رتّبها اللَّه تعالى لعباده ، وهي مقدورة لهم ، مثل النظر في معجزاته ، وأخلاقه ، وإخبار الأئمّة السابقين به وبخصائصه ، وبطول غيبته ، وما يرد على المؤمنين في زمان غيبته ، وبالشؤون الّتي خصّه اللَّه تعالى بها ، والدلائل الّتي دلّ عليها وغير ذلك ، فعليهم السعي في تحصيل معرفته بالأسباب المذكورة ونحوها .(53)
ولمّا كانت المعرفة من صنع اللَّه يلزم بحكم العقل الدعاء والإستغاثة لطلب المعرفة ، وللنجاة عن المهالك ، كما أنّ من وظائف الناس الإستمداد والإستعانة والإستنجاد والإستغاثة به عليه السلام حين الشدائد والأهوال والبلايا والأمراض ، وعند تقادم الشبهات والفتن من الجهات والجوانب ، ومن الأقارب والأجانب ، وعند عدم مشاهدة طريق الخلاص ، وانتهاء الطرق في مضائق ضيقة .
فحينها يطلب منه عليه السلام حلّ الشبهات ورفع الكربات ودفع البليّات وسدّ الخلّات والإرشاد على الطريق إلى المقصود بما يراه صلاحاً ، ويوصل المتوسّل المستغيث إليه بحسب القدرة الإلهيّة والعلوم اللدنيّة الربّانيّة الّتي لديه ، وكلٌّ حسب حاله وبمقدار ما يعلم ، وقادر على إجابة مسؤوله ، بل إنّ فضله وصل ويصل دائماً إلى كلّ أحد بمقدار أهليّته واستعداده ، وبملاحظة مصلحة نظام العباد والبلاد ، ولم يغفل ولن يغفل عن النظر بأمور رعاياه ، المطيع منهم والعاصي ، والعالم والجاهل ، والشريف والدنيّ ، والقويّ والضعيف ، وقد قرّر نفسه عليه السلام ذلك في التوقيع الّذي بعثه إلى الشيخ المفيد :
نحن وإن كنّا ناوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين ، حسب الّذي أراناه اللَّه تعالى لنا من الصلاح ، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين ، فإنّا نحيط علماً بأنبائكم ، ولايعزب عنّا شيء من أخباركم ، ومعرفتنا بالذلّ الّذي أصابكم .(54)
وروى الشيخ الكليني والنعماني وغيرهما بأسانيدهم عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال في خطبة طويلة خطبها بالكوفة :
أللّهمّ لابدّ لك من حجج في أرضك حجّة بعد حجّة على خلقك ، يهدونهم إلى دينك ، ويعلّمونهم علمك ، لكيلا يتفرّق أتباع أوليائك ، ظاهر غير مطاع ، أو مكتتم خائف يترقّب ، إن غاب عن النّاس شخصهم في حال هدنتهم في دولة الباطل ، فلن يغيب عنهم مبثوث علمهم ، وآدابهم في قلوب المؤمنين مثبتة ، وهم بها عاملون ، يأنسون بما يستوحش منه المكذّبون، ويأباه المسرفون ، باللَّه كلام يكال بلا ثمن لو كان من يسمعه بعقله فيعرفه ، ويؤمن به ويتّبعه ، وينهج نهجه فيفلح به ... .(55)
وروى الشيخ الجليل عليّ بن الحسين المسعودي في كتاب إثبات الوصيّة عن الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السلام أنّه قال :
لما ولد الصاحب عليه السلام بعث اللَّه عزّوجلّ ملكين ، فحملاه إلى سرادق العرش حتّى وقف بين يدي اللَّه ، فقال له : مرحباً بك ، وبك أعطي ، وبك أعفو ، وبك أعذب.(56)
وروى الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة بسند معتبر عن أبي القاسم الحسين بن روح النائب الثالث أنّه قال : اختلف أصحابنا في التفويض وغيره ، فمضيت إلى أبي طاهر بن بلال في أيّام استقامته ، فعرّفته الخلاف ، فقال : أخرني ، فأخرته أيّاماً فعدت إليه ، فأخرج إليّ حديثاً بإسناده إلى أبي عبداللَّه عليه السلام قال :
إذا أراد اللَّه أمراً عرضه على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ أميرالمؤمنين عليه السلام وسائر الأئمّة واحداً بعد واحد إلى أن ينتهي إلى صاحب الزمان عليه السلام ، ثمّ يخرج إلى الدنيا ، وإذا أراد الملائكة أن يرفعوا إلى اللَّه عزّوجلّ عملاً عرض على صاحب الزّمان عليه السلام ، ثمّ على واحد بعد واحد إلى أن يعرض على رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم ، ثمّ يعرض على اللَّه عزّوجلّ ، فما نزل من اللَّه فعلى أيديهم ، وما عرض إلى اللَّه فعلى أيديهم ، وما استغنوا عن اللَّه عزّوجلّ طرفة عين .
ونقل السيّد حسين المفتي الكركي سبط المحقّق الثاني في كتاب دفع المناوات عن كتاب البراهين أنّه روى عن أبي حمزة عن الإمام الكاظم عليه السلام قال : سمعته عليه السلام يقول :
لايرسل اللَّه عزّوجلّ ملكاً إلى الأرض بأمر إلاّ ابتدأ بالإمام عليه السلام فيعرضه عليه، وأن تنزل الملائكة من اللَّه عزّوجلّ على صاحب هذا الأمر .
وفي حديث أبي الوفاء الشيرازي أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قال له :
وأما الحجّة ؛ فإذا بلغ منك السيف المذبح - وأومأ بيده إلى الحلق - فاستغث به ، فإنّه يغيثك ، وهو غياث وكهف لمن استغاث به .(57)
وروى الشيخ الكشّي والشيخ الصفّار في البصائر عن رميلة قال :
وعكت وعكاً شديداً في زمان أميرالمؤمنين عليه السلام فوجدت من نفسي خفّة يوم الجمعة ، فقلت : لا أصيب شيئاً أفضل من أن أفيض عليّ من الماء ، واُصلّي خلف أميرالمؤمنين عليه السلام ففعلت ، ثمّ جئت المسجد ، فلمّا صعد أميرالمؤمنين عليه السلام عاد عليّ ذلك الوعك ، فلمّا انصرف أميرالمؤمنين عليه السلام دخل القصر ودخلت معه.
فقال : يا رميلة ؛ [ما لي] رأيتك وأنت متشبك بعضك في بعض؟!
[فقلت : نعم] ، وقصصت عليه القصّة الّتي كنت فيها ، والّذي حملني على الرغبة في الصلاة خلفه .
فقال [لي] : يا رميلة ؛ ليس من مؤمن يمرض إلّا مرضنا لمرضه ، ولايحزن إلّا حزنّا لحزنه ، ولايدعو إلّا آمنّا له ، ولايسكت إلّا دعونا له ، فقلت [له]: يا أميرالمؤمنين ، جعلت فداك هذا لمن معك في المصر ، أرأيت من كان في أطراف الأرض؟
قال : يا رميلة ؛ ليس يغيب عنّا مؤمن في شرق الأرض ولا في غربها.(58)
41) الإسراء : 97 .
42) البقرة : 269 .
43) الكافي : 185/1 .
44) الكافي : 185/1 .
45) الكافي : 185/1 .
46) التغابن : 8 .
47) الكافي : 194/1 .
48) غافر : 60 .
49) النساء : 32 .
50) القصص : 56 .
51) الكافي : 163/1 .
52) العنكبوت : 69 .
53) مكيال المكارم : 180/2 .
54) الإحتجاج : 322/2 .
55) الغيبة للنعماني : 137 .
56) إثبات الوصيّة : 221 .
57) البحار : 35/94 .
58) النجم الثاقب : 487/2 .
بازديد امروز : 80616
بازديد ديروز : 242836
بازديد کل : 124862534
|