النقطة المشتركة بين
عصر الأنبياء عليهم السلام وعصرنا الحاضر
عندما نتفحّص وندرس بدقّة العلوم والمعارف الّتي جاء بها الأنبياء الرّبّانيّون من بداية الخلقة ، والأليات والطّرق الّتي استخدموها في نشرها وتعليمها وكذلك العلوم والمعارف المنقولة عن أهل بيت الوحي والرّسالةعليهم السلام، نرى فيها نقطة وقاسماً مشتركاً واحداً ، وهو عدم حدوث أيّ زيادة أو تغيّر في نقلها إلى الآن ، على الرّغم من كلّ هذا التّقدّم الهائل الحاصل فيها .
وذلك لأنّ جميع العلوم والمعارف الّتي نقلها الأنبياء وعلموها إلى النّاس ، وأيضاً ما علّمه الرّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطّيّبين الطّاهرين ، ومن بعدهم العلماء إلى عموم الناس ، لايخرج عن كونه حاله من حالتين : إمّا عن طريق السّمع ، وإمّا عن طريق البصر ، وهذا معناه أنّ جميع الأشخاص الّذين تعلّموا منذ زمان الأنبياء وإلى الآن إمّا عن طريق الكتاب وقراءته ، أو عن طريق السّمع مباشرة ، أو عن طريق الآخرين ، ولاتوجد حالة ثالثة .
وعلينا أن نفهم أنّ هناك طرقاً أخرى موجودة للتّعليم في الماضي والمستقبل ، ولكن لايستطيع عموم النّاس الإستفادة منها ، ولكن هناك بعض الأشخاص هم القادرون على الإستفادة منها فقط .
إذن ؛ لقد كان طريق كسب العلوم والمعرفة ومع كلّ ما طرأ من إضافات وزيادات عليه منذ زمن الأنبياء عليهم السلام وإلى زماننا الحاضر لم يتعدّى طريق العين والأذن ولا غير .
وعلى أساس هذا ، فإنّ المقصود من الجزئين أو الحرفين هو أن تعلّم العلم كان عن طريقين ، وسيبقى كذلك إلى قبل مرحلة قيام الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه ، وهما الطّريق السّمعي والبصري.
ويكسب النّاس عموماً العلم والمعرفة عن هذين الطّريقين ، ولكن عندما تتكامل العقول ستكون هناك طرق أخرى لتحصيل العلم غير هذين الطّريقين المذكورين . مثل تعليم العلم عن طريق الإلقاء في القلب بواسطة الملائكة ، فهذا الطريق هو ليس بسمعي أو بصري ، حيث صرّحت به بعض الرّوايات.
فإذا قبلنا هذه الحقيقة سنقبل أنّ هناك الكثير من التّطوّرات العجيبة الحاصلة في مجال العلم والمعرفة سيشهدها ذلك الزّمان ، لأنّه - وطبق المعاني الّتي ذكرت في الرّواية - ستكون الطرق العامّة لتعلّم العلوم ثلاثة عشر ضعفاً ، وليس مجموعة العلوم هي ثلاثة عشر ضعفاً ، فإذا كان التّطوّر الحاصل إلى الآن سيصبح في زمن الظّهور ثلاثة عشر ضعفاً إذن ؛ ستكون نسبة التّطوّر فيه قليلاً جدّاً نظراً إلى تكامل عقول الإنسانيّة .
في الرّواية دلائل وقرائن يمكن الإستنتاج من خلالها ، إنّ مقصود الإمام الصّادق عليه السلام من سبعة وعشرين حرفاً ليس هو سبعة وعشرين قسماً وجزءاً من العلم ؛ بل قصد عليه السلام معاني أخرى لأنّه يصرّح ما معناه إنّ العلم ومنذ زمان بعثة الأنبياء والمرسلين وإلى زمانه وزمان قيام الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه هو حرفان ؛ فإذا كان مقصود الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه من الحرفين هو الجزأين ، فعليه إنّه لم يحدث أيّ تطوّر في العلوم منذ زمان بعثة الأنبياء والمرسلين وإلى زمن عصر ظهور الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه ، فإنّ الأمّة لم تستفد إلاّ من جزئين من العلوم وبقي العلم على حاله من دون أيّ تغيّر أو تطوّر يحصل فيه .
