الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
محبّة أهل بيت الوحي والرسالة عليهم السلام

محبّة أهل بيت الوحي والرسالة عليهم السلام

إنّ الإنسان بحاجة إلى تحرّي السبيل الذي يقوده إلى المحبة الحقيقية وسوقها بالإتّجاه المطلوب والسير في الطريق الموصل إليها، وذلك بسبب ماتحمله من آثار حياتيّة ومهمة.

ومن هذا المنطلق نرى أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم قد قام بإرشاد الأمّة صوب أهل ‏بيته عليهم السلام والعمل على إنضاج مشروع الإقتداء بهم في كلّ مناسبة وموقف يرتئيه ‏للإفصاح عن ذلك حتّى يستطيع من خلال هذه الوسيلة هداية الناس ‏وتخليصهم من الشوائب وتطهيرهم من الأنجاس وزرع فيهم الصفات الحسنة والخصال الحميدة والتقرّب إلى البارئ عزّ وجلّ.

لأنّ محبّة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطيبين الطاهرين له تأثير عظيم‏ وعجيب وخارق للعادة في مسألة القربة الإلهية، حيث عدّت في الروايات ‏الشريفة أفضل وسيلة لنيل تلك القربة.

فقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم في رواية :

لِكُلِّ أَمْرٍ سَيِّدٌ وَحُبّي وَحُبُّ عَليّ‏  عليه السلام سَيِّدُ ما تَقَرَّبَ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ مِنْ‏ طاعَةِ رَبِّهِمْ.(153)

إنّ هذه الرواية دليل واضح على أنّ محبّة أهل البيت عليهم السلام هي وسيلة إلى‏ القرب الإلهي والطاعة لأوامر البارئ عزّ وجلّ.

وفي رواية أخرى يقول الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:

حُبُّ عَليِّ بْنِ أَبي طالِبٍ يُحْرِقُ الذُّنُوبَ كَما تُحْرِقُ النَّارُ، اَلْحَطَبَ.(154)

ومن هنا فإنّ محبّة أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام هي التي تحرق الذنوب وتجعلها رماداً يذري في الهواء، وتبدّل جبل المعاصي إلى جبل معشوشب مخضر؛ لأنّها تخرج تلك الذنوب من أعماق النفس وتقضي عليها ومن ثمّ تعمل على‏ تطهيرها وبعدها تبدّلها إلى الحسنات.

إنّ محبّة أميرالمؤمنين عليه السلام لاتعمل على القضاء على الذنوب والمعاصي التي‏ ارتكبها الإنسان في الماضي، وإنّما تكون السد والحصن الحصين الذي يمنعه‏ من ارتكابها في المستقبل، ويمكن من خلال المحبّة الشديدة والعميقة لمحمّد وآل محمّد عليهم السلام الحيلولة دون التقرّب إلى المعاصي وضمان الإنسان من الوقوع‏ في مطباتها.

قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم :

أَلا وَمَنْ أَحَبَّ عَلِيّاً لايَخْرُجُ مِنَ الدُّنْيا حَتَّى يَشْرِبَ مِنَ الْكَوْثَرِ، وَيَأْكُلَ مِنْ طُوبى، وَيَرى مَكانَهُ فِي الْجَنَّةِ.(155)

ويجب على كلّ فرد منّا الطلب والدعاء في الساحة القدسيّة للبارئ جلّ وعلا أن يثبت قلوبنا على محبّة أهل البيت عليهم السلام ويجعلها مستدامة إلى آخر لحظة من‏ لحظات أعمارنا؛ لكي نشهد الألطاف والعنايات التي وعدنا بها وننال الفوز في ‏الدنيا والآخرة.

وقد جاء في إحدى الزيارات الواردة في خصوص زيارة الإمام الحسين عليه السلام :

اَللَّهُمَّ ثَبِّتْني عَلى مَحَبَّةِ أَوْلِيائِكَ.(156)

ففي صورة الموت على محبّة أهل البيت عليهم السلام فإنّ أوّل لحظة من تلك‏ اللحظات سوف نشهد فيها آثار تلك المحبة وعظمتها الدالة على الإيمان ‏والتقوى، وكيف يمكن بواسطتها النجاة والعبور على الصراط المستقيم‏ والخلاص من يوم الحساب بفرح وسرور.

وقد عدّت محبّة أهل البيت عليهم السلام في عدد من الروايات بأنّها أصل التقوى ‏والإيمان وأنّ بغضهم والعداوة لهم هي الكفر والنفاق بعينه.

قال الرسول الأعظم‏ صلى الله عليه وآله وسلم للإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام :

يا عَلِيُّ؛ حُبُّكَ تَقْوى وَإيمانٌ، وَبُغْضُكَ كُفْرٌ وَنِفاقٌ.(157)

إنّ الشخص الذي يعادي أميرالمؤمنين عليه السلام ويبغضه، فهو من وجهة نظر مذهبنا كافر وفي خانة منكري أحد الضروريات الدينية.

