الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
السعي في طلب الحقيقة ودركها

السعي في طلب الحقيقة ودركها

يجب على الإنسان بذل قصارى جهده وهمّته للوصول إلى الحقيقة والحقّ، حتّى وإن واجهته الشدائد والمحن؛ فما يلبث هذا الأمر أن يتحوّل إلى عامل‏ دعم يستمدّ مبرره من الإيمان وإندفاعه من الهدف، فيولد شعوراً بالصبر والإستقامة والإندفاع إلى الجد والعمل ولولاها لاستحال الوصول إلى الحقيقة والحق ودركه.

قال الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام :

لايُدْرَكُ الْحَقُّ إِلّا بِالْجِدِّ وَالصَّبْرِ.(109)

ومن هنا فإنّ كلّ واحد منّا يحتاج في طريق درك الحقيقة إلى السعي والجدّ والثبات وتحري السبيل الذي يقوده إلى النجاة، ولايمكن الإستفادة من تلك‏ الجهود والمساعي ما لم تكن القاعدة مبنيّة على الموازين والمقايس التي‏ وضعها أهل بيت الوحي والرسالة عليهم السلام والتعامل معها بخطوات ملموسة وصحيحة.

وعليه فإن أردنا الإستفادة من جوهرة وجودنا والتي لايتسنى للجميع درك قدرتها علينا السعي والعمل بكل الإمكانيّات والطاقات وصبها في هذا المسير والتشخيص‏ الواضح للنهاية والعاقبة التي نصل إليها.

وقد قال مولانا الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام في إحدى خطبه:

اَلْعَمَلُ، اَلْعَمَلُ، ثُمَّ النَّهايَةُ، النَّهايَةُ.(110)

وأمّا الشخص الذي لايخطو في هذا المسير فكيف يمكنه درك الحقيقة والوصول إليها، ومن ثمّ قطع ذلك الطريق والعبور إلى شاطئ البرّ والأمان؟!

لاتترك الأنفاس في الهزل سدى

أدرك من جد وفي الجد العُلى

جوهرة النفس إذا ضيعتها

في لعب لم تلق منها بدلاً

إذن على الإنسان السعي والبحث عن الحق والحقيقة بكلّ وجوده حتّى ‏يصل إلى مراده وغايته التي ينشدها وإليكم قصّة جميلة في هذا المجال:

ينقل المرحوم الميرزا أبوالحسن الطالقاني، وهو أحد تلامذة المرحوم ‏الميرزا الشيرازي قصّة يقول فيها: كنت مع عدد من أصدقائي متجهين إلى زيارة سامرّاء ومرقد الإمامين العسكريين‏ عليهما السلام، وذلك بعد الإنتهاء من زيارة كربلاء، وفي الطريق وبالتحديد في قرية «الدجيل» وقفنا قليلاً لنتناول طعام الغذاء ونستريح ثم نكمل المشوار باتجاه سامرّاء.

وفي هذا المكان التقينا بأحد طلبة حوزة سامرّاء يرافقه طلبة آخرون تبدو عليه بعض الملامح الغريبة منشغلين في تهيئة الطعام، وفي ذلك الوقت‏ سمعت من الطالب الذي هو برفقة طالب العلوم الدينية من سامرّاء يقرأ شيئاً، وعندما اقتربت منه وجدته يقرأ التوراة باللغة العبريّة، فتعجبت كثيراً فسألت ‏من الطالب الذي يسكن سامرّاء، قلت له: من هذا الشيخ؟ وكيف تعلم اللغة العبريّة؟ فقال لي: إنّ هذا الشخص أسلم حديثاً وكان من قبل يهودياً، فقلت له: لابدّ أن تكون قصّته غريبة وأرجو منك سردها لي.

فسمع ذلك الشخص الذي أسلم حديثاً قولي فردّ قائلاً: إنّ قصّتي طويلة وعجيبة وعندما نتحرّك صوب سامرّاء أسردها عليك بكلّ تفاصيلها.

