الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
3 - تهذيب النفس

3 - تهذيب النفس

يمكن من خلال إصلاح النفس وتهذيبها وصونها من المخاطر النفسية والشيطانية والعروج بها إلى عالم اليقين، والإرتواء من معين وعين الحياة والإضفاء على القلب والروح من نقاوة صفائها.

بطبيعة الحال فإنّ اليقين أمر يمكنه إرشاد وهداية الإنسان إلى الهدف النهائي وأمّا إذا ازداد وتوغل في النفس بنسبة أعلى، فإنّه يوصله بكلّ تأكيد إلى المقصود الأصلي. 

وعلى ذلك، فإنّ المرء لايكون بعيداً عن الصواب إذا وصل إلى نتيجة تقول: إنّ التهذيب والإصلاح النفسي والروحي‏ يزيد حالة اليقين، وهذه حقيقة واضحة صرّح بها مولانا الإمام موسى بن جعفر عليه السلام حين قال:

... بِاِصْلاحِكُمْ اَنْفُسَكُمْ تَزْدادُوا يَقيناً وَتَرْبَحُوا نَفيساً ثَميناً، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً هَمَّ بِخَيْرٍ فَعَمِلَهُ اَوْ هَمَّ بِشَرٍّ فَارْتَدَعَ عَنْهُ، ثُمَّ قالَ: نَحْنُ نُؤَيِّدُ الرُّوحَ بِالطَّاعِةِ للَّهِِ وَالْعَمَلِ لَهُ.(227)

إذن، فإنّ عمليّة إصلاح النفس وتهذيبها من الشوائب العالقة بها يعد أرضية مناسبة وصالحة لزيادة اليقين ومضاعفته‏ أضعافاً؛ لأنّ الشك الذي هو متقاطع ومخالف لليقين إمّا أن يحدث عن طريق وساوس الشيطان أو من خلال حديث‏ النفس، في الوقت الذي نجد فيه أنّ الصورة تنعكس تماماً في عملية التهذيب وإصلاح النفس، إذ إنّ هذه المرحلة يتلاطم ‏فيها حديث النفس ويضرب بعضها البعض فتتلاشى، وكذلك لن يبقى لحبائل ووساوس الشيطان أي مكان فيها، وهذا ما نراه جلياً في الأحاديث الواردة عن أهل البيت‏ عليهم السلام ويمكن الإستنباط من تلك الأحاديث ما يلي:

إنّ هناك حالة من التلازم والتوأمية بين اليقين وإصلاح النفس، ومعنى هذا أنّ من لوازم إصلاح النفس زيادة حالة اليقين،ومن لوازم اليقين القاطع إصلاح النفس.

وعلى ضوء ذلك يمكن القول: بأنّ تهذيب النفس يرفع كلّ الموانع التي تعصف باليقين ويضاعف من نسبته في‏ النفس، وأيضاً يمكن تقوية اليقين وذلك من خلال تطهير الباطن والنفس، وبالنتيجة الإستفادة من القدرات الروحية العظيمة المودعة في الإنسان.

إنّ وجود اليقين في الأفراد يجعلهم من أصحاب الكرامات والاُمور الخارقة للنواميس، وهذه حقيقة واضحة للعيان ‏والقصة التي نسردها خير دليل على حقيقة هذا الأمر.

ينقل عن المرحوم الحاج الشيخ حسن علي الإصفهاني أنّه قال: عندما دخلنا إلى الحجاز في سفرنا إلى مكة للحج كان‏ فيها حاكم يدعى «شريف مكة» يعمل على أخذ مبلغ من المال من كلّ شخص يأتي إليها بعنوان «خاوه»، وبما أنّنا كنّا لانملك المال اللازم فقد قررنا أن ندخلها عن طريق أحد الطرق الفرعية من مدينة جدّة، وبينما نحن نسير وإذا بنا نواجه ‏جنود ذلك الحاكم على ذلك الطريق فمنعونا من المسير وقالوا انتظروا في هذا المكان إلى أن تأتي الشرطة لأخذ المال‏ منكم، ومن ثم تكملون مسيرتكم، وإلاّ لايحق لكم دخول مكة، فجلس الجميع تحت ظل أشجار كانت هناك في انتظارقدوم مأمورين أخذ «الخاوه».

فأخرج جميع المسافرين الذين كانوا معي المال المطلوب إلاّ أنا فقالوا لي: لماذا لاتخرج المال؟ فقلت: لا أملك مالاً لكي أعطيه لهؤلاء، فقالوا: إذا كنت تطمع بأنّنا نعطيك من أموالنا فإنّنا لانفعل ذلك، وإذا لم تدفع إليهم فإنّهم لن يدخلوك ‏مكة وسوف تحرم من زيارة بيت اللَّه الحرام، فقلت لهم: إنّني لا أطمع ولا أريد من أموالكم شيئاً، بل آمل أن يساعد عني اللَّه ‏عزّ وجلّ، فقالوا لي: لننظر كيف يساعدك اللَّه في صحراء السعودية؟

فقلت لهم: حديث مرويّ عن رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيه ما مضمونه: من قضى حوائج الناس وطلب فيها وجه اللَّه تعالى‏ ورضاه، فإنّ اللَّه يقضي حاجته في الشدائد وإن كان في صحراء خالية، فإنّه تعالى يزيلها عنه كما يزيل السيل الهادر الجاري ‏من الجبال كلّ شي‏ء أمامه.

وبعد ساعات طرحوا عليّ نفس السؤال وقلت لهم الأجابة ذاتها، فقالوا بنوع من السخرية: لابدّ أنّ الشيخ قد تناول شيئاً قد أذهب عقله وإلاّ لايوجد أحد غيرنا ليساعده وإنّنا لن نقدم إليه المساعدة بأيّ شكل من الأشكال.

وما أن مضت عدة ساعات وإذا بنا نشاهد غباراً من بعيد قد تصاعد فقلت لجماعتي: إنّه الخير، فاستهزوا بي! وبعد لحظات خرج من بين الغبار رجلان يمتطيان حصانين، فقربوا منّا فقال أحدهما: من هو الشيخ حسنعلي الإصفهاني؟

فاشار جماعتي إليّ فقال لي: أجب دعوة الشريف فركبت الحصان وذهبت معهما لمقابلة الشريف، وعندما دخلت‏ على خيمة الشريف في مكة المكرمة شاهدت كلاًّ من المرحوم الشيخ فضل اللَّه النوري والمرحوم الشيخ محمد جواد بيدالآبادي - وكانت تجمعنا صداقة - حاضرين هناك وكان للشريف حاجة أراد منّي أن أدعو اللَّه عزّ وجلّ لقضائها.

بعد ذلك علمت بأنّ الشريف كان قد طلب من الشيخ فضل اللَّه النوري أن يدعو له، فقال له الشيخ: إنّ قضاء حاجتك بيد شخص بهذا الإسم، فأمر شرطتك بالبحث عنه والإتيان به إلى هنا، وهو الآن من الذين يسيرون على أقدامهم في أحد الطرق ‏المؤدية إلى مكة، وعلى هذا الأساس فقد أصدر الشريف أوامره للبحث عني في جميع الطرق الفرعية والإتيان بي.

نعم؛ فإنّ اليقين له الأثر البالغ في ظهور الكرامات والمعاجز من أولياء اللَّه والمقرّبين.


227) اصول الكافي: 268/2، بحار الأنوار: 194/69.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2855
    اليوم : 94576
    الامس : 132510
    مجموع الکل للزائرین : 138544771
    مجموع الکل للزائرین : 95129406