التطوّر الإقتصادي
قبل التطرّق إلى بيان عمليّة التطوّر الإقتصادي في عصر الظّهور لابدّ لنا من توضيح نقطة تخصّ الفقر والعوز والتّعامل والسّلوك غير الإنساني لأصحاب الأموال ، النّاتج من فشل المشاريع والبرامج الإقتصاديّة المختلفة .
إنّ العامل المادّي والفقر الإقتصادي هو أساس لوقوع الكثير من الجرائم والمآسي في عصر الغيبة ، وهذا ما تؤكّده الإحصائيّات والدّرسات المنتشرة في مختلف بلدان العالم ، حيث يجد المتابع أنّ أصل جرائم السّرقة والقتل ناتج من هذا الموضوع ، وهذه حقيقة لايمكن الهروب والتنصّل منها .
إنّ الأشخاص الّذين يسعون إلى محاربة جرائم القتل والسّرقة وبقيّة الجرائم الأخرى ، ويطالبون في إزالة هذه الظّواهر السلبيّة وغير الصحّيّة من المجتمع عليهم العمل بجديّة على إزالة مصدرها - الفقر أحد عواملها المهمّة - وإجتثاثها من جذورها ، وبالتّالي الحيلولة دون وقوع الجزء الأعظم من الجرائم والفساد .
إنّ العامل الأساسي والمهمّ الآخر الّذي له اليد الطولى في إشاعة الجرائم ، هو غريزة طلب المال والنّهم والإستكثار منه ، ولعلّ هذا العامل هو أهمّ بكثير من العامل الأوّل ، وأكثر حسّاسيّة منه ؛ باعتبار أنّ الشّخص الفقير يسرق من أحد البيوت أو يقتل شخصاً ما، ولكن أصحاب القدرة والنّفوذ فإنّهم ينهبون الثّروات الطّائلة للشعوب ، ويسفكون دماء الكثير من الأبرياء ، لا لشيء سوى إشباع غريزة كثرة المال وزيادته .(1)
وعادتاً ما يكون الطّريق سالكاً على الأغنياء والإمكانيّات متوفّرة عندهم أكثر من الفقراء ، لذا فإنّنا نشاهد درجات الخيانة لديهم تفوّق بدرجات .
وعلى ضوء ما قلناه ، فإنّ حالة الفقر والعوز للشّخص ، والرّغبة في تكديس الأموال وطلب المزيد منها للأغنياء ، هما عاملان أساسيّان ومهمّان في حصول تداعيات الجرائم والخيانات في عصر الغيبة المظلم ، ولكن ومع وصول العصر الذهبي للظهور ، فإنّ هناك فرصة سانحة للتّصحيح هذا المنهاج المنحرف ، ممّا يؤدّي ليس إلى إختفاء هذين العاملين فقط ؛ بل ستنقشع كلّ عوامل الجريمة ، وتحلّ عوامل النّجاة والسّعادة محلّ عوامل الفساد والظّلم .
من المؤكّد فإنّ الوظيفة الإلهيّة والإنسانيّة تحتم على أصحاب النّفوذ تقديم يد العون والمساعدة للأشخاص الفقراء القابعين في زوايا المجتمع ، والعمل لإيجاد دخل معيّن لهم ، ورفع الفقر الإقتصادي الّذي يعانونه من جهة ، وكذلك ليكون حائلاً دون طغيانهم وعنجهيّتهم من جهة أخرى ، وفي النتيجة تكون إزالة هذين العاملين المهمّين والمسبّبين للفساد والظلم .
ولكن نقول ومع الأسف الشديد: إنّ هذه الوظيفة الخطيرة الّتي وقعت على عاتق الأغنياء ، قد وقعت طيّ النّسيان ، كما وقعت الكثير من الوظائف الأخرى ، ولكن سيصل ذلك العصر الّذي يعمّ فيه الرّخاء إلى درجة ، حيث يبحث الإنسان عن شخص ليساعده فلن يجده !
إنّ النّقطة الأساسيّة الّتي يجب الإلتفات إليها وأخذها بنظر الإعتبار هي : أنّ التّكاثر والجشع في نفوس الأغنياء وأصحاب النّفوذ ، هو العامل الأكثر أهميّة وخطورة من الفقر نفسه في وقوع الجرائم المختلفة في العالم ، ويسبّب أيضاً إلى جرّ الأغنياء صوب جمع الثّروات بشكل غير مشروع ، فتعمل القدرة والظلم على خلق أرضيّة مناسبة للمستكبرين والظّالمين للتكشير عن أنيابهم والتوسّل بكلّ الطّرق والوسائل لنيل مبتغاهم .
وأمّا العامل الثّاني الّذي ذكