الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
في ثواب البكاء على الإمام أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه

في ثواب البكاء على

   الإمام أبي عبدالله الحسين صلوات الله عليه

نذكر هنا فصلاً في البكاء على الإمام أبي عبدالله الحسين ‏عليه السلام.

يدلّ على فضيلة البكاء والجزع على مولانا أبي عبدالله الحسين‏ عليه السلام:

1- «ما رواه في كامل الزيارات: عن مسمع بن عبدالملك كردين البصري قال:

قال لي أبوعبدالله ‏عليه السلام:

يا مسمع أنت من أهل العراق أما تأتي قبر الحسين ‏عليه السلام، قلت: لا أنا رجل‏ مشهور عند أهل البصرة، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة وعدونا كثير(1) من أهل القبائل من النصاب وغيرهم، ولست آمنهم أن يرفعوا حالي عندولد سليمان فيمثلون بي(2).

قال لي: أفما تذكر ما صنع به، قلت: نعم، قال: فتجزع، قلت: أي والله واستعبر لذلك حتّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ فامتنع من الطعام حتّى ‏يستبين ذلك في وجهي، قال: رحم الله دمعتك، أما إنّك من الّذين يعدّون‏ من أهل الجزع لنا والّذين يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويخافون ‏لخوفنا ويأمنون إذا آمنّا، أمّا انّك سترى عند موتك حضور آبائي لك‏ ووصيّتهم ملك الموت بك وما يلقونك به من البشارة أفضل، وملك الموت‏ ارق عليك واشد رحمة لك من الام الشفيقة على ولدها....(3)

 

2- في «كامل الزيارات»: محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:

كان علي بن الحسين ‏عليهما السلام يقول:

أيُّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي‏ عليهما السلام دمعة حتّى تسيل‏ على خدّه بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً، وأيُّما مؤمن دمعت‏ عيناه حتّى تسيل على خدّه فينا لأذى مسّنا من عدوّنا في الدّنيا بوّأه الله بها في الجنّة مبوّأ صدق، وأيما مؤمن مسّه أذى فينا فدمعت عيناه حتّى ‏تسيل على خدّه من مضاضة(4) ما أوذي فينا صرّف الله، عن وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخطه والنّار.

3- في كامل الزّيارات: الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي‏ عبدالله عليه السلام، قال: سمعته يقول:

إنّ البكاء والجزع مكروه للعبد في كلّ ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على ‏الحسين بن علي ‏عليهما السلام، فإنّه فيه مأجور.

4- في كامل الزيارات: أبي هارون المكفوف، قال: قال أبوعبدالله عليه السلام في ‏حديث طويل له:

ومن ذكر الحسين ‏عليه السلام عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ‏ذباب، كان ثوابه على الله عزّوجل، ولم يرض له بدون الجنّة.

5- في كامل الزيارات: الربيع بن منذر، عن أبيه، قال: سمعت علي بن‏ الحسين‏ عليهما السلام يقول:

من قطرت عيناه فينا قطرة ودمعت عيناه فينا دمعة، بوّأه الله بها في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً(5) .

6- في كامل الزيارات: عن أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام أحدّثه، فدخل عليه إبنه فقال له:

مرحباً، وضمه وقبله، وقال: حقّر الله من حقّركم وانتقم ممّن وتركم، وخذل الله من خذلكم ولعن الله من قتلكم، وكان الله لكم وليّاً وحافظاً وناصراً، فقد طال بكاء النساء وبكاء الانبياء والصدّيقين والشهداء وملائكة السماء.

ثمّ بكى وقال: يا أبا بصير إذا نظرت إلى ولد الحسين أتاني ما لا أملكه بما أتى إلى أبيهم وإليهم، يا أبا بصير إنّ فاطمة عليها السلام لتبكيه وتشهق فتزفرجهنم زفرة لولا أنّ الخزنة يسمعون بكاءها وقد استعدّوا لذلك مخافة أنْ‏ يخرج منها عنق أو يشرّد دخانها فيحرق أهل الأرض فيكبحونها(6) ما دامت ‏باكية ويزجرونها ويوثقون من أبوابها مخافة على أهل الارض، فلا تسكن‏ حتّى يسكن صوت فاطمة.

وانّ البحار تكاد أن تنفتق فيدخل بعضها على بعض، وما منها قطرة إلاّ بها ملك موكل، فإذا سمع الملك صوتها أطفأ نأرها (7) باجنحته، وحبس بعضها على بعض مخافة على الدنيا وما فيها ومن على الأرض، فلا تزال الملائكة مشفقين، ويبكونه لبكائها، ويدعون الله ويتضرّعون إليه، ويتضرّع أهل‏ العرش ومن حوله، وترتفع أصوات من الملائكة بالتقديس  لله مخافة على ‏أهل الأرض، ولو أن صوتاً من أصواتهم يصل إلى الأرض لصعق أهل ‏الأرض، وتقطعت الجبال وزلزلت الأرض بأهلها.

قلت: جعلت فداك ان هذا الأمر عظيم، قال: غيره أعظم منه ما لم‏تسمعه، ثمّ قال لي: يا أبا بصير أمّا تحبّ أن تكون فيمن يسعد فاطمة عليها السلام، فبكيت حين قالها فما قدرت على المنطق، وما قدرت ‏على كلامي من البكاء، ثمّ قام إلى المصلّى يدعو، فخرجت من عنده ‏على تلك الحال، فما انتفعت بطعام وما جاءني النوم، وأصبحت صائماً وجلاً حتّى أتيته، فلمّا رأيته قد سكن سكنت، وحمدت الله حيث لم ‏تنزل بي عقوبة.(8)

7- في كتاب «المختار من كلمات الإمام المهدي‏ عليه السلام»: «روى الصدوق بإسناده‏ عن الرضا عليه السلام في حديث أنّه قال:

«إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا، وأسبل دموعنا، وأذلّ عزيزنا بأرض كرب‏ وبلا، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء، فعلى مثل الحسين فليبك ‏الباكون؛ فإنّ البكاء يحطّ الذنوب العظام...»(9).

لا لغايةٍ أو مثويةٍ كان البكاء على الحسين ‏عليه السلام، بل لجلل الخطب وعظم ‏المصاب، ولأجله العين باكية:

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة

لكنّما عيني لأجلك باكية

تبتلّ منكم كربلا بدم ولا

تبتلّ منّي بالدموع الجارية

وقد بكت على الحسين كلّ عين، وبكى كلّ نبي ووصيّ وما خلق الله من شي‏ءٍ حتّى طير السماء، ووحش الفلا، وحيتان البحار، والحجر والمدر.

وقبل كلّ شي‏ء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى وبكت فاطمة وسائر أهل البيت ‏عليهم السلام، ثمّ‏ الكائنات.

8- روى ابن قولويه بإسناده عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: قال ‏أميرالمؤمنين صلوات الله عليه:

زارنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد أهدت لنا أُم أيمن لبناً وزبداً وتمراً، فقدّمنا منه‏ فأكل، ثمّ قام إلى زاوية البيت فصلّى ركعات، فلمّا كان في آخر سجوده‏ بكى بكاءً شديداً، فلم يسأله أحدٌ منّا إجلالاً وإعظاماً له، فقام الحسين‏ عليه السلام‏ وقعد في حجره فقال: يا أبة لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشي‏ءٍ كسرورنا بدخولك، ثمّ بكيت بكاءً غمّنا، فما أبكاك؟ فقال: يا بني أتاني‏ جبرئيل‏ عليه السلام آنفاً فأخبرني أنَّكم قتلى، وأنّ مصارعكم شتّى، فقال: يا أبة فما لمن زار قبورنا على تشتّتها؟ فقال: يا بني أولئك طوائف من أمّتي‏ يزورنكم فيلتمسون بذلك البركة، وحقيق عليّ آن آتيهم يوم القيامة حتّى أخلّصهم من أهوال الساعة ومن ذنوبهم، ويسكنهم الله الجنّة(10).

 

 9- وابن قولويه أيضاً عن أبي عبدالله عليه السلام قال:

دخلت فاطمة عليها السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعيناه تدمع، فسألته ما لك؟ فقال: إنّ جبرئيل‏ عليه السلام أخبرني أنّ أُمّتي تقتل حسيناً فجزعت وشقّ ‏عليها، فأخبرها بمن يملك من ولدها، فطابت نفسها وسكنت.(11) .

10- «نظر أميرالمؤمنين إلى الحسين ‏عليهما السلام فقال:

يا عبرة كلّ مؤمن، فقال: أنا يا أبتاه؟ قال: نعم يا بنيّ».

11- وأيضاً في الرواية عن أبي عبدالله عليه السلام: «فذكرنا الحسين‏ عليه السلام وعلى قاتله‏ لعنة الله، فبكى أبوعبدالله وبكينا قال: ثمّ رفع رأسه فقال:

قال الحسين‏ عليه السلام: أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلاّ بكى...».(12)

 وقال الشيخ المجلسي بعد ذكر الحديث: أي قتيل منسوب إلى العبرة والبكاء وسبب لها، أو أُقتل مع العبرة والحزن وشدّة الحال. والأوّل أظهر.(13)

12- وابن قولويه عن أبي هارون المكفوف قال: دخلت على أبي عبدالله عليه السلام ‏فقال: أنشدني فأنشدته، فقال:

لا، كما تنشدون وكما ترثيه عند قبره قال: فأنشدته:

امرر على جدث الحسين

فقل لأعظمه الزكيّه

قال: فلمّا بكى أمسكت أنا فقال: مر، فمررت، قال: ثمّ قال: زدني، قال: فأنشدته:

يا مريم قومي فاندبي مولاك

وعلى الحسين فاسعدي ببكاك.(14)

وكلّما كانت المعرفة به أبلغ كان البكاء أكثر وأعمق ومن أطول الأئمّة الأطهار بكاءً الإمام المهديّ ‏عليه السلام، وأكثر من ألف سنة يندبه ويبكي عليه».(15)

13- وفي حديث مناجاة موسى ‏عليه السلام وقد قال:

يا ربِّ لِمَ  فَضَّلتَ أمّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الأمم؟ فقال الله تعالى: فضّلتهم لعَشر خصال. قال موسى: وما تلك الخصال الّتي يعملونها حتّى آمر بني إسرائيل يعملونها؟ قال الله تعالى: الصلاة والزكاة والصوم والحج‏ والجهاد والجمعة والجماعة والقرآن والعلم والعاشوراء قال موسى: يا ربّ‏ وما العاشوراء؟ قال: البكاء والتباكي على سبط محمّد صلى الله عليه وآله وسلم والمرثية والعزاء على مصيبة ولد المصطفى، يا موسى ما من عبد من عبيدي في‏ ذلك الزمان بكى أو تباكى وتعزّى على ولد المصطفى إلاّ وكانت له الجنّة ثابتاً فيها، وما من عبد أنفق من ماله في محبة ابن بنت نبيه طعاماً وغيرذلك درهماً أو ديناراً إلا وباركتُ له في دار الدنيا الدرهم بسبعين وكان‏ معافا في الجنة وغفرت له ذنوبه، وعزتي وجلالي ما من رجل أو امرأة سال‏ دمعُ عينيه في يوم عاشوراء وغيره قطرة واحدة إلا وكتب  له أجر مائة شهيد. (16)

14- قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

لمّا نزلت «وأخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمائكم» الآية(17) في اليهود أي ‏الّذين نقضوا عهدالله، وكذّبوا رسل الله، وقتلوا أولياء الله: أفلا اُنبّئكم بمن ‏يضاهيهم من يهود هذه الأمّة؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: قوم من اُمّتي ‏ينتحلون أنّهم من أهل ملّتي، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب أرومتي، ويبدّلون شريعتي وسنّتي، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل‏ أسلاف اليهود زكريّا ويحيى.

ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم، ويبعث على بقايا ذراريهم قبل يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم، يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم، ألا ولعن الله قتلة الحسين‏ عليه السلام ومحبّيهم وناصريهم، والسّاكتين‏ عن لعنهم من غير تقيّة يسكتهم.

ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين رحمة وشفقة، واللاّعنين لأعدائهم‏ والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً، ألا وإنّ الراضين بقتل الحسين شركاء قتلته، ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم والمقتدين بهم براء من دين الله.

إنّ الله ليأمر ملائكته المقرّبين أن يتلقّوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسين‏ إلى الخزّان في الجنان، فيمزجوها  بماء الحيوان، فتزيد عذوبتها وطيبها ألف ضعفها وإنّ الملائكة ليتلقّون دموع الفرحين الضاحكين لقتل‏ الحسين يتلقّونها في الهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغسّاقها وغسلينها فيزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها يشدّد بها على المنقولين إليها من أعداء آل محمّد عذابهم.(18)

 


(1) اعداؤنا كثيرة (خ ل).

(2) فيميلون علي (خ ل).

(3) كامل الزيارات: 203 ح7.

(4) المضاضة - بالفتح - وجع المصيبة.

(5) حقباً (خ ل)، الحقب كناية عن الدوام، قال الفيروز آبادي: الحقبة - بالكسر - من الدهر مدّة لا وقت لها، والسنة والجمع ‏كعنب وحبوب، والحقب - بالضم وبضمتين - ثمانون سنة أو أكثر والدهر والسنة والسنون والجمع أحقاب وأحقب.

(6) كبحت الدابة إذا جذبتها إليك باللجام لكي تقف ولا تجري.

(7) نأرت النائرة نأراً: هاجت، والمراد ثوران الماء وغليانها، ولذلك عبر بقوله: اطفأ.

(8) كامل الزيارات: 169 ح9، عنه البحار: 208/45، المستدرك: 314/10.

(9) البحار: 284/44.

(10) كامل الزيارات: 125 ح9.

(11) نفس المصدر: 125 ح8.

(12) كامل الزيارات: 215 ح6.

(13) البحار: 279/44 ذح6.

(14) كامل الزيارات: 210 ح 5، البحار: 287/44 ذح25.

(15) المختار من كلمات الإمام المهدي ‏عليه السلام: 370/2.

(16) مجمع البحرين: 186/3.

(17) البقرة: 84، والخبر في المصدر ص 148 مع اختلاف يسير.

(18) بحارالأنوار: 304/44 ح17.

 

 

    زيارة : 3503
    اليوم : 69361
    الامس : 72005
    مجموع الکل للزائرین : 129287137
    مجموع الکل للزائرین : 89803304