الموت الشّخصي أفضل أم الحياة الإجتماعيّة ؟!
ولهذا السّبب ، نرى أنّ بعض من العلماء الكبار - من أمثال المرحوم آية اللَّه الميرزا مهدي الإصفهاني - يرفضون فكرة تلك الحلول الجزئيّة والموقّتة جملةً وتفصيلاً ، ويرون أنّ الإنسان نفسه هو الّذي يجب عليه أن يختار طريقاً أساسيّاً ليوصله إلى هدفه الواضح والمنشود .
ويرى هؤلاء العلماء أنّ الحلّ الأنجع والّذي فيه مقوّمات الحيويّة والفاعليّة والقادر على إيجاد التّغيير والثّبات الرّوحي والأخلاقى هو : مسألة الفكرة الموت ، وصرّحوا بأنّه يجب على الإنسان التفكير يوميّاً بالموت ، ليحصل له اليقين بأنّ الموت قادم إليه لا محال ، وما الدّنيا إلاّ قنطرة للآخرة .
وبهذا الاُسلوب والطّريق يتمكّن من السيطرة على كلّ أهوائه وشهواته ، والنّتيجة تتحوّل نفسه الأمّارة إلى نفس لوّامة ، تأخذه بالصّعود والتّعالي إلى المراحل الكماليّة ، وبذلك يهذّب نفسه من خلال ذكر هادم اللّذات (الموت) ، وبذلك يخرج النّفس من شرنقة اللّذّات وحبّ الشهوات .
ولا شكّ فإنّ هذا الاُسلوب هو من أفضل الأساليب المذكورة في الكتب الأخلاقيّة ، ولكن هل هناك اُسلوب أكثر فعّاليّة يفيد الفرد والجماعة ويعطي نتائج وثمرات أكثر ؟
يعتقد المؤلّف أنّ هناك حلاًّ من شأنه قلع جذور الأهواء النّفسيّة ، والنّجاة منها غير عمليّة التفكير بموت شخص أو أشخاص ألا وهو حالة التّفكير في كيفيّة البقاء الأحسن ، والحياة الإجتماعيّة الأكمل .
إنّ الإنسان إذا علم أنّ طاقاته وقدراته الفكريّة قد ماتت في عصر الغيبة ، وأنّه سينال تلك الحياة الطيّبة والمرضيّة حال وصول عصر الظهور المتألّق ، فإنّه لايطيق هذه الحياة الحاليّة ، ويرى أنّ ما يعيشه اليوم فى عصر الغيبة هو الموت بعينه ، ولهذا فإنّه يفكّر في حياة أفضل ليس له ؛ وإنّما للإنسانيّة جمعاء ، وسيدرك بالطّبع أنّ فكرة الحياة هذه تمنح الحياة والبقاء الأفضل .
صحيح أنّ الإنسان يتمكّن ومن خلال التفكير بالموت من كبح جماح النفس وضبطها ، ولكنّه يستطيع أيضاً من إبقاء جذوة القدرات الرّوحيّة مشتعلة لديه بعد قلع وتهديم كلّ قلاع ومعسكرات الرذايل الأخلاقيّة ، وعدم إبقاء أيّ أثر لها يذكر ، وذلك من خلال درك الحياة الواقعيّة وإحياء هذا المثل الأعلى في وجدانه ، ومن الوسائل الداعمة لهذا التوجّه الإطّلاع الكامل على المعنى التعايش في ظلّ الحياة الكريمة .
نعم ؛ إنّ الكائن البشري بإمكانه أن يتطلّع إلى حياة رغيدة وعزيزة بدلاً من التّفكير في حفرة الموت ، وتحلّل أعضاء بدنه وتعفن كفنه ، وبإمكانه كذلك بدلاً من التّفكير بالموت ، التّفكير بالحياة الإجتماعيّة والعمل على إيجاد مجتمع فاضل ورسم صورة أكثر منطقيّة .
وكذلك فإنّه يستطيع وبدلاً عن التّفكير بالحفرة المظلمة والصغيرة ، التّأمّل بالعالم النّوراني والسّعيد ، والّذي يسطع بالأنوار المشعّة لعصر ظهور الإمام صاحب العصر والزّمان أرواحنا لمقدمه الفداء ، وأيضاً وبدلاً من الجلوس وعد لحظات وساعات أجل الموت يمكنه العمل صباحاً ومساءً على انتظار وصول العصر العظيم لحلول الدولة الكريمة للإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف ، وبدلاً من الإستعداد للموت العمل على الإستعداد للشّهادة بين يدي وفي ركاب الإمام بقيّة اللَّه الأعظم عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف .
ويستطيع الإنسان بالتّأكيد الحصول على جميع القيّم والصّفات الحسنة ؛ وذلك بواسطة تهيّأت نفسه للظّهور والحصول على الإنتظار الحقيقي .
ومن خلال نيل الإنتظار الحقيقي - والّذي ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بأنّه أفضل جهاد الاُمّة - يتمكّن الإنسان الإبتعاد بكلّ وجوده عن الرذايل الأخلاقيّة ، وكسب الطّاقات والقدرات العجيبة والخارقة ، والولوج إلى الحياة الأبديّة . ومن الطّبيعي فإنّ هذا الأمر لايحدث إلاّ بشقّ الأنفس ، وتحمّل مختلف المحن والصّعاب .
وعلينا ونحن في محضر الإمام الرّضا عليه السلام الدّعاء من أعماق قلوبنا لبلوغ الإنتظار الحقيقي ، وإحياء قلوبنا ، والتّضرّع والتوسّل إلى اللَّه العزيز القدير بالإمام الرّضا عليه السلام لظهور المنجي والمصلح للعالم بقيّة اللَّه الأعظم عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف .
والواجب يحتم علينا أيضاً أن نزيد من حالة اللّهفة والمحبّة الموجودة لدينا تجاه إمام زماننا عجّل اللَّه تعالى فرجه الشريف وظهوره المبارك. وهذا الطّريق هو أقصر الطرق وأقربها وحجر الأساس ومناط إثراء الروح وتفاعلها مع تعاليم الإمام الرّضا عليه السلام والتأقلم معها والحصول على رضاه عليه السلام .
ولأجل تفكيك وتوضيح هذا الموضوع ، نستعين بالأشعار الّتي قرأها الشّاعر المعروف دعبل الخزاعي في مجلس الإمام الرّضا عليه السلام ، ومن ثمّ الحديث عن أهمّ النّقاط الّتي وردت فيها :
بازديد امروز : 7408
بازديد ديروز : 104560
بازديد کل : 134311066
|