الإستفادة من الوقت

إنّ الإنسان ذلك الكائن الصغير ومع مايحمله من افاق محدودة وضيقة فإنّه يقف أمام عالم وسيع من الأسرار والعلوم ‏والمعلومات التي لاحصر لها. فكيف يمكن للذهن المحدود أن يستوعب ويلمّ بكلّ الاُمور سواء التي تتعلق بالمسائل‏ الحياتية والمهمّة، أو تلك التي لها علاقة بالمواضيع الواهية أو التي لا أساس لها؟ إذن؛ وبما أنّ الذهن له ظرفية خاصة، لذا علينا صبّ القضايا الحياتية في وعائه وإبعاده عن كلّ قضية وأمر تافه ومنحط.

لا شك ولا ريب فإنّ هناك عوامل وقضايا واُمور لأتمت للاُمور الحياتية بأية صلة مهما قل مقدارها أو كبر، فتخلق جوّاً يجعل الشخص غائباً في غيبوبته نائماً خلف ستار العتمة ملفعاً بوشائج الجهل والظلام، ومنها الإستجمام في غير محله‏ ومكانه وقراءة الكتب عديمة الفائدة، والإعتياد على مشاهدة البرامج التلفزيونية بكثرة، حيث إنّها جميعاً تشغل الذهن‏ وتعطله عن التفكير في مسائل ذات صلة بواقعنا المعاش وتحدد مصير الإنسان وتثقل حركته نحو التكامل.

لذا علينا غض الطرف والتغاظي عنها وإفراغ الذهن عن التفكير والانشغال بها، حتّى يكون هناك وقت وفرصة كافية للاُمور الحياتية الاُخرى، وبالتالي الوصول إلى الأهداف المتعالية والكبيرة.

قال الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام:

اِحْذِرُوا ضِياعَ الْاَعْمارِ فِيما لايَبْقى لَكُمْ فَفائِتُها لايَعُودُ.(72)

ومن هنا يجب على الإنسان أن يتخذ من الآن فصاعداً قراراً حازماً وقاطعاً لتحسين أوضاع وظروف مستقبله، وجعل‏ أوقاته الآتية أفضل بكثير من الماضي الذي عاشه، وإذا كان نادماً على ذلك الماضي فلا يقدم على فعل شي‏ء يجعله يندم ‏على زمانه الحاضر.

عن الإمام مولى الموحدين علي عليه السلام قال:

بادِرِ الْفُرْصَةَ قَبْلَ اَنْ تَكوُنَ غُصَّةً.(73)

إنّ هناك حزمة عظيمة من النتائج المهمّة والثمرات النافعة التي يمكن أن يجنيها الفرد من الفرص التي تتاح إليه، وعادةما تكون قليلة، والحذر من تضييع الوقت، إذن لابدّ من السعي لتأمين مستقبل أفضل من أيّ فرصة سانحة والإستفادة منها بأحسن وجه ممكن، واستغلال جميع لحظات العمر لحظة بالحظة.

---

72) شرح غرر الحكم: 282/2.

73) نهج البلاغه: الرسالة رقم 31.