عظمة القضاء في بداية الظّهور(1)
كما قلنا آنفاً فإنّ بداية حكومة الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه تكون مصحوبة لعمليّة تطهير واسعة وإعلان الحرب الصريحة ضدّ الظّلم والجور ، ولهذا السبب فإنّ الجهاز القضائي يجب أن يتمتّع بأعلى مستويّاته ، حتّى يتسنّى له إجراء الحكم العادل والصحيح وإستيفاء حقّ المظلومين وإسترجاعه من الظّالمين .
ومن المثير للعجب ، أنّ الحكم والقضاء في عصر الظّهور العظيم - وطبقاً للرّوايات الواردة - سيكون على أساس الحقائق وعدم المراهنة بشكل من الأشكال على الظنّ ، وسوف يحظى الأشخاص الّذين يعينهم الإمام عليه السلام لتولّي منصب القضاء بين النّاس إلى نوع من الإمدادت والتّسديدات الإلهيّة الغيبيّة . ونظراً لتكاملهم العقلي وتهذيب أنفسهم ووصولهم إلى قمم السّجايا الإنسانيّة والفضائل الرّوحيّة ، لايظلمون فتيلاً ، وليس للظّالمين عليهم سبيلاً .
فهؤلاء يرون أنفسهم في محضر البارئ عزّ وجلّ ومحضر صاحب العصر والزّمان أرواحنا لمقدمه الفداء، لهذا فإنّهم يصدرون حكم الحقّ كما يلزم، ولايخافون في اللَّه لومة لائم .
ومن النّقاط المثيرة الأخرى هي: أنّ النّاس أنفسهم وبعد أن تكاملت عقولهم ستكون لديهم حالة من الوعي المسؤول لقبول الحكم العادل ، وهذه هي من ضروريّات ولوازم حكومة العدل الإلهي للإمام صاحب العصر والزّمان عجّل اللَّه تعالى فرجه .
وسوف يتمتّع القضاة في ذلك الزّمان بخصلتين مهمّتين هما : الأولى : البناء الذاتي . والثانية : الإمداد الغيبي ، وعن طريق تنفيذهم الحكم الصحيح يطفئون نار الفتن ، ويقلعون جذور الظّلم والجور ، ويحكمون على أساس العدالة والحق .
وإنّ من مصاديق الظّلم والجور الّتي ستقلع جذورها من الأساس ، هي الأحكام الظّالمة والّتي كانت قد نفذت على أساس الأغراض والميول الشخصيّة .
ومهما يكن فإنّ القاضي إذا لم يبن نفسه ويسلحها بالمبادئ والقيّم السّماويّة ولايرى نفسه في محضر اللَّه سبحانه وتعالى ، فإنّه على استعداد لإصدار حكم لايقلع فيه جذور الظّلم والجور فحسب؛ بل سيساعد على تقويتهما ورشدهما. وإليكم قصّة في هذا المضمون :
«دفن رجل يوماً كلبه في إحدى مقابر المسلمين ، فألقي القبض عليه وجيء به إلى القاضي ، وبما أنّ القاضي كانت له عداوة مسبقة مع هذا الشّخص فقد رفض التّحدّث معه ، ولكن أصرّ الرجل على الحديث مع القاضي ، فأصدر القاضي أوامره بالتّحدّث والإستماع إليه .
فبدأ المجرم الكلام ، فقال : أيّها القاضي ؛ لمّا حان أجل الكلب ظهر عليه أمر عجيب ؛ حيث بدأ الكلام فجأة حاله حال كلّ إنسان ، فناداني وأوصاني وأسرّ إليّ ، فقال :
إنّني ورثت صرّة من الذهب وأخفيتها تحت الصّخرة الفلانيّة في الصّحراء ، فاذهب وأخرجها ما دمت حيّاً ، وأمّا إذا متّ فإدفنّي بجوار الصّالحين ، وإدفع بنصف الذّهب إلى أحد قضاة المسلمين ليصرفها في اُمور الخير ، ويدعو لي بالخير والغفران فيخفّف عنّي العذاب .
أيّها القاضي ؛ وبما أنّني رأيت منه هذه المعجزة ، فقد حصلت لي حالة من الإطمئنان والتّصديق بكلامه ، فذهبت مسرعاً وأخرجت الذّهب وها هو الآن عندي .
فوقع الطّمع في قلب القاضي فقال : سبحان اللَّه ؛ لقد كان في هذا الحيوان شبه بأجداده من كلاب أصحاب الكهف ، ولهذا فلا مانع في دفنه في هذا المكان ولا حرج عليك ، ألم يقل المرحوم شيئاً آخر؟!»(2)
وهذه قصّة لأحد القضاة الّذي أصدر حكماً يتنافى مع كلّ الأعراف والموازين الشّرعيّة والعقليّة ؛ حيث هذا هو واحد من الأشخاص الّذين لم يبنوا القدير ، فلذا فهو على استعداد لإصدار أيّ حكم يصبّ في خانته حتّى وإن كلّفه ذلك أخذ الرّشوة .
إذن ؛ وكما ذكرنا في بداية هذا الموضوع ، يجب أن يكون هناك المام ومعرفة واسعة وعلم شامل في القضاء ، حتّى لايستمرّ الظّلم والجور في العالم ، ويقع تحت وطأة الكذب وتبعاته .
وهنا يوجد إحساس وشعور بالحاجة إلى الإمداد الغيبي والقوى المعنويّة ، لكي يتمكّن من رفع كلّ حواجز الجور - مع وجود البيّنة الكاذبة واليمين الكاذب - وكسر كلّ السّدود الّتي تقف حائلاً دون ذلك .
ونستخلص من هذا كلّه ، أنّه إذا كان من غير الممكن إجتثاث الموانع والحواجز الّتي وضعها الظّالمون في عصر الظّهور ، إذن ؛ ما هو الفرق بينه وبين عصر الغيبة المظلم ؟ وكيف يمكن لنا أن نسمّي ذلك العصر بعصر حكومة العدل والعدالة ، وهلاك الظّلم والظالمين ؟!
1) يحصل هذا في بداية الظّهور وبعد إستقرار الحكومة الإلهيّة وتشكيل المجتمع الموصوف بالعدالة والإنصاف ، فلا مجال للإختلاف والحاجة إلى القضاء .
بازديد امروز : 97911
بازديد ديروز : 239638
بازديد کل : 125513937
|