لو أنّ عبداً أتى بالصالحات غداً

وودّ كلّ نبيّ مرسل وولي

وصام ما صام صوامٌ بلا ضجر

وقام ما قام قوامٌ بلا ملل

وحجّ ما حجّ من فرض ومن سنن

وطاف ما طاف حافٍ غير منتعل

وطار بالجوّ لايأوى إلى أحد

وغاص في البحر مأموناً من البلل

يكسو اليتامى من الديباج كلّهم

ويطعم الجائعين البرّ بالعسل

وعاش في الناس آلافاً مؤلّفةٍ

عار من الذنب، معصوم من الزلل

ما كان في الحشر عند اللَّه منتفعاً

إلّا بحبّ أميرالمؤمنين علي ‏عليه السلام

وأمّا الذين هم في مصاف محبّيه وتتجذر تلك المحبة في أعماق وجودهم ‏فهؤلاء يتمتّعون بخصلة التقوى والإيمان.

ومن هنا فإنّ الحب والبغض لهما مثل تلك التأثيرات الأساسية.

ومعشر سمّيتهم

أئمّة اثني عشر

حباهم ربّ العلى

ثمّ اصطفاهم من كدر

قد فاز من والاهم

وخاب من عادى الزهر

وينقل مولانا ثامن الححج الإمام الروؤف عليّ بن موسى الرضا عليه السلام حديثاً عن آبائه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه :

حُبُّنا أَهْلُ الْبَيْتِ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ، وَيُضاعِفُ الْحَسَناتَ.(158)

باعتبار أنّ المحبّة هي إكسير ولها قوّة كاسرة وهائلة باستطاعتها تبديل‏ الذنوب العظيمة إلى حسنات تكتب في سجلّ الإنسان، كما هو الحال في‏ الزنجفر الذي يبدّل النحاس إلى الذهب.

وعلى ضوء ما قلناه فإنّ المحبة هي «إكسير الحياة» والشريان الذي يمدّها بالحيويّة والنشاط والاستمراريّة؛ لأنّ الأرواح تبتعد عن البارئ عزّ وجلّ نتيجة المعاصي التي ترتكبها، ولا شكّ فإنّ محبّة أهل البيت‏ عليهم السلام هي الدواء الذي‏ يشفي القلوب وتحيها من بعد موتها، وتفتح الطريق للقرب الإلهي، وذلك من‏ بعد ترك الذنوب والمعاصي.

حيث إنّ القلب الذي ينبض حبّاً وخلوصاً لأميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام وأبنائه‏ الطيبين الطاهرين لن يبق مكانٌ وحيّزٌ فيه للمعصية، بل إنّ المحبّة كلّما ازدادت ‏فإنّها قادرة على محو وإزالة كلّ ذنب قام بها المحبّ في السابق، وتكون في ‏الوقت نفسه سبباً ورادعاً قويّاً في اجتنابها في الوقت الحاضر والمستقبل؛ لأنّ‏ الوقوف أمام القيام بالمعصية يكون عمليّة سهلة بالنسبة إلى محو آثارها من‏ سجّل الماضي.

ولعلّ السرّ من وراء تلك المسالة هو أنّ الشخص الذي يحبّ أهل البيت عليهم السلام ‏ويستشعر تلك المحبة في قلبه ويمارسها في سلوكه وأفعاله، فإنّه مقرّب عنداللَّه سبحانه وتعالى ومحبوب لديه، وعندما يكون الإنسان مقرّباً ومحبوباً عند البارئ عزّ وجلّ، فإنّه يقع في حصن حوله وقوّته، ويعني ذلك أنّ اللَّه تعالى يوجد بينه وبين المعصية حائلاً لايمكن العبور منه، ويوجد في داخله القوّة للقيام‏ بالعمل الذي يرتضيه له اللَّه تعالى ويوجد الأرضيّة للنجاح فيه، وهذا هو المعنى ‏الحقيقي لقول «لا حول ولا قوّة إلاّ باللَّه» ولهذا فإنّ البعض يعتقد أنّ محبّة أهل ‏البيت ‏عليهم السلام هي الأكثر تأثيراً في طريق السير والسلوك.

ولهذا نرى أنّ العلّامة المجلسي‏ رحمه الله ينقل بالتفصيل رواية في كتابه «بحارالأنوار: الجزء 70 الصفحة 25» جاء فيها إنّ المحبّ - الّذي يصل إلى أعلى‏ مراتب الحبّ - مع أنّه لم يطو الطريق الذي سار عليه العلماء والحكماء والسير على طريقة الصدّيقين ولم يكن طريقته وأسلوبه طريقة وأسلوب هؤلاء، ولكن ‏في الوقت نفسه فإنّه يحمل جميع النتائج والثمرات التي حقّقها هؤلاء.

