قيمة الفكر

   إنّ كلّ إنسان يحمل في عقله كنوزاً لاتثمن بثمن، ويمكنه الحصول عليها بواسطة عمليّة توظيف للفكر والرؤى،وجعلها ثابتة غير خاضعة لتقلّبات الميول والرغبات.

   ولكن بعض من الناس - وللأسف الشديد وبدل الإستفادة من تلك الكنوز الموجودة في داخلهم - تراهم يبحثون عنهابين أكوام من الأتربة والأحجار!

   فإذا علم هؤلاء أنّ اللَّه سبحانه وتعالى قد وضع في وجودهم كنوزاً تستخرج بشكل مجاني، وهي أفضل بكثير من الّتي‏يطلب في بطون الأرض، لجاهدوا وثابروا ولتحيّنوا الفرص واستغلوا سنين عمرهم، ولم يفرطوا به؛ لئلاّ يذهب هدراً.

   ويمكن القول: أنّ هؤلاء يقلّبون التراب بحثاً عن الذهب والفضة، ويسعون في إرسال مختلف الآليات البحريّة، وتوظيف جملة من الغواصين، للحصول على المجواهرات في أعماق البحار والمحيطات، بينما نشاهد أنّ الرجال الذين‏ جاهدوا طويلاً لبناء شخصيّتهم يبحثون في افكارهم ورؤاهم، لنيل تلك الكنوز الحقيقية.

   يقول الإمام أميرالمؤمنين ‏عليه السلام في نهج البلاغة:

اَلْمُؤْمِنُ مَغْمُورٌ ... بِفِكْرَتِهِ.(1)

   ولانجافي الحقيقة إذا قلنا: إنّ الإنسان بإمكانه أن ينال من أعماق أفكاره وتفكيره كنوزاً لاتضاهيها جبال من الذهب‏ والجواهرات.

   وكذلك فإنّه يستطيع الحصول من عمق أفكاره المكنونة على جواهر تكون خالدة وسرمدية، وسوف يدرك قيمتها الواقعيّة في دنيا وعالم اخر.

   إنّ الغور في الأفكار - وليس التوهّمات - يبعث على تقوية الروح، وتهيّئة الأرضيّة المناسبة لها والمناخ الملائم لنيل‏ كنوز الأسرار، ويمكن للفكر والتفكّر أن يربيا الروح والنفس ويقوياها ويبنياها البنيان الصحيح كما تفعل التمارين‏ الجسديّة، إذ نرى أنّ ممارسة التمارين الرياضيّة تنمي البدن والجسم، ومن هذا الباب فإنّ الفكر والتفكّر الإيجابي والسليم‏ يقوي الروح والنفس؛ بإعتبار أنّ التفكّر هو نوع من أنواع التعليم والتربية للضمير العفوي والأواعي، ويمكن بواسطة ذلك التفكّر أن يزيد من انبعاثات الحالات الباطنية وترسيخها، وبالتالي سوف تظهر القدرات الروحيّة الإنسانية، حيث أنّ التفكّر بحدّ ذاته‏ يشكل بعداً لتنمية الروح، وجعلها في أسمى حالات التكامل والرقي. 

---

1) نهج البلاغة: الكلمات القصار 335.