الثانية :
[في موعظة الإمام السجّاد عليه السلام للزهري]
في الإحتجاج: بالإسناد إلى أبي محمّد العسكري عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: دخل محمّد بن مسلم بن شهاب الزهري على عليّ بن الحسين عليهما السلام وهو كئيب(217) حزين، فقال له زين العابدين عليه السلام: ما بالك مغموماً؟
قال: يابن رسول الله ؛ غموم وهموم تتوالي عليّ لما امتحنت به من جهة حسّاد نعمي والطامعين فيّ وممّن أرجوه، وممّن أحسنت إليه فيخلف ظنّي.
فقال له عليّ بن الحسين عليهما السلام: إحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك.
قال الزهري: يابن رسول الله ؛ إنّي أحسن إليهم بما يبدر من كلامي.
قال عليّ بن الحسين عليهما السلام: هيهات هيهات !إيّاك وأن تعجب من نفسك ]بذلك[، وإيّاك أن تتكلّم بما يسبق إلى القلوب إنكاره، وإن كان عنك(218) إعتذاره فليس كلّ من تسمعه شرّاً يمكنك أن توسعه عذراً.
ثمّ قال: يا زهري ؛ من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه.
ثمّ قال: يا زهري ؛ أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم منك بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم منهم منك بمنزلة ولدك، وتجعل تربك(219) بمنزلة أخيك، فأيّ هؤلاء تحبّ أن تظلم؟ وأيّ هؤلاء تحبّ أن تدعو عليه؟ وأيّ هؤلاء تحبّ أن تهتك ستره؟
وإن عرض لك إبليس لعنة الله بأنّ لك فضلاً على أحد من أهل القبلة فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير منّي، وإن كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير منّي، وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي وفي شكّ منأمره، فما لي أدع يقيني لشكّي.
وإن رأيت المسلمين يعظّمونك ويوقّرونك ويبجّلونك فقل: هذا فضل أخذوا به، وإن رأيت منهم جفاءاً وانقباضاً عنك فقل: هذا الذنب أحدثته، فإنّك إذا فعلت ذلك سهّل الله عليه عيشك، وكثر أصدقاؤك، ]وقلّ أعداؤك(220)وفرحت بما يكون من برّهم ولم تأسّف على مايكون من جفائهم.
واعلم إنّ أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضاً، وكان منهم(221) مستغنياً متعفّفاً، وأكرم الناس بعده عليهم من كان متعفّفاً(222)، وإن كان إليهم محتاجاً فإنّما أهل الدنيا يعتقبون(223) الأموال، فمن لم يرحمهم(224) فيما يعتقبونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكّنهم من بعضها كان أعزّ وأكرم.(225)
------------------------------------------------------------
217) الكآبة والكآب: الغم وسوء الحال والإنكسار منالحزن.
218) في المصدر: عندك.
219) أي: مثلك.
220) (( )) ليس في المصدر.
221) في المصدر: عنهم.
222) في المصدر: مستعففاً.
223) في المصدر: يتعقبون.
224) في المصدر: لم يزدحمهم.
225) الإحتجاج: 52 - 51/2. وأورد المجلسي رحمه الله فيالبحار: 229/71 ح6 و242/92 و243 ضمن ح 48(نحوه).
آج کے وزٹر : 172069
کل کے وزٹر : 297409
تمام وزٹر کی تعداد : 121485717
|