وعندما جاء وقت العصر تحرّكنا صوب مدينة سامرّاء فقلت له: هل حان ‏الوقت لتقول لي ما قصّتك؟ فقال لي: إنّي من يهود «خيبر» التي تقع بالقرب من ‏المدينة، وكان هناك عدد من القرى والأرياف تجاور خيبر، حيث يعيش فيها مجاميع من اليهود، وذلك منذ عهد رسول اللَّه‏ صلى الله عليه وآله وسلم وكان في إحدى هذه القرى ‏مكتبة للمطالعة فيها غرفة قديمة، وكان فيها كتاب التوراة يعود زمانه إلى وقت‏ قديم جدّاً، حيث كُتب ذلك على غلافه الخارجي.

وكان باب هذه الغرفة مغلق دوماً وقفلت بقفل كبير، وكان القدماء من آبائنا وأجدادنا يوصون بعدم فتح تلك الغرفة وقراءة التوراة، وكان من المشهور بين‏ الناس أنّ كلّ من قرأه أصيب عقله بالجنون! وكانت هذه التوصية مخصوصة إلى‏ الشباب!

ثمّ قال هذا الرجل: لقد أنتابني أنا وأخي نوع من الفضول، فأردنا قراءته ‏والإطلاع على محتواه، فذهبنا إلى الكليدار الذي بيده المفتاح الخاص بهذه‏ الغرفة وطلبنا منه برجاء أن يفتح لنا الباب، ولكنّه رفض ذلك رفضاً قاطعاً وكان‏ رفضه هذا أشعل فينا الشوق والفضول أكثر من قبل، وذلك من باب قاعدة «الإنسان حريص على ما منع» فذهبنا مرّة اُخرى له وأعطيناه مبلغاً من المال ‏حتّى يفتحها لنا بشكل خفي لايعلم به أحداً.

فوافق على ذلك وجئنا بالوقت المحدد لنا ودخلنا الغرفة وبدأنا بهدوء وسكينة بقراءة كتاب التوراة الذي كان بالفعل من الكتب القديمة، حيث وجدنا ذلك مكتوباً على صفحته الأولى، وكانت هناك صفحة قد أثارت انتباهنا، وعندما دققنا النظر إليها وجدنا فيها: أنّ هناك نبيّاً يبعث من الجزيرة العربية في‏ آخر الزمان، وقد ذكرت أوصافه وخصوصياته واسمه وحسبه، وكذلك جاء فيه أسماء أوصيائه وهم إثنا عشر وصيّاً بأسمائهم وأوصافهم.

فقلت لأخي: من الأفضل لنا أن نكتب هذه الصفحة ونقوم بالبحث عن ذلك ‏النبي وأوصيائه، فكتبناها وخرجنا من الغرفة وكلّنا شوق واشتياق لمعرفة ذلك‏ مهما كلف الأمر.

وكان فكرنا مشغولاً بذلك الموضوع، وبما أنّ القرية التي كنا نعيش فيها بعيدة عن الطريق الأصلي للعبور والمرور طالت المدّة ولم نحصل على شي‏ء ملموس مما يدور في أذهاننا حتّى مرّ على أرضنا واحد أو إثنان من التجار المسلمين فسألنا منهم بشكل خفي عن تلك الأوصاف والشمائل التي تحلَّى ‏بها الرسول الأكرم ‏صلى الله عليه وآله وسلم فجاءت مطابقة لما هو في تلك الصفحة، فحصل عندنااليقين بأحقية الدين الإسلامي، ولكن لم تكن لدينا الشجاعة الكافية لإظهار ذلك، وكان الأمل الوحيد الذي يراودنا هو الفرار من هذه المدينة.

وتحدّثنا أنا وأخي عن كيفية الفرار، فقلت له: إنّ المدينة قريبة ومن الممكن ‏أن يقبض علينا اليهود، لذا فإنّ من الأفضل الفرار إلى مدينة إسلاميّة اُخرى.

وكان إسم مدينة الموصل وبغداد قد طرق أسماعنا، وفي ذلك الوقت توفّى‏ والدي وعين أحد الأشخاص وصيّاً ووكيلاً علينا جميعاً، فذهبنا إلى الوكيل‏ وأخذنا مقداراً من المال منه فركبنا سريعاً متجهين إلى العراق وسألنا عن مدينة الموصل فأرشدنا الناس إليها فدخلناها وقضينا الليلة في أحد خاناتها.

