علم أهل بيت الوحي والرّسالة عليهم السلام
من المسلمات إنّ علوم الأنبياء ومعرفتهم يفوق في كلّ عصر وزمان بمراتب كبيرة علم ومعرفة أهل ذلك الزّمان ، ولايستطيع شخص ما - سواء العالم منهم أو الفيلسوف - في مواجهتهم والصّمود أمام حججهم وبراهينهم القويّة والنّاصعة وتحقيق الغلبة عليهم . وهذه نظريّة مأخوذة من المباني الأساسيّة والعقائد الّتي جاء بها أهل البيت عليهم السلام .
وبكلّ تأكيد فإنّ علم الأئمّة الأطهارعليهم السلام أعلى درجات ويفوق علوم ومعارف أهل زمانهم ؛ بل وحتّى لايقاس بالعلوم الموجود لدى جميع العلماء الّذين عاشوا طوال الأزمنة والدّهور ، بحيث لايمكن مقارنة علم هؤلاء العلماء وعلوم الأئمّة الأطهار عليهم السلام بأيّ حال من الأحوال .
وقد تحقّقت أفضليّة علم الأنبياء والأئمّة الأطهار عليهم السلام ، باعتبار أنّ العلم الّذي يحملونه هو علم لدنّي منحه اللَّه سبحانه وتعالى لهم ، وليس علماً إكتسابيّاً حصلوا عليه بواسطة عمليّة التّعليم ، فيتمتّع هؤلاء العظام عليهم السلام بعلم مخزون ومعرفة الأسرار الإلهيّة ، والنّتيجة تكون أنّ علمهم سيفوق علم الأوّلين والآخرين .
ومع وجود الإختلاف في حدود ومقدار علم الأئمّة الأطهار عليهم السلام وذلك حسب ما جاء في الرّوايات الواردة ، ولكن يمكن القول: إنّ أصل هذا الإختلاف يعود إلى نوعيّة المخاطبين ومدى إستعدادهم وإستيعابهم ، والبحث في هذا المقام يطول ، ولكن نكتفي بهذا المقدار .
ويجدر بنا الإشارة إلى أنّ علم الأمام صاحب العصر والزّمان عجّل اللَّه تعالى فرجه هو بالتّأكيد له الأفضليّة على جميع علوم الإنسانيّة ، حيث يحمل جميع ما كان ويكون . وهذا هو ما نقرئوه في زيارته عجّل اللَّه تعالى فرجه :
أنّك حائز كلّ علم .(7)
ونقرأ أيضاً في دعاء النّدبة :
قد آتاكم اللَّه يا آل ياسين خلافته ، وعِلْم مجاري أمره فيما قضاه ودبّره ورتّبه وأراده في ملكوته... . (8)
ويتّضح من خلال البيان والشّرح الّذي جاء في هذا التّوقيع الشريف ، إنّ عالم الملك ليس وحده واقع في حيطة دائرة علم أئمّة أهل البيتعليهم السلام ؛ بل وحتّى عالم الملكوت كذلك .
وإنّ هناك روايات وردت عن عصر الظّهور يمكن الإستنباط منها أنّ الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه يقوم بتكميل عالم الملكوت .
وعلى أساس هذا ، فإنّ قيام الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه علاوة على تأثيره الواضح على العالم الظاهري ، فإنّه يعمل على تكميل العالم الباطني ، فتقع جميع الموجودات فيه ضمن حدود الحكومة الإلهيّة لذلك الإمام الهمام عليه السلام .
إنّ مسألة علم الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه وحدوده وكيفيّته هي من المسائل والقضايا الحسّاسة المهمّة في باب علوم أهل البيت عليهم السلام ، ولا شكّ في أنّ البحوث الّتي تتعلّق بها لاتتناسب مع موضوع كتابنا هذا .
فنرجع إلى صلب الموضوع فنقول : إنّ الإمام عليه السلام في كلّ زمان ومكان هو أعلم الموجودين ، وعليه فإنّ جميع العلماء والمفكّرين لابدّ لهم من الرّجوع إلى إمام زمانهم لحلّ مشاكلهم ومعضلاتهم الّتي تواجههم في جميع العلوم والإختصاصات .
ويعتبر هذا الأمر من لوازم وضروريّات مقام الإمامة والقيادة الرّبّانيّة ، وواحدة من الفضائل والكرامات الّتي يجب أن تتوفّر في مقام الإمامة والإمام وإلاّ يلزم تقديم المفضول على الفاضل .
ومن خلال هذا الكلام تنكشف لنا حقيقة وهي : أنّه كلّما تطوّر العلم والمعرفة قبل الظّهور وأصبح في قمّة عطائه ، يبقى الإمام أعلى منه بدرجات ودرجات . ونأتي هنا برواية تؤيّد هذا الموضوع بصراحة :
يقول الإمام الرّضا عليه السلام :
إنّ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام يوفّقهم اللَّه ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمته ما لايؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم أهل زمانهم في قوله عزّ وجلّ : «أَفَمَنْ يَهْدى إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لايَهِدّى إِلّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ(9).(10)
لذلك فإنّه مهما تطوّرت العلوم وازدهرت في جميع جوانبها ، يظلّ علم الإمام عليه السلام يسعها ويكبرها ، ويبقى مثله مثل البحر الواسع حيث كلّما تساقطت عليه قطرات المطر تضيع في جنبه ، بالإضافة إلى أنّ قطرة المطر هي منه .
وثمّة موضوع آخر وهو وجود بعض الرّوايات الواردة الّتي تؤكّد على أنّ عصر الظّهور سيكون عصر الدليل والبرهان العامّ ، وسوف تتمتّع الإنسانيّة بالعلم والمعرفة الصحيحين بواسطتهما ، وسيهدي أصحاب الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه مخالفيهم ومعارضيهم إلى الحقيقة النّاصعة من خلال البيان والإستدلال والقول الصّحيح والسّديد إلى الحقيقة النّاصعة .
ويرشد الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه الإنسانيّة بواسطة أقواله وأفعاله إلى مذهب الحقّ والعدالة مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ويجعل من العالم بقعة واحدة كلّها علم ومعرفة باطر وقوالب جديده ، وبهذه الوسيلة يظهر الحقّ ويزهق الباطل ، ويمحو كلّ شكّ وتردّد من قلوبهم .
وهذه الحقيقة صرّح بها نفس الإمام بقيّة اللَّه الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء ، وبيّنها في توقيعاته الشريفة ، فيقول الإمام أرواحنا فداه في أوّل ساعة من ولادته الميمونة :
زعمت الظلمة أنّ حجّة اللَّه داحضة ، ولو اُذن لنا في الكلام لزال الشكّ .(11)
ومن الطّبيعي جدّاً فإنّه إذا ذهب الشّكّ وزال فسوف يكون القلب عامراً بالإيمان واليقين ، وحينئذ سيوضع الإكسير المهمّ والحيوي الّذي يغيّر الكثير ، ويكمل في النّهاية الشّخصيّة الإنسانيّة تحت تصرّف وإختيار الجميع .
7) مصباح الزائر : 437 ، الصحيفة المهديّة : 630 .
8) بحار الأنوار : 37/94 ، الصحيفة المهديّة : 571 .
9) سورة يونس ، الآية 35 .
10) كمال الدّين : 680 ، أصول الكافي : 202/1 .
11) الغيبة الشيخ الطوسي رحمه الله : 147 .
بازديد امروز : 13875
بازديد ديروز : 221942
بازديد کل : 123107513
|