وتتحقّق تلك الآثار عندما تكون المحبّة في ذروتها وأشدّ درجاتها، وليس تلك‏ المحبّة التي يحملها نوعاً ما محبّو أهل البيت‏ عليهم السلام، وتشكل تلك المحبة أهمية للغاية، بحيث يصرّح الإمام الصادق عليه السلام في الرواية التي سوف نذكرها بأنّ من ‏يحمل هذه المحبة فإنّها لن تكون هي الأكثر ثمرأً في طريقة السير والسلوك‏ فقط، وإنّما هي الطريق الوحيد الذي يأمن فيه الخطر ويخلو منه، والحال أنّ ‏أسلوب الحكماء والعلماء والصدّيقين لم يكن كذلك، وهذا ما صرّحت بها الرواية.

يقول الإمام الصادق عليه السلام في هذه الرواية :

إِنَّ الْحُكَماءَ وَرَثُوا الْحِكْمَةَ بِالصَّمْتِ، وَإِنَّ الْعُلَماءَ وَرَثُوا الْعِلْمَ ‏بِالطَّلَبِ، وإِنَّ الصِّدّيقينَ وَرَثُوا الصِّدْقَ بِالْخُشُوعِ وَطُولِ الْعِبادَةِ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِهذِهِ الْمَسيرَةِ إِمَّا أَنْ يَسْفَلَ وَإِمَّا أَنْ يَرْفَعَ، وَأَكْثَرُهُمُ ‏الَّذي يَسْفَلُ وَلايَرْفَعُ، إِذا لَمْ يَرْعَ حَقَّ اللَّهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِما أَمَرَ بِهِ، فَهذِهِ صِفَةُ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ، وَلَمْ يُحِبُّهُ حَقَّ مَحَبَّتِهِ، فَلايَغُرَّنَّكَ صَلاتُهُمْ وَصيامُهُمْ وَرَواياتُهُمْ وَعُلُومُهُمْ، فَإِنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ.(159)

إلى المراحل العليا في مقام المحبّة ويكون مشبعاً بالصدق والإخلاص‏ والنقاء في هذا الخصوص وجعل قلبه حرم للَّه وملؤه بالمحبّة الشديدة للبارئ ‏جلّ وعلا وأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، فإنّه لن تخمد تلك المحبّة ولن تأخذ منحى التنازل والهبوط قطعاً على الرغم من جميع الظروف والحالات.

ولعلّ المورد الوحيد الذي يمكن من خلاله استبدال المحبّة هي فقدان ‏الشخص أصل المحبّة ومن ثم التفريط بها وإلّا فإنّ المحبّة مادامت في قلب‏ المحبّ متأصلة ومتجذرة فإنّه يسير في مسير الترقي والتكامل، وليس السير القهقري‏ والسقوطي.

والسرّ في ذلك هو أنّنا كما قلنا فإنّ المحبّة الشديدة مثلها مثل الجاذبيّة المغناطيسية، فإنّها تجذب المحبّ إليها مادامت هناك محبّة ومودّة في القلب، وتطبعه على طباعها وتسير به على سنخيتها وتزرع فيه الصفات والآثار، ومن ‏هنا فإنّ الرواية هذه تعرف بأنّ محبّة البارئ عزّ وجلّ وأوليائه هي أفضل الطرق ‏وأنجع الأساليب وأسلمها للذين يرغبون في السير والسلوك.

وقد ذكرت بعض الروايات الأخرى بأنّ المحبّين هم مقدمون على جميع‏ الأفراد، كما جاء في أخبار النبيّ داود على نبيّنا وآله وعليه السلام، فإنّ اللَّه تعالى يقول:

ما أَحَبَّني أَحَدٌ أَعْلَمُ ذلِكَ يَقيناً مِنْ قَلْبِهِ إِلّا قَبِلْتُهُ لِنَفْسي وَأَحْبَبْتُهُ‏ حُبّاً لايَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقي، مَنْ طَلَبَني بِالْحَقِّ وَجَدَني، وَمَنْ ‏طَلَبَ غَيْري لَمْ يَجِدْني ... .(160)

ونستخلص من هذا الحديث القدسي بأنّ أولئك الّذين جعلهم الإمام بقيّة اللَّه الأعظم عجّل اللَّه تعالى فرجه من أعوانه وأنصاره ومنحهم شرف الحظوة بلقائه‏ وفضّلهم على سائر الخلق، فإنّهم سبقوا الناس في طريق المحبّة ونالوا أسمى‏ وأرفع الدرجات والمراحل المتعالية من المحبّة.


153) بحار الأنوار: 129/27.

154) بحار الأنوار: 266/39.

155) سفينة البحار: مادة حبب.

156) بحار الأنوار: 232/101 و 357، عن كتاب مصباح الزائر: 116.

157) بحار الأنوار: 263/39 .

158) بحار الأنوار: 100/68، عن أمالي الطوسي: 166/1.

159) بحار الأنوار: 25/70.

160) بحار الأنوار: 26/70.

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2892
    اليوم : 17276
    الامس : 137889
    مجموع الکل للزائرین : 138665932
    مجموع الکل للزائرین : 95207270