وعندما حلّ الصباح جاء عدد من أهالي المدينة إلينا وقالوا: هل تبيعون ‏الخيل هذه؟ فقلنا لهم: هي ليست للبيع، ولكنّهم أصرّوا على شرائها؛ لأنّها كانت من أجود أنواع الخيل في ذلك الوقت، ولكنّنا رفضنا، وفي النهاية قالوا: إذا لم تبيعونها فإنّنا نأخذها منكم بالإجبار والقوّة، فانصعنا لأوامرهم وبعناها لهم، وقلت لأخي: إنّ هذه المدينة غير آمنة بعد الذي حدث معنا، فعلينا الذهاب إلى مدينة بغداد، ولكن في الوقت نفسه كان هناك نوع من الخوف‏ ينتابنا للذهاب إليها؛ لأن خالي يعيش هناك وهو من التجّار الكبار فيها، وهو يهودي ونخاف أن يوصل خبرنا إلى أهالنا، ومن ثمّ يعثرون علينا ويرجعوننا إلى مدينتا.

وعلى أيّ حال عزمنا على الذهاب إلى هذه المدينة، فوصلنا إليها وسكنّا في‏ أحد فنادقها، وعند الصباح جاء إلينا صاحب الفندق ودخل إلى الغرفة وسألنا عن قصّتنا فذكرنا له ما جرى علينا من أحداث، حيث قلنا له: نحن من يهود خيبر، وانّنا نرغب في الدخول إلى الدين الإسلامي، فنرجو منك أن تصحبنا إلى أحد العلماء المسلمين، فبدت على ذلك الرجل الكبير علامات التبسم‏ والفرح والسرور، فقال: سمعاً وطاعة، فذهب بنا إلى بيت قاضي بغداد، وبعد السلام والتعارف شرحنا له قصّتنا وطلبنا منه أن يعرفنا على أحكام الإسلام، فقال: جيّد ثمّ بدأ يشرح نبذة مختصرة عن التوحيد والأدلّة التي تدلّ على ‏وجود الصانع لهذا الكون، ومن ثمّ تحدث عن رسالة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم‏ والخلفاء من بعده وأصحابه.

وقال: إنّ الخليفة من بعد النبي ‏صلى الله عليه وآله وسلم هو عبد اللَّه بن أبي قحافة، فقلنا له: من‏ هو عبد اللَّه هذا الذي تتكلّم عنه؟ حيث لم يأت إسمه في التوراة التي عندنا! فقال قاضي بغداد: هو الشخص الذي تزوّج النبي ‏صلى الله عليه وآله وسلم ابنته، قلنا: هذا غير صحيح؛ لأنّنا قرأنا في ذلك الكتاب أنّ وصيّ رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي تزوّج من‏ ابنته، وعندما قلنا له هذا الكلام تغيّرت قسائم وجه فعبس وقال لنا بغضب‏ وعصبيّة حادة: اخرجا هذين الرافضيين وبعد أن ضربونا أخرجوننا من ذلك ‏المكان، فرجعنا إلى الفندق، وعندما سمع صاحب الفندق ما جرى أخذ لايهتمّ‏ بنا.

وبعد هذه الحادثة ظهرت علينا علامات الإستغراب والتعجبّ على ما فعله ‏القاضي بنا، بالإضافة إلى أنّنا لم نفهم ما قصده من كلمة رافضي؟ ومن هم الذين‏ يقصدهم بهذه الكلمة؟ ولمَ خاطبنا القاضي بهذه الكلمة؟ ولماذا أخرجنا من‏ مجلسه؟

وبقينا أنا وأخي نتكلّم بهذا الموضوع إلى نصف الليل ولم نستطيع النوم ‏طوال تلك الليلة، وفي الصباح الباكر نادينا صاحب الفندق وقلنا له: خلصنا من‏ تلك الأسئلة التي تدور في أذهاننا، وما الّذي جرى على القاضي؟ ولماذا طردنا من بيته؟ ولماذا نعتنا بالرافضيين؟ أما أنّ القاضي لم يفهم مقصودنا أو أنّنا لم‏نتستطيع من إيصال الموضوع إليه بالشكل الصحيح والمطلوب؟ فقال: إنّكم ‏إذا كنتم تريدون الحقّ والحقيقة واعتناق الإسلام فعليكم القبول بكلّ ما قاله‏ القاضي.