ومن الطبيعي فإنّه ومنذ زمان بعثة الأنبياء وإلى زماننا الحاضر وإلى عصر الظّهور ، فإنّ العلم تطوّر وقفز مئات القفزات ، وخطت الإنسانيّة في القضايا الدّينيّة وغيرها خطوات متسارعة وكبيرة ، ولم تبق ساكنة على الجزأين ، لذا فإنّ المقصود هو تعلّم العلوم .
ومن البديهي فإنّه لم يكن هناك طريق منذ زمان الأنبياء والمرسلين وإلى عصر قيام الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه لتعيلم العلم لعامّة النّاس - وليس الأولياء - سوى طريق السّمع والبصر . فلم تخرج وسائل التّعليم مثل قراءة الكتاب والإستفادة من الدّروس والمحاضرات ، وكذلك الإستفادة من آلات التّسجيل والرّاديو والكمبيوتر وبقيّة الوسائل المساهمة في تطوير العلم عن طريق السّمعي والبصري .
فإذا كان الإمام الصّادق عليه السلام يقول في ذلك الزّمان أنّ تعلّم العلوم هو سبعة وعشرون جزءاً ، فيا ترى كم عدد من الأشخاص الّذين لهم الإستعداد الكامل لقبول هذا الأمر في ذلك الوقت ؟ وما عدد الأفراد في زماننا الحاضر الّذين يذعنون له ؟!
النّقطة المهمّة الأخرى والّتي من المناسب إعمال الدّقّة فيها هي : أنّ أكثر المضامين والمفاهيم الّتي ذكرت في الرّواية جاءت بلفظ حرف أو حرفين ، والحرف والحروف هما وسيلة لتعلّم العلم والمعرفة .
ومن الممكن أن يكون مقصود الإمام عليه السلام من تعبيره بحرف أو حرفين ، هو هذا المعنى ، وليس مقصوده عليه السلام من الحرف والحرفين المعاني الّتي تخطر في أذهاننا للوهلة الأولى ؛ كما يحدث أحياناً في بعض الآيات والرّوايات ، حيث تستعمل لفظة »كلمة« و»كلمات« بمعنى غير الّذي يخطر في أذهاننا بدايتاً ، وهو عبارة عن حروف وألفاظ قصدت وتلفّظت بتلك الكلمات .
إذن ؛ فإذا تمّ التّعبير عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وعترته الطّاهرة أو عن النّبيّ عيسى ب »كلمة اللَّه« ، فإنّ المقصود من الكلمة ليست الحروف أو ألفاظ .
فإذا أردنا إعمال إرادتنا بواسطة الكلمة والكلمات ، ونجعل الكلام والكلمة مظهر لإرادتنا فإنّ «كلمة اللَّه» هو ذلك الشيء الواقعي الّذي تعلّقت به إرادة اللَّه وظهر في الخارج ، ولهذا السّبب عبّر عن أهل البيت عليهم السلام بتعبير «كلمات اللَّه» .(3)
إنّ الحروف ومع أنّ معناها الأولي هو الشيء الّذي يكوّن ويشكّل الألفاظ ، ولكنّها في الواقع وسيلة لنقل العلم والمعرفة إلى الآخرين .
يقول الإمام الهادي عليه السلام حول هذه الآية «وَلَوْ أَنَّما فِى الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزيزٌ حَكيمٌ»(4):
نحن الكلمات الّتي لاتدرك فضائلنا ولاتستقصى.(5)
لذلك فإنّ المقصود من سبعة وعشرين حرفاً من العلم ، هو وجود سبعة وعشرين وسيلة لتعلّم العلم والحصول على المعرفة .
فإذا كان الإنسان وقبل الظّهور يحصل على العلم والمعرفة عن طريقين هما العين والأذن، فإنّه في عصر الظّهور سيتّضح وينكشف له سبعة وعشرون طريقاً من أجل الحصول عليهما .
3) يمكن الرّجوع إلى : «شرح دعاء السّمات : 41» للمرحوم آية اللَّه السيّد علي القاضي .
4) سورة لقمان ، الآية 27 .
5) بحار الأنوار : 166/50 .
بازديد امروز : 169874
بازديد ديروز : 211043
بازديد کل : 119131545
|