مستقبل العالم والحرب العالميّة
كانت هناك شخصيّات عالميّة معروفة سواء في الماضي أو في الحاضر تتخوّف من فناء العالم وزواله من الوجود ، ويعلمون أنّهم السّبب والعامل الأصلي والحقيقي لوصول الإنسانيّة إلى هذا المصير المحتوم ، وواحد من هؤلاء هو «إينشتاين» .
يقول «راسل» : إنّ وجود القنبلة النّوويّة والقنبلة الهيدروجيّة - الّتي هي أقوى من الأولى بكثير - أوجدت حالة من الرّعب والوحشة في قلوب النّاس من جديد ، ووضعت النّتائج الّتي وصل إليها العلم في حياة الإنسان موضع الشّكّ والتّساؤل ؛ حتّى أنّ بعضاً من أصحاب القرار – و«إينشتاين» هو واحد منهم - أذعنوا إنّ هناك خطراً جدّيّاً يهدّد الحياة بالفناء فوق هذا الكوكب الأرضي .(30)
يقول «دكنت دونوئي» : إنّ البشريّة اليوم تتعرّض إلى الفناء الكامل نتيجة إستعمال الأسلحة النّوويّة ، وأدرك الجميع أنّ الطّريق الوحيد للخلاص منوط بتنمية ونشر الأخلاق الرّفيعة الإنسانيّة ، ولأوّل مرّة في التّاريخ البشري يتخوّف الإنسان من العمل الّذي أنجزه بذكائه .(30)
نعم ؛ إنّ هناك الكثير من السّاسة الأروبيّين يعيشون حالة من الخوف والهلع لما سوف يؤول إليه مصير العالم ومستقبل الإنسان ، ولايعلمون هل سيفنى في النّهاية نتيجة الإستفادة من الأذرار النّوويّة أم لا ؟
إنّ أحد العوامل المهمّة الّتي تهدّد العالم وتمهّد الأرضيّة المناسبة لحرب عالميّة شاملة ، هي مبيعات الأسلحة المتطوّرة لبلدان ودول مختلفة ؛اً حيث أنّ السّاسة يقدّمون على هذه الخطوة الهدامة من أجل كسب الثّروة والمال والنّفوذ أكثر داخل تلك البلدان .
ويعدّ بيع الأسلحة العسكريّة إلى البلدان الأخرى ، هو واحد من المصادر المهمّة لدخل البلدان الكبيرة. ولهذا نرى أنّ الأسواق تشهد يوميّاً عرض أسلحة فتّاكة جديدة أقوى بكثير من سابقاتها ، والآن إليكم هذا التّقرير :
«... لا شكّ في أنّ القنبلتين اللّتين ألقيتا على المدينتين في مدينتي «هيروشيما» و«ناكازاكي» اليابانيّتين في أواخر الحرب العالميّة الثّانية ، قد أوجدتا الكثير من الدّمار والقتل . وأمّا الآن فإنّ هناك قنبلة نتروجينيّة وهي تختلف عن القنبلة النّوويّة لها خصوصيّة القتل فقط ، وليس لها قدرة على التّخريب حتّى بمقدار رأس إبرة .
إنّ قدرتها الإنفجاريّة قليلة جدّاً ، لأنّ 80% من طاقتها تتحرّر وتخرج على شكل أشعّة نتروجينيّة، وهذه الأشعّة هي السّبب من وراء القتل الحاصل، فهي حينما تنتشر في ميدان الحرب ، فلن تبقي أيّ موجود حيّ مهما كان حجمه .
ويتحدّث «ساموئل كوهن» عن معايب ومحاسن اختراعه ! فيقول: إنّ القنبلة النّتروجينيّة لها عيبان أساسيّان ، هما :
الأوّل بما أنّها تبقي المدن والأبنية على حالها من دون تدمير ، فإنّه من الممكن إحتلالها من قبل العدوّ ، أو أنّه يستعمل القنبلة النّوويّة من أجل دمارها .
والثّاني هو إنّ حدود عملها وتأثيرها هو جميع الموجودات الحيّة بما في ذلك الموجودات الطّفيلية ، وإنّها قادرة - وفي زمان مقداره واحد بالمليون من الثانية - تبديل مدينة كبيرة بأكملها إلى قبر جماعي ، ولايسلم أيّ موجود من ضررها .
ويضيف هذا العالم! : ولكن حسب إعتقادي فإنّني أرى أنّ القنبلة النتروجينيّة أكثر أخلاقاً من القنبلة النوويّة ؛ لأنّ القنبلة النّوويّة تعتمد فكرتها على عمليّة إنكسار وإنفطار النّواة ، لذا فإنّها علاوة على الدّمار والقتل الّذي تخلفه ، فإنّها تسبّب في إعاقة الكثير من خلق اللَّه سبحانه وتعالى ، بينما القنبلة النّتروجينيّة عملها هو القتل الجماعي ولاتبقي شخصاً معاقاً أو ناقص العضو والخلقة .(31)
إنّ الحديث المذكور الصّادر من قبل مخترع القنبلة النّتروجينيّة ، ينطوي على الكثير من الحقائق والأمور ، من جملتها : إنّ القتل الجماعي يعدّ من القيّم والمبادئ المتعارف لديهم ، فإذا صنعت قنبلة لاتبقي على أيّ كائن حيّ على الكرة الأرضيّة فهي أخلاقيّة أكثر من غيرها . نعم ؛ هذا هو مبدأ الإنسان الّذي ترك ذكر اللَّه عزّ وجلّ ، وابتعد كلّ البُعد عن القيّم والمبادئ الإلهيّة ! (32)
حينما أدانوا الصّناعات المتطوّرة والتّقنية الجماعيّة ، فإنّهم أدانوا العلم أيضاً حتّى قال «برتراندراسل» مقولته الدّالة على القنوط واليأس حول العالم : «نحن نعيش في عصر يمكن أن يكون عصر فناء نوع البشر ، فإذا وقع فإنّ العلم هو الّذي يتحمّل أعباء ومسؤوليّة ذلك .»(33)
في مطلع سنة 1960 م أعرب الأعداء عن قلقهم المفرط حيال خيبة الأمل الّتي إنتشرت بشكل واسع بين الشّباب المثقف الواعي ونظرتهم بالنّسبة إلى العلم ، وكيف أصابهم الإرهاق والنّصب جراء المصائب النّاشئة من إنتشار كلّ هذه التّفنيات الحديثة .(34)
«إستطاعت الحضارة الغربيّة تلويث العلم ، وجعلته ينصب ضمن قوالب تحقّق أهدافها ومصالحها غير الإنسانيّة والرّخيصة ، فجاءت بالدّيمقراطيّة كغطاء لتتستر عن أهدافها غير المعلنة والخفيّة . لذا فقد حان الأوان في التّفكير الجادّ عن عاقبة هذه الحضارة ، والتّعرّف ونحن على أعتاب القرن الواحد والعشرين إلى الأسباب الّتي أدّت إلى شعور الإنسان بجهل نفسه ، وعدم الإعتدال والتّعاسة الّتي تواجهه والعمل على حلّها وإزالتها .
وهذا الأمر لايحصل من خلال أبعاد العلم الصّحيح عن السّاحة وتغييبه وإحلال التّوهّمات محلّه ، وإنّما يحدث بواسطة الحكمة العقلائيّة وتربيّة علماء مسئولون وواعون . لذا يجب علينا النّزول من البروج العالية للعلم والتّواضع وأن نضع نصب أعيننا توفير الإحتياجات الإنسانيّة والإجابة على كلّ ما يجول في خواطرها ، وذلك من خلال أنابيب الإختبار.»(35)
ومنذ بداية سنة 1945 م وما بعدها فإنّ العالم وضع على كفّ عفريت ، وأصبح مرّات ومرّات يعيش على حافة الدّمار والفناء ، وقد سببت وجود الأسلحة النّوويّة إلى إحساس سكّان العالم بالخوف دوماً ، وهذه المخاوف لم تردع القائمين على صناعتها ، فلتنافس جاري على قدم وساق في مجال تجهيز وتقوية الجيوش العالميّة بتلك الأسلحة ممّا يقرّب الأرض من خطر التدمير أكثر فأكثر .
وفي وسط هذه القدرات العسكريّة والأحداث السياسيّة السّاخنة وقبل عشرات السّنوات، وحينما كانت الدّول تهدّد أحدها الأخرى خرجت شخصيّتان علميّتان ورفعا رآية المخالفة للأسلحة النّوويّة ، وكانا من قبل قد لعبا دوراً فعّالاً في تهيئتها ، وهما «آلبرت إينشتاين» و«لئوا سنريلارد» .
وفي سنة 1962 م حذر علماء الفيزياء من مغبة القيام بالتّجارب النّوويّة ، وأعلنوا بشكل رسمي أنّ هناك أكثر من 200000 آلاف طفلٍ معلول ومشوه جاء إلى الدّنيا في غضون سنة واحدة نتيجة تلك التّجارب .
إنّ «السزيوم 137» النّاتج عن تلك الإنفجارات النّوويّة له تأثير مباشر على جيّنات الجنين ، وأقلّ تأثير له هو ولادة أطفال بستّة أصابع ، أو رجل واحدة ، أو يدين مشوهتين .
وأعلن بعض من العلماء الكبار من أمثال «زان روستان» والدّكتور «دلوني» والبروفسور «مولر» الحاصل على جائزة نوبل في الأحياء ، رسميّاً قلقهم من هذه النّاحية ، وحذروا أنّه في حالة تكرار تلك التّجارب فإنّ البيئة ستتعرّض إلى أخطار جسيمة وفادحة .
وبعد هذا التّصريح تضامن معهم العديد من علماء العالم ، وإستجابة الكثير من دول لهذا النّداء الإنساني ، ونتيجة التقليل من التّرسانات النّوويّة الّذي حدث في الآونة الأخير فقد تنفّس العالم السّعداء .
وفي سنة 1962 م نظم المئات من العلماء المتخصّصين والمعروفين في علم الأحياء إجتماعاً تحت شعار «الجميع سيموتون نتيجة الإشعاعات النّوويّة إذا ...» ، وحذّر في هذا الإجتماع عالم الطبيعيّات الفرنسي المعروف «زان روستان» قائلاً : «ستمطر الموادّ المشعّة الموت الزّؤام على الأحياء ، وتجلب معها جيلاً من المجانين والمعلولين والعمي والصمّ» .(36)
«ولا شكّ في أنّ الجيل الّذي سيأتي بعد القصف النّووي لايتعدّى حجمه أكبر من كف اليد .
30) آية الكرسي ، رسالة التّوحيد السماويّة : 213 .
31) جريدة كيهان : صفحة 5 5 شهر شهريور 1360 ش .
32) معالم الإنسان الكامل من وجهة نظر المذاهب : 465 .
33) العلم ، القدرة ، العنف : 87 .
34) الضّمير اللاّواعي في علم النّفس : 73 .
35) الضّمير اللاّواعي في علم النّفس : 79 .
36) تاريخ الإنسان المجهول : 169 .
بازديد امروز : 0
بازديد ديروز : 209628
بازديد کل : 122399106
|