قلنا: ماذا تقول؟ إنّنا تركنا المال والبيت والأهل وكلّ شي‏ء من أجل الإسلام.فقال: جيّد تعالوا نذهب مرّة اُخرى إلى القاضي وفي هذه المرّة عليكم القبول ‏بكلّ شي‏ء وعدم مخالفته، فذهبنا إلى بيت القاضي، فبدأ القاضي بالحديث‏ وقدم الموعظة والنصيحة وبعد ذلك تحدثنا فقلنا له: إنّنا جئنا من مكان بعيد، وتركنا أعزّ  الأشياء من أجل التعرّف على الدين الإسلامي، وليس لنا هدف ‏سوى ذلك، فإذا تأذن لنا لدينا عدد من الأسئلة؟ فقال القاضي: تفضّلوا اسالوا ما طاب لكم.

فقلنا: إنّنا قرأنا التوراة القديمة والصحيحة وكتبناها وكتبنا كلّ ما يتعلّق بنبي‏ آخر الزمان وأوصيائه وهو الآن عندنا، فلم يوجد فيه اسم عن عبد اللَّه بن أبي‏ قحافة، فقال القاضي: من هم الأشخاص الذين تناولتهم التوراة وجاءت ‏أسماؤهم فيها.

قلنا: إنّ الخليفة الأوّل هو صهر النبي وابن عمّه، ولم نكمل كلامنا هذا حتّى‏ عاد القاضي إلى حالته القديمة ولم يستطع ضبط نفسه، فأخذ حذائه ورماه على‏ وجهي فتمكّنت من الفرار منه بمشقّة، وكذلك أخي الذي فرّ منه في اللحظات ‏الأولى من كلامه، فأخذت اتجول بأزقّة بغداد بوجه مدمى ولم أعرف إلى أين ‏أتّجه، حتّى مشيت ساعات فوصلت إلى نهر دجلة، فتوقفت هناك للإستراحة، إذ أنّ رجليّ لاتحملانني من أثر التعب وسيل الدماء والجوع والعطش من جهة،ومن جهة اُخرى الخوف من المستقبل والغربة، وهنا أخذتني العبرة وبدأت ‏أبكي على حالي وما جرى عليّ من مصائب ومحن.

فجأة جاء رجل يرتدي على رأسه عمامة بيضاء بيده جرتين خاليتين يريد ملأهما من ذلك النهر فاقترب منّي، وعندما شاهد حالي رثى له وسألني عن‏ قصّتي، فقلت له: كل الذي جرى عليّ وإنّي غريب عن هذا البلد، ومن يهود خيبر، وجئت إلى هنا للبحث عن الإسلام وتعاليم أحكامه، ولكن أصابني الذي‏ أصابني، ثمّ أشرت إلى الدماء التي تسيل من وجهي.

فقال: أسألك كم هي عدد فرق اليهود؟ فقلت: هي كثيرة، فقال: إنّ عدد فرق‏ اليهود هو واحدة وسبعون فرقة، فهل إنّهم جميعاً على حقّ؟ فقلت له: كلاّ، فقال: وما هو عدد فرق النصارى؟ فقلت: هم فرق متعدّدة ومختلفة، فقال: هم‏ إثنتان وسبعون فرقة فهل كلّهم على حقّ؟ قلت: بالطبع لا، فقال: إنّ الإسلام ‏أيضاً فيه فرق متعدّدة، حيث يوجد فيه ثلاث وسبعون فرقة، ولكن هناك فرقة واحدة على حقّ، فقلت: إنّني أبحث عن تلك الفرقة، فماذا عساني أن أفعل؟

فقال: إذهب من هذا الجانب إلى مدينة الكاظميّة، وأشار إلى الجانب الغربي،ومن ثمّ قال: إنّ الشيخ محمد حسن آل ياسين هو الذي يقضي حاجاتك‏ ويساعدك في أمرك فتحركت، وإذا بالشاب الذي تحدث معي قد غاب عن‏ بصري، فكلّما نظرت إلى هذا الصوب وذلك الجانب فلم أعثر عليه، فتعجّبت‏ لذلك الأمر كثيراً، فقلت في نفسي: من هو هذا الشابّ وماذا جرى له وكيف ‏غاب عنّي؟ حيث تحدث عن نفسه وعن الأوصاف التي ذكرته التوراة بخصوص النبيّ وأوصيائه، وقال: أتريد أن أقرأها عليك؟ فقلت: بلى؛ فبدأ بقراءتها وكأنّه هو الّذي كتبها بيده، وبما أنّه غاب عن أنظاري تيقّنت أنّه رجل ‏إلهي، ولم يكن من الأشخاص العاديين لذا اعتمدت على هدايته وكلامه.

فشعرت بقوّة بداخلي وبدأت أبحث عن أخي فوجدته وهو أيضاً يبحث‏ عنّي وبدأت أكرّر كلمة الكاظميّة والشيخ محمّد حسن آل ياسين، حتّى لاأنساها فسألني أخي أيّ دعاء تقرأه؟ فقلت: إنّه ليس بدعاء وبدأت أحدثه بماجرى عليّ أثناء غيابه، ففرح لهذا الموضوع كثيراً.

وبعد السؤال وصلنا إلى مدينة الكاظمية ودخلنا إلى بيت الشيخ محمّدحسن آل ياسين، فشرحنا قصّتنا من أوّلها إلى آخرها، فقام الشيخ وبكى‏ بصوت عالٍ، فقبّلني بين عيني وقال: إنّ هذه العين رأت الإمام صاحب العصر والزمان عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف وكنّا إلى مدّة في ضيافة الشيخ، حيث تعرفنا على العقائد الحقّة للشيعة.(111)

نعم؛ إنّ أولئك الذين يتركون الوطن والأهل، ويسعون لأجل طلب الحق ‏والحقيقة وتملأ وجودهم الرغبة والميل لذلك، فإنّهم سيحظون بكلّ تأكيدبعناية ورعاية مولانا بقية اللَّه الأعظم عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف والإستفادة من ‏فيوضاته الربانيّة، ولن يتركهم في محنتهم وغربتهم وحيدين.

إنّنا نرى اليوم أنّ الكثيرين من الأفراد قد أدركوا حقيقة التشيّع وعلموا بأحقيّته على سائر الفرق والمذاهب الأخرى، ولكنّهم نتيجة الخوف أو عوامل‏ وهميّة وخياليّة لم يتمكّنوا من الدخول فيه والرجوع إلى مذهب فطرتهم‏ الصحيحة، وما القصة التي أوردنا إلاّ درس يجب أن يأخذوا به، ولتكون عبرةلهم.

بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي

ومن طلب العلا سهر الليالي

ومن رام العلا من غير كدّ

أضاع العمر في طلب المحال

تروم العزّ ثمّ تنام ليلاً

يغوص البحر من طلب اللآلي

فإذا كان البحث عن الحقيقة أمراً واقعيّاً وصادقاً، فلابدّ أن يتحمّل الإنسان‏ كلّ المحن والمشاكل التي تقف أمامه وعدم القعود قانطاً بإنتظار ما ستؤول له ‏الأيّام، فهذه هي بضاعة العاجزين.

يقول الإمام مولى الموحدين علي ‏عليه السلام:

اِيّاكُمْ وَالْايكالُ بِالْمُنى فَإِنَّها مِنْ بَضائِعِ الْعَجْزَةِ.(112)

وعلى ضوء ذلك فإنّ الواجب يقضي على من يعشق مذهب أهل البيت ‏عليهم السلام‏ ويريد معرفة تعاليمه المتعالية ومبادئه الحقّة أن يزرع في نفسه الأمل والتطلع ‏لنيل مقصده والعمل بكلّ جدّية ومثابرة؛ باعتبار أنّ شعار العظماء وأصحاب‏ العزائم والهمم العالية كان دائماً هو السعي والعمل للوصول إلى المطلوب.

إذن بالعمل والسعي تقوّى الإرادة الإنسانيّة وتتضاعف، وهو علامة فارقة على‏ شخصيّة الفرد ومدى قوّتها وتحمّلها في طريق ذات الشوكة، وبالتالي فإنّ العمل يبعد الإنسان عن توهّمات ونفوذ الشياطين ويقوده إلى سفن النجاة.


109) بحار الأنوار: 132/34، نقلاً عن كتاب الأمالي للمرحوم الشيخ الطوسي: 113/1.

110) نهج البلاغة: الخطبة رقم 176.

111) معجزات وكرامات الأئمّه الأطهار: 175 للمرحوم آية اللَّه السيّد هادي الخراساني.

112) أمالي الطوسي: 193/2 نقلاً عن بحار الأنوار: 188/71.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 3080
    اليوم : 101834
    الامس : 154979
    مجموع الکل للزائرین : 142487546
    مجموع الکل للزائرین : 98269481