الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
المحبّة الصادقة

المحبّة الصادقة

إنّ المحبّة والصداقة علائم على إمكانيّة معرفة الصديق وتشخيصه وإفرازه ‏وإيجاد الفرق الواضح بين هؤلاء وبين سائر الأفراد، وبما أنّ المحبّة هي أكسير فإنّها من الطبيعي أن توجد آثاراً ونتائج في قلب المحبّ والتي تدلّ على قيمة المحبوب.

ومن الواضح فإنّ أولئك الّذين يتمتّعون بشي‏ء من «الفراسة» يدركون جيّداً كيف يختارون الصديق وكسب محبّة الأشخاص، ومن أولئك الذين يرتبطون ‏بهم قلبياً؟ إذ أنّهم يشخصون المحبّ والصديق عبر سلسلة من الأفعال ‏والأقوال والسلوكيات والحركات.

وكلّما كانت المحبّة والصداقة أكثر فإنّها دلالات على عطاء وإبراز المحبوب ‏للمحب، وقد تكون المحبّة أحياناً بشكل كبير ترى فيها أنّ المحبّ يضحّي ‏بكلّ وجوده من أجل محبوبه، وهذه ظاهرة وعلامة على اعتقاد وإيمان المحبّ ‏بالنسبة إلى محبوبه.

فإذا كانت محبّة الإنسان إلى أهل الوحي والرسالة صلوات اللَّه عليهم أجمعين تصل‏ إلى الحدّ الأعلى والأسمى، فإنّها علامة على إيمانه الكامل باللَّه عزّ وجلّ وهذا مانجده واضحاً في حديث لرسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول فيه:

لايُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى اَكوُنَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَيَكوُنَ عِتْرَتي أَحَبّ‏ إِلَيْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ، وَيَكوُنَ أَهْلي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ، وَيَكوُنَ ذاتي‏ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ ذاتِهِ.(183)

وعليه فإنّ الشخص الذي تكون محبّته بهذا المستوى والحدّ فإنّ محبّته‏ تحمل جميع معاني الصداقة، ومن هنا فقد تترتب آثار عمليّة على هذا الأمر.

منذ 150 عام تقريباً كان هناك بزّاز من أهل الكوفة، وكان مغرماً وعاشقاً لأميرالمؤمنين علي عليه السلام، وكان معروفاً عند الناس، ووجيهاً عندهم، وكان تاجرقماش كبيراً، وكان إذا أتاه سيّد من ذريّة أميرالمؤمنين علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام ‏وحاله ضعيف ويريد أن يقترض مالاً أو يشتري قماشاً وماله لايكفيه يأتي إلى ‏ذلك التاجر ويتسلف منه.

وكان هذا التاجر عنده سجّل يكتب فيه أسماء المديونين، ولكن كان إذا أتاه‏ أيّ سيّد لايكتب إسمه بالسجل، بل يكتب في سجلّه: «أطلب أميرالمؤمنين‏ عليه السلام‏ هذا المبلغ»، ومضى على هذا الحال زمناً، وملئت سجلاته بهذه الكلمة وهي «أطلب أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام كذا مبلغ»، وفي يوم من الأيّام تعرّض لازمة مالية حادّة جدّاً خسر فيها كلّ تجارته، فطلب من زوجته أن تأتيه بالسجلاّت كي‏ يعرف كم له من المال عند الناس، وبينما هو جالس على باب بيته، فإذا بأحدالنواصب يمرّ عليه، فقال له باستهزاء: إذهب إلى أميرالمؤمنين كي يرجع لك‏ مالك.

فلمّا سمع قوله حزن حزناً كثيراً، فنام في نفس الليلة فشاهد النبي‏ الأكرم‏ صلى الله عليه وآله وسلم في المنام جالساً في مكان والإمامين الحسن والحسين‏ عليهما السلام يمشيان ‏أمامه، فالتفت إليهما وقال لهما: أين أبوكما؟

فأجابه أميرالمؤمنين ‏عليه السلام الذي كان خلفه: إنّي هنا يا رسول اللَّه. فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: لماذا لاتعطي طلب هذا الرجل؟ فأجابه أميرالمؤمنين ‏عليه السلام قد جئت له بحقّه‏ الدنيوي، فقال له: أعطه فناوله أميرالمؤمنين كيساً من الحرير الأبيض وقال له: هذا حقّك.

بعد ذلك التفت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرجل قائلاً له: خذ هذا المال وكلّ من ‏أراد من ذريّتي شيئاً أعطه، فإنّك لن تفتقر بعد ذلك أبداً.

فقال الرجل: استيقظت من المنام فشاهدت في يدي كيساً فيه مقدار من‏ المال، فأيقظت زوجتي وقلت لها: أوقدي المصباح، فأوقدته ففتحت الكيس ‏وحسبت المبلغ الّذي فيه فوجدته ألف أشرفي.

فقالت زوجتي: إتّقي اللَّه لاقدر اللَّه أن تكون الأزمة المالية التي تمرّ بك‏ أجبرتك على خداع الناس وأكل الحرام؟ فقلت: لا واللَّه؛ فذكرت لها قصّة تلك‏ الرؤيا، فقمت بفتح السجل فوجدت أنّ الحساب الذي كان على أميرالمؤمنين ‏عليه السلام كان ألف أشرفي ولم يكن أكثر أو أقلّ.(184) 

وفي هذا المقام نذكر رواية واردة عن مولانا الإمام عليّ بن موسى الرضا عليه السلام‏ قال فيها:

مَنْ أَعانَ فَقيرَنا، كانَ مُكافاتُهُ عَلى جَدِّنا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.(185)

ومن هنا نرى أنّ الرجل الكوفي قد نال أجره الدنيوي بأمر من الرسول‏ الأعظم‏ صلى الله عليه وآله وسلم.


183) بحار الأنوار: 13/17، نقلاً عن كتاب علل الشرايع: 58.

184) الفوائد الرضويّة: 311.

185) بحار الأنوار: 124/100.

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2847
    اليوم : 81690
    الامس : 166776
    مجموع الکل للزائرین : 140442780
    مجموع الکل للزائرین : 96992960