الغلبة على طباع السّوء
في عصر الظّهور نتيجة تكامل العقل
إنّ الأولياء الصّالحين والأصحاب المقرّبين والمخلصين لأهل البيت عليهم السلام ، قد وصلوا فعلاً إلى درجات الكمال المنشود ، وتمكّنوا من التّغلّب على الطّباع والعادات السّيّئة الموجودة عندهم ، والوصول إلى هذه المراتب والمنازل الرّفيعة . وذلك بواسطة قواهم العقليّة الّتي إزدادت نتيجة تقرّبهم إلى اللَّه سبحانه وتعالى بأعمالهم المستحبّة والواجبة .
وهذا هو موضوع طبيعي ؛ فعندما يتكامل العقل نرى الإنسان قادراً على تخطي حاجز الأعمال القبيحة وأفعال السوء ، مضافاً إلى ذلك تغلّبه على طبايع السّوء أيضاً ، وهذا ما أشار إليه أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حين قال : والعقل الكامل قاهر الطّبع السّوء .(7)
ولذا فإنّ العقل الكامل يستطيع التّغلّب على جميع مساوئه ، حتّى تلك الذّاتيّة منها ، ويجعلها ترفع رآية التّسليم في مقابل قواه العقليّة .
والنّقطة الجميلة الّتي يمكن الحصول عليها من خلال كلام أميرالمؤمنين عليه السلام ، هي أنّه من الممكن أن تكون لدى أولياء اللَّه الصالحين وأصحاب العقل الكامل طباع سوء ، وذلك قبل وصولهم إلى المراتب العليا وحصولهم على الدّرجات العالية والمهمّة ، وهذه بنفسها بشارة إلى الأشخاص الّذين يرون في أنفسهم أنّهم يحملون تلك الطّباع ، فعليهم أن لايستسلموا ، وأن يراهنوا على الدّعاء والعمل الصّالح، كي يصلوا إلى درجات الكمال .
وحتّى أنّ الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الرّواية رسم الخطّ البياني ومشروع عمل إلى كلّ الأشخاص الرّاغبين في الوصول إلى الكمال، وعنونها عليه السلام على أنّها وظيفة ، فقال عليه السلام في تكملتها :
وعلى العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدّين والرأي والأخلاق والأدب فيجمع ذلك في صدره أو في كتاب ويعمل في إزالتها.(8)
إنّ كتابة الأخطاء وتدوينها والسّعي إلى إجتنابها ورفعها - الأمر الّذي أوصى به أميرالمؤمنين عليه السلام كلّ العقلاء - هو بحدّ ذاته مشروع وبرنامج عمل يستحقّ الثّناء والعظمة ، حيث أنّ الشّخص إذا استطاع من تنفيذه بحذافيره وتنزيله على أرض الواقع فسيهديه ويوصله إلى المنازل العالية ويقرّبه من الطّريق المعنوي ، ويزيد من تجاربه الشّخصيّة ، وإنّ الشّخص الّذي تزداد تجاربه بالطّبع يزداد عقله ، والشّخص الّذي يزداد عقله ينضج ويستطيع قطع مسافة ألف ميل في مدّة قياسيّة .
وتجدر الإشارة إلى أنّ زيادة العقل لافاقه الواسعة نتيجة التّجربة هي نقطة أشار وصرّح بها الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام في بداية هذه الرّواية حين قال عليه السلام :
العقل عقلان؛ عقل الطبع وعقل التجربة ، وكلاهما يؤدّي إلى المنفعة.(9)
وعلى أساس هذا ، فبالإضافة إلى وجود العقل الذّاتي والعقل الفطري عند الأشخاص فإنّ هناك عقل تجربيّ أيضاً ، وهذا مرده إلى التّجارب الّتي يكتسبها الإنسان وزيادتها يوماً بعد آخر ، وينصهر كلا القسمين من العقل الذّاتي والتّجربي في بوتقة المنفعة ، كما أشار إلى ذلك أمير البيان والبلاغة الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام .
ويمكن إستخلاص بعض النّقاط من المطالب الّتي ذكرناها آنفاً وكالآتي :
1 - العقل قسمان : ذاتي وتجربيّ .
2 - كما وأن العقل الذّاتي يرشد الإنسان إلى المصالح والمنافع ، فإنّ العقل الإكتسابي والتجربيّ لهما هذه الخصوصيّة أيضاً .
3 - يجب على العاقل تدوين مساويه الأخلاقيّة والدّينيّة ، والعمل للقضاء عليها .
4 - عدم يأس الإنسان من الوصول إلى المقامات المتعالية بسبب الأخطاء الصّادرة منه في الماضي ، والتّفاؤل بمستقبل مشرق ومتطلّع من خلال سعيه الحثيث وأخذه العبر الدروس والإرشادات من قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام هذا .
5 - إنّ جميع أولياء اللَّه الصّالحين وأصحاب الأئمّة عليهم السلام المقرّبين لم يكن لديهم تلك الطّباع والعادات الحسنة في بداية الأمر ، وإنّما حصلوا عليها من خلال رياضات خاصّة .
6 - إنّ العاقل الكامل أو الأولياء الصّالحين هذبوا طباعهم السّيّئة بواسطة قواهم العقليّة .
7 - إنّ الشّخص الّذي يحمل عقلاً كاملاً تكون لديه مقامات متعالية ، باعتبار أنّ حامل هذه الصّفة ستأهّله للإرتباط مع عالم الملكوت . وبالتّالي يصبح ملكوتيّاً . ومثل هذا الشخص ينشرح صدره ويكون له نور إلهي ، يرى بواسطته الحقائق على حالها ، يقول اللَّه سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز :
«أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ اُولئِكَ في ضَلالٍ مُبينٍ» .(10)
نعم ؛ إنّ الأشخاص الّذين نالوا مراتب الكمال العقلي ، فهم أولئك الّذين تفتحت بصائر قلوبهم ، ونجوا من عمى القلب الّذي هو أسوأ من عمى العيون .
يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : شرّ العمى عمى القلب .(11)
7) بحار الأنوار : 6/78 .
8) و 9) . بحار الأنوار : 6/78 .
10) سورة الزّمر ، الآية 22 .
11) بحار الأنوار : 51/70 .
بازديد امروز : 9680
بازديد ديروز : 242836
بازديد کل : 124720661
|