الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
1 - الإعتياد على الأعمال المستهجنة

1 - الإعتياد على الأعمال المستهجنة

أليس جديراً بالإنسان أن يستفيد من الثروات الروحية الهائلة التي أودعها اللَّه عزّ وجلّ في أعماقه وعدم إهمالها بأيّ شكل كان، وأن لايؤطرها بأطر العادات ‏والتقاليد التي لا قيمة لها؟

وعند النظر والتفحص في أحاديث الأئمّة الأطهار عليهم السلام ومتابعة سيرة حياتهم ‏الناصعة نجد أنّ أفضل العبادات هي الغلبة على العادات السيّئة والقبيحة؛باعتبار أنّ الإعتياد على كلّ عمل وفعل يكون مثل الطبع الثاني الّذي تحكم‏ الإنسان ويسيطر عليه شاء أم أبى.

ولهذه العلّة نرى أنّ أميرالمؤمنين علي ‏عليه السلام يطلق على العادة اسم الطبع الثاني‏ فيقول:

اَلْعادَةُ طَبْعُ ثانٍ.(16)

ويعلّل الأمر؛ باعتبار أنّ الاُمور التي يعتاد عليها الفرد مثلها مثل الاُمور التي ‏تكون نابعة من طبعه التي تغلبه، فتهيمن عليه ونسقطه تحت تأثيراتها، ولهذا فإنّ الشخص الذي تحيط به الأعمال السيّئة ويعتاد عليها فإنّه إن استطاع‏ الخلاص منها والغلبة عليها والعبور إلى الجانب الآخر فقد قام بأفضل عبادة ممكنة، فهنيئاً له هذه الحياة المترعة بالصالحات والتي لايصحبها كلل ولا ملل ‏ولايقصر بها طول الطريق ووعورته وقلة آهله؛ لأنّ الأمل يحدوه والإيمان ‏بالغلبة يمدّه بالثبات والعزيمة، حينئذ يحقّ له الإفتخار والإعتزاز بنفسه.

قال الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام :

اَفْضَلُ الْعِبادَةِ غَلَبَةُ الْعادَةِ.(17)

إذ إنّ الناتج من الغلبة على العادات السيّئة والسلوك المشين يفتح الطريق ‏واسعاً أمام الوصول إلى الكمالات الروحيّة، ولا جرم ففي ذلك الوقت تتهيّأ كل ‏المقدّمات والمسلتزمات لنيل أشرف المراتب والدرجات.

عن أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام أنّه قال:

بِغَلَبةِ العاداتِ أَلْوُصُولُ إِلى أَشْرَفِ الْمَقاماتِ.(18)

إنّ عمليّة التطوّر والترقّي إلى مصافّ أشرف المراتب والمقامات في‏ الأعمال المهمة والوصول إلى المسائل الروحية لن تكون متوقّفة على الإعتياد على ارتكاب المعاصي والآثام وحدها، وإنّما الإعتياد على كلّ عمل وفعل قبيح ‏وغير مجدٍ.

وعلى أساس الأساس، فإذا أراد الشخص الحصول على القيّم الروحية ينبغي عليه الإبتعاد والإجتناب عن كل العادات غير المستحسنة والمستهجنة لكي يتمكّن من قطع شوطٍ كبيرٍ في الوصول إلى المراحل العليا للكمال.

قال أميرالمؤمنين علي عليه السلام:

غَيْرُ مُدْرِكِ الدَّرَجاتِ مَنْ أَطاعَ الْعاداتِ.(19)

باعتبار أنّ عمليّة الإعتياد مثل السلاسل والقيود، فإنّه تقيّد الإنسان وتجعله ‏غير قادر على فعل شي‏ء وتمنعه من الحركة صوب الرقي والتقدم، وعليه ‏يجعل الأمر في الوصول إلى الدرجات المعنوية المتعالية أمرٌ مستعصٍ وفي‏ غاية الصعوبة، بل أمر غير ممكن.

ولهذا فمن الضروري بمكان التحرك باتّجاه ترك العادات السيئة والاُمور القبيحة والتي لا قيمة لها ولا اعتبار لكي يستطيع الشخص منّا الوصول إلى‏ التكامل الروحي بسهولة.

يقول مولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام في هذا الصدد:

غَيِّروُا الْعاداتِ تَسْهُلَ عَلَيْكُمُ الطَّاعاتِ.(20)

ويمكن الإستفادة من هذا الحديث أنّ الحرب التي يتبعها الشيطان والنفس‏ في مسألة مخالفة الأوامر والدساتير الإلهيّة هي جعل الإنسان معتاداً على الاُمور التافهة والذنوب الصغيرة، ومن هنا فلابد له من إفشال تلك الحرب ليمكن‏ إتباع تلك الأوامر وعدم مخالفته بشكل من الأشكال، ويمكن من خلال اتباع ‏الإرشادات الواردة عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم أفضل الصلاة والسلام من‏كسب أعلى المراتب والدرجات الإنسانية.

لاتَحْسَبِ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا عَلى ثِقَةٍ

مِنْ أَمْرِهِمْ، بَلْ عَلَى ظَنٍّ وَتَخْييل

حُبُّ الْحَياةِ، وَبُغْضُ الْمَوْتِ أَوْرَثَهُمْ

جُبْنَ الطِّباعِ، وَتَصْدِيقَ الأَباطيلِ

فكلّ إنسان لديه ثروة عظيمة في داخله لابدّ له من الإستفادة منها بأحسن ‏وجه، ولكن نرى أنّ العادات السيئة تعمل على مصادرة تلك الثروة وتجعلها في مهب الريح وتمنعه من توظيف قدراته وطاقاته في المسير الصحيح.

إنّ الإنسان الذي يعتاد ويتطبع بالعادات السيّئة مثله مثل الشخص صاحب‏ الثروة والمال الكثير، ولكن يتمّ مصادرته منه وهذا الشخص لن يهدأ له ويطيب‏ له عيش إلّا باستراجاعها، ويجب على الإنسان الذي وقع في مصيدة العادات ‏السيئة العمل بكلّ عزيمة وإرادة وقوّة كما يفعل صاحب المال لاستراجع ماله ‏المصادر على التخلّص والنجاة منها، وعدم العودة إليها وبذل قصارى جهوده‏ في هذا الجانب.

ونقول ومع الأسف الشديد: فإنّ المجتمع البشري يعمل هو بنفسه لمصادرة قواه الروحية العظيمة، ويحرم نفسه منها، وإنّ هناك مجموعة وفئة قليلة هي‏ التي تجاهد وتكافح للخلاص من القدرات المادية.

ولايغامر أحد الشك بأنّ هناك مجموعة وقوى ودولاً تعمل على مصادرة أموال الدول المستضعفة مع أنّهم يطلقون على أنفسهم حماة الدفاع عن حقوق‏ الإنسان!


16) شرح ‏غرر الحكم: 185/1.

17) شرح غرر الحكم: 375/2.

18) نفس المصدر: 229/3.

19) نفس المصدر: 382/4.

20) نفس المصدر: 381/4.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2756
    اليوم : 38234
    الامس : 165136
    مجموع الکل للزائرین : 141036534
    مجموع الکل للزائرین : 97387172