الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
10 - أسرار مهاجرة سيّدالشهداء عليه السلام بأهاليه إلي الطفّ

   ومنها: سألني بعض الخطباء من أهل الأدب‏ عن أسرار مهاجرة سيّد المجاهدين والشهداء عليه السلام ‏بأهاليه إلى الطفّ وتضحيته برضيعه مع علمه بأنّه ‏يقتل؟

   فأجبت بأنّ كلّ قانون له مقام وإحترام يجب‏ على أهله تقديسه وإتّباعه وإحتفاظه، والناس‏تقرّبهم في ذلك على مراتب ثلاث: أعلاها من‏أفدى نفسه لحفظ هذا الأصل الشريف، وأدناها من لم يبال به، وبينهما متوسّطات، ولأجل ذلك ‏أنّ الشعب والحكومات العالميّة يقدرون أهل‏ الخدمة لذلك على مراتب خدمته.

   هذا في قانون دنيوي أصل محفوظ وممّالاينكر من أحد، فكيف إذا كان القانون من  الله  جلّ ‏وعلا  كالقرآن المجيد والحافظ له كسيّدالمجاهدين الأبرار الّذي هاجر بأهاليه إلى الطفّ ‏حيث بيّن بعمله المقدّس عظمة الدين والقانون ‏وبطلان غير المستحقّين والمستأهلين؟

   وصارت  نهضته المقدّسة علّة محدثة للدين، وكأنّه أحياه بعد موته واندراسه  بتضحية نفسه ‏الكريمة العزيزة ومهجة (105) أعزّة أهاليه وأصحابه.

   ولمّا كانت هذه النهضة الشريفة الوحيدة مشرفة لإنكار المرتابين المتغرضين - كسبيل‏ إنكار بعض إمرة سيّد الموحّدين أميرالمؤمنين ‏صلوات  الله  عليه يوم الغدير مع ما لها من الإشتهار بمرئى ومسمع آلاف من الرجال والنساء - فاحتاجت تلك العلّة إلى ضميمة علّة اُخرى ‏مبقية لإحتفاظ هذه العلّة والنهضة الفريدة على‏سبيل الدوام والإستمرار، ولا تكاد تصان وتحفظتلك الخدمة العزيزة والعلّة المحدثة إلّا بقيام ‏المحبّين بالعزاءات والقراءات بإقامة ذكراهم‏ بجميع أنحائها، وهي الحقيقة العلّة المبقية لهذه ‏النهضة الشريفة والمكملة لها.

   فأصبح قوام الدين حينئذ بنهضتين:

   الاُولى: نهضته المقدّسة الوحيدة الفريدة القائمة بنفسه العزيزة وعيالاته وأطفاله ‏وأصحابه.

   الثانية: تلك النهضات القادسة الطاهرة القائمة بالعزاءات والقراءات المذكورات‏ المثبتات لهذه النهضة.

   ولأجل ذلك يجب على كلّ أهل الدين، بل‏ على كلّ بشر، القيام بتلك الاُمور الّتي هي ‏المظاهر الإلهيّة وحياة أمر الأئمّة عليهم السلام، وكون هذاالقيام إشارة إلى الأسف والأسى عمّا فاتهم من ‏الجهاد بين يديه وتشييداً  لدعوتهم وتأييداً لأحقّيتهم بالأمر ممّن دفعهم عن المقام المجعول‏ لهم من  الله  سبحانه وتعالى، وتشكّراً لحقوقهم‏ وصلة للنبيّ ‏صلى  الله  عليه وآله وسلم وأولاده الطيّبين الطاهرين ‏وسروراً  لهم‏ عليهم السلام.

   ولذا كانوا عليهم السلام يحثّون الناس على القيام بمثل‏هذه الاُمور بقولهم‏ عليهم السلام:

   «فإنّ في اجتماعكم ومذاكراتكم إحياء أمرنا،وخير الناس بعدنا(106) من ذاكر بأمرنا ودعا(107) إلى‏ذكرنا».(108)

   وفي خبر آخر: «هل العيش إلّا هذا».

   وفي آخر: «شيعتنا منّا ومضافون إلينا فلهم ‏معنا قرابة خاصّة، رضوا بنا أئمّة، ورضينا بهم‏ شيعة، يحزنهم حزننا، ويسرّهم سرورنا، ونحن ‏نطّلع على أحوالهم، ونتألّم لتألّمهم».

   وعن أبي محمّد الحسن‏ عليه السلام: «من أحبّنا بقلبه،وأخدمنا بيده ولسانه فهو معنا في الغرفة الّتي ‏نحن فيها».(109)

   فالنصرة لهم لاتختصّ بمورد خاصّ، بل كلّ‏ ما فيه تثبيت دعوتهم ولفت الأنظار إلى ما منحهم‏ الباري جلّ وعلا من الخلافة الكبرى، فإنّه نصرة لهم.

   ولايستشكل بها بإستلزام بعض أقسامها بنحو الله و، لكونها في مقام الإبكاء والحزن وهوخارج عن موضوعه تخصّصاً.

   وأمّا علمه‏  عليه السلام  بأنّه سيقتل.

   فنقول: إنّ التكاليف الشرعيّة بالنسبة إليه‏ عليه السلام‏ مقصورة على ما يعلمه بالعلوم الظاهريّة دون ‏العلوم الغيبيّة، فالحسين صلوات  الله  عليه لمّا ظهر له ‏بذل الطاعة من أهل الكوفة وكاتبه وجوههم مرّة بعد اُخرى طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين لم يسعه في الظاهر إلّا الخروج والقيام ‏في إعلاء دين  الله  وكلمته وإبقائه.

   فيجب شرعاً وعقلاً شكر هذا الإحسان ‏مستمرّاً بإقامة ذكرى إمامنا المظلوم الشهيد بجميع أنحائها كي نشاركه ونقدّسه ممتثلاً بقول‏ الله  سبحانه وتعالى: «هَلْ‏ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ»(110).

   مضافاً إلى أنّها من أعظم شعار الدين وأجلاها «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ  الله  فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى ‏الْقُلُوبِ»(111) ولاتنافي ما ذكرنا الرواية المرويّة في ‏الكافي بأنّ أفعالهم‏ عليهم السلام كلّها معهودة من  الله ‏تعالى(112) بداهة أنّ عهد الحكيم المطلق عين‏ الحكمة ومطلقها.

----------------------------------------

105) المُهجَة: دم القلب.  

106) في البحار: من بعدنا.

107) في البحار (ج 74): عاد.

108) بشارة المصطفى: 110، عنه البحار: 354/74 ح 31و 200/1 ح8 عن أمالي المفيد.

109) البحار: 101/27 ح 64 مع إختلاف يسير.

110) الرحمن: 61.  

111) الحجّ: 32.  

112) الكافي: 280/1 ح2.

 

 

 

    زيارة : 3205
    اليوم : 0
    الامس : 296079
    مجموع الکل للزائرین : 147708479
    مجموع الکل للزائرین : 101212590