في الأمكنة الّتي يتأكّد الدعاء لتعجيل الفرج فيها
إعلم أنّه كما يتأكّد الدعاء بتعجيل فرج مولانا الحجّة عليه السلام في أزمنة مخصوصة كذلك يتأكّد في أمكنة مخصوصة ، إمّا للتأسّي به عليه السلام ، أو لرواية ذلك عن الأئمّة الكرام ، أو لاعتبارات عقليّة مقبولة عند اُولي الأفهام .
فمنها المسجد الحرام : ويشهد لذلك مضافاً إلى أنّه من مظانّ الإجابة فينبغي الإهتمام فيه بما علم أهمّيته عنداللَّه عزّوجلّ وعند أوليائه ، وعرف أعمّيّة نفعه لأحبّائه دعاؤه لذلك في ذاك المقام .
فقد روى الشيخ الصدوق في كمال الدين قال : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل قال : حدّثنا عبداللَّه بن جعفر الحميريّ رحمه الله قال : سألت محمّد بن عثمان العمريّ رحمه الله فقلت له : أرأيت صاحب هذا الأمر ؟ فقال : نعم ، وآخر عهدي به عند بيت اللَّه الحرام ، وهو يقول :
أَللَّهُمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني .
وقال الصدوق أيضاً : حدّثنا محمّد بن موسى بن المتوكّل قال : حدّثنا عبداللَّه بن جعفر الحميريّ قال : سمعت محمّد بن عثمان العمريّ رحمه الله يقول : رأيته صلوات اللَّه عليه متعلّقاً بأستار الكعبة في المستجار ، وهو يقول :
أَللَّهُمَّ انْتَقِمْ لي مِنْ أَعْدائي .
ومنها العرفات في محلّ الوقوف : ويدلّ على ذلك وروده في الدعاء المرويّ عن الصادق عليه السلام في ذلك المقام ، والدعاء مذكور في زاد المعاد ، فليرجع إليه أخيار العباد .
ومنها السرداب : يعني سرداب الغيبة في سامراء ، ويشهد للإهتمام بالدعاء هناك ما ورد في كتب الزيارات .
ومنها المقامات المنسوبة إليه ، ومشاهده ، ومواقفه المباركة بيمن وقوفه عليه السلام فيها : كمسجد الكوفة ، ومسجد السهلة ، ومسجد صعصعة ، ومسجد جمكران وغيرها ، لأنّ عادة أهل المودّة جارية على أنّهم إذا شهدوا موقفاً من مواقف محبوبهم تذكّروا لأخلاقه ، وتألّموا لفراقه ، ودعوا في حقّه ، بل يأنسون بمواقفه ومنزله حبّاً له ، كما قيل :
أمرّ على الديار ديار ليلى اُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا
فما حبّ الديار شغفن قلبي ولكن حبّ من سكن الديارا
وقيل أيضاً في هذا المعنى :
ومِن مذهبى حبّ الديار لأهلها وللناس فيما يعشقون مذاهب
فينبغي المؤمن المخلص إذا دخل السرداب المباركة ، أو شهد موقفاً من مواقفه الكريمة المشرّفة ، أن يتذكّر صفات مولاه ، من صفات الجمال والجلال والكمال وما هو فيه من بغي أهل العناد والضلال ، ويتفجّع غاية التفجّع من تصوّر تلك الأحوال ، ويسأل من القادر المتعال أن يسهّل فرج مولاه ، ويعطيه ما يتمنّاه من دفع الأعداء ونصر الأولياء .
هذا ، مضافاً إلى أنّ المقامات المذكورة مواقف عبادته ودعائه عليه السلام ، فينبغي للمؤمن المحبّ التأسّي به في ذلك ، فإنّ الدعاء بتعجيل فرجه ، وكشف الكرب عن وجهه ، من أفضل العبادات وأهمّ الدعوات.
ومنها حرم مولانا الشهيد المظلوم أبي عبداللَّه الحسين عليه السلام : لأنّ المؤمن إذا تصوّر في حرمه الشريف ما وقع عليه وعلى أهله ، من أنواع الظلم والمصائب ، وعلم أنّ الطالب بدمه ، والمنتقم من أعدائه وظالميه ، مولانا الصاحب عليه السلام ، بعثه عقله وحبّه إلى الدعاء بتعجيل فرجه وظهوره ، دعاء المحبّ الراغب .
ويشهد لذلك ما في رواية أبي حمزة الثماليّ ، المرويّة في كامل الزيارات ، في الباب التاسع والسبعين عن الصادق عليه السلام حيث قال في موضع من تلك الزيارة بعد الصلاة على الحسين صلوات اللَّه عليه :
وتصلّي على الأئمّة عليهم السلام كلّهم ، كما صلّيت على الحسن والحسين عليهما السلام وتقول : أَللَّهُمَّ أَتْمِمْ بِهِمْ كَلِماتِك ، وأَنْجِزْ بِهِمْ وَعْدَكَ ... .
وفي موضع آخر منها قال عليه السلام :
ثمّ ضع خدّك عليه وتقول :
أَللَّهُمَّ رَبَّ الْحُسَيْنِ ، إِشْفِ صَدْرَ الْحُسَيْنِ .
أَللَّهُمَّ رَبَّ الْحُسَيْنِ ، اُطْلُبْ بِدَمِ الْحُسَيْنِ ... .
ووجه الدلالة واضح ، لأنّ مولانا الحجّة عليه السلام هو الّذي يطلب بدم الحسين عليه السلام ويشفي صدره بالإنتقام من أعدائه .
ومنها حرم مولانا الرضا عليه السلام : لورود ذلك في الزيارة المرويّة في كامل الزيارات ففيها بعد الصلاة على كلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام :
أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلى حُجَّتِكَ وَوَلِيِّكَ ، وَالْقائِمِ في خَلْقِكَ ، صَلاةً نامِيَةً باقِيَةً تُعَجِّلُ بِها فَرَجَهُ ، وَتَنْصُرُهُ بِها ... .
ومنها حرم العسكريّين عليهما السلام بسرّ من رأى : ويشهد له ما ورد في زيارة مذكورة لهما في الكتاب المذكور:
أَللَّهُمَّ عَجِّلْ فَرَجَ وَلِيِّكَ وَابْنِ وَلِيِّكَ ، وَاجْعَلْ فَرَجَنا مَعَ فَرَجِهِمْ ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمينَ .
ومنها مشهد كلّ واحد من الأئمّة عليهم السلام : لأنّه من أفضل ما يتقرّب به إليهم ويسرّهم ويزلف لديهم ، ويشهد لذلك ما ورد في كامل الزيارات ، في باب الزيارة لجميع الأئمّة عليهم السلام فراجع .
بل يمكن أن يقال : إنّ هذا الدعاء من أهمّ وظائف الأنام في كلّ مكان له خصوصيّة وإحترام ، قال اللَّه تعالى شأنه : «في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فيهَا اسْمُهُ»(161) ، فإنّ ذلك الدعاء من أفضل الأذكار ، وأحبّها عند اُولي الأبصار وأهمّها عند أهل الإعتبار ، فينبغي الإهتمام به في آناء اللّيل وأطراف النّهار .(162)
161) النور : 36 .
162) مكيال المكارم : 52/2 .
اليوم : 109195
الامس : 237545
مجموع الکل للزائرین : 125285583
|