الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
الرواح إلى مسجد الكوفة أربعين ليلة الأربعاء

الرواح إلى مسجد الكوفة

أربعين ليلة الأربعاء

حدّث الشيخ الفاضل العالم الثقة الشيخ باقر الكاظميّ المجاور في النجف الأشرف آل الشيخ طالب نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمينيّ قال :

    كان في النجف الأشرف رجل مؤمن يسمّى الشيخ محمّد حسن السريرة ، وكان في سلك أهل العلم ذا نيّة صادقة ، وكان معه مرض السُّعال ، إذا سعل يخرج من صدره مع الأخلاط دم ، وكان مع ذلك في غاية الفقر والإحتياج ، لايملك قوت يومه وكان يخرج في أغلب أوقاته إلى البادية إلى الأعراب الّذين في أطراف النجف الأشرف ، ليحصل له قوت ولو شعير ، وما كان يتيسّر ذلك على وجه يكفيه ، مع شدّة رجائه ، وكان مع ذلك قد تعلّق قلبه بتزويج امرأة من أهل النجف ، وكان يطلبها من أهلها وما أجابوه إلى ذلك ، لقلّة ذات يده ، وكان في همّ وغمّ شديد من جهة ابتلائه بذلك .

    فلمّا اشتدّ به الفقر والمرض ، وأيس من تزويج البنت ، عزم على ما هو معروف عند أهل النجف من أنّه : من أصابه أمر فواظب الرّواح إلى مسجد الكوفة أربعين ليلة الأربعاء ، فلابدّ أن يرى صاحب الأمر عجّل اللَّه فرجه من حيث لايعلم ويقضي له مراده .

    قال الشيخ باقر قدس سره : قال الشيخ محمّد : فواظبت على ذلك أربعين ليلة بالأربعاء فلمّا كانت الليلة الأخيرة وكانت ليلة شتاء مظلمة ، وقد هبّت ريح عاصفة ، فيها قليل من المطر ، وأنا جالس في الدكّة الّتي هي داخل في باب المسجد ، وكانت الدكّة الشرقيّة المقابلة للباب الأوّل تكون على الطرف الأيسر عند دخول المسجد ، ولا أتمكّن الدّخول في المسجد من جهة سعال الدّم ، ولايمكن قذفه في المسجد وليس معي شي‏ء أتّقي فيه عن البرد .

    وقد ضاق صدري ، واشتدّ عليّ همّي وغمّي ، وضاقت الدّنيا في عيني ، واُفكّر أنّ الليالي قد انقضت وهذه آخرها وما رأيت أحداً ولا ظهر لي شي‏ء ، وقد تعبت هذا التعب العظيم ، وتحمّلت المشاقّ والخوف في أربعين ليلة ، أجيئ فيها من النجف إلى مسجد الكوفة ويكون لي الاياس من ذلك .

    فبينما أنا اُفكّر في ذلك ، وليس في المسجد أحد أبداً ، وقد أوقدت ناراً لأسخن عليها قهوة جئت بها من النجف ، لا أتمكّن من تركها لتعوّدي بها ، وكانت قليلة جدّاً إذا بشخص من جهة الباب الأوّل متوجّهاً إليَّ .

    فلمّا نظرته من بعيد تكدّرت وقلت في نفسي : هذا أعرابيّ من أطراف المسجد قد جاء إليَّ ليشرب من القهوة ، وأبقى بلا قهوة في هذا الليل المظلم ، ويزيد عليّ همّي وغمّي.

    فبينما أنا اُفكّر إذا به قد وصل إليَّ وسلّم عليَّ باسمي وجلس في مقابلي فتعجّبت من معرفته باسمي ، وظننته من الّذين أخرج إليهم في بعض الأوقات من أطراف النجف الأشرف ، فصرت أسأله من أيّ العرب يكون ؟ قال : من بعض العرب فصرت أذكر له الطوائف الّتي في أطراف النجف، فيقول  : لا لا ، وكلّما ذكرت له طائفة قال : لا لست منها .

    فأغضبني وقلت له : أجل أنت من طُريطرة مستهزءاً ، وهو لفظ بلا معنى ، فتبسّم من قولي ذلك ، وقال : لا عليك من أينما كنت ، ما الّذي جاء بك إلى هنا ؟ فقلت : وأنت ما عليك السؤال عن هذه الاُمور ؟ فقال : ما ضرّك لو أخبرتني .

    فتعجّبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه ، فمال قلبي إليه ، وصار كلّما تكلّم ازداد حبّي له ، فعملت له السبيل من التتن وأعطيته ، فقال : أنت إشرب ، فأنا ما أشرب ، وصببت له في الفنجان قهوة وأعطيته ، فأخذه وشرب شيئاً قليلاً منه ، ثمّ ناولني الباقي وقال : أنت إشربه ، فأخذته وشربته ، ولم ألتفت إلى عدم شربه تمام الفنجان ، ولكن يزداد حبّي له آناً فآناً .

    فقلت له : يا أخي ، أنت قد أرسلك اللَّه إليّ في هذه اللّيلة تأنسني ، أفلا تروح معي إلى أن نجلس في حضرة مسلم عليه السلام ونتحدّث ؟

    فقال : أروح معك ، فحدّث حديثك .

    فقلت له : أحكي لك الواقع ، أنا في غاية الفقر والحاجة ، مذ شعرت على نفسي ومع ذلك معي سعال أتنخّع الدّم ، وأقذفه من صدري منذ سنين ، ولا أعرف علاجه وما عندي زوجة ، وقد علق قلبي بامرأة من أهل محلّتنا في النجف الأشرف ، ومن جهة قلّة ما في اليد ما تيسّر لي أخذها .

    وقد غرّني هؤلاء الملّائيّة(7) وقالوا لي : اقصد في حوائجك صاحب الزّمان عليه السلام ، وبت أربعين ليلة الأربعاء في مسجد الكوفة ، فإنّك تراه ويقضي لك حاجتك ، وهذه آخر ليلة من الأربعين ، وما رأيت فيها شيئاً وقد تحمّلت هذه المشاقّ في هذه اللّيالي فهذا الّذي جاء بي هنا ، وهذه حوائجي .

    فقال لي - وأنا غافل غير ملتفت - : أمّا صدرك فقد برأ ، وأمّا الامرءة فتأخذها عن قريب ، وأمّا فقرك فيبقى على حاله حتّى تموت ، وأنا غير ملتفت إلى هذا البيان أبداً .

    فقلت : ألا تروح إلى حضرة مسلم ؟

    قال : قم ، فقمت وتوجّه أمامي ، فلمّا وردنا أرض المسجد فقال : ألا تصلّي صلاة تحيّة المسجد ؟

    فقلت : أفعل ، فوقف هو قريباً من الشاخص الموضوع في المسجد ، وأنا خلفه بفاصلة ، فأحرمت الصلاة وصرت أقرأ الفاتحة .

    فبينما أنا أقرء وإذا يقرأ الفاتحة قراءة ما سمعت أحداً يقرأ مثلها أبداً ، فمن حسن قراءته قلت في نفسي : لعلّه هذا هو صاحب الزّمان عليه السلام ، وذكرت بعض كلمات له تدلّ على ذلك ، ثمّ نظرت إليه بعد ما خطر في قلبي ذلك وهو في الصلاة ، وإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف ، وهو مع ذلك يصلّي وأنا أسمع قراءته ، وقد ارتعدت فرائصي ، ولا أستطيع قطع الصلاة خوفاً منه ، فأكملتها على أيّ وجه كان ، وقد علا النور من وجه الأرض ، فصرت أندبه وأبكي وأتضجّر وأعتذر من سوء أدبي معه في باب المسجد ، وقلت له : أنت صادق الوعد ، وقد وعدتني الرّواح معي إلى مسلم .

    فبينما أنا اُكلّم النور ، وإذا بالنور قد توجّه إلى جهة المسلم ، فتبعته فدخل النور الحضرة ، وصار في جوّ القبّة ، ولم يزل على ذلك ولم أزل أندبه وأبكي حتّى إذا طلع الفجر عرج النور .

    فلمّا كان الصباح التفتّ إلى قوله : أمّا صدرك فقد برأ ، وإذا أنا صحيح الصدر وليس معي سعال أبداً ، وما مضى اُسبوع إلّا وسهّل اللَّه عليّ أخذ البنت من حيث لا أحتسب ، وبقي فقري على ما كان كما أخبر ، صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين .(8)


7) من إصطلاحات أهل العراق .

8) جنّة المأوى : 240 .

 

 

 

    زيارة : 7550
    اليوم : 26979
    الامس : 103128
    مجموع الکل للزائرین : 132316790
    مجموع الکل للزائرین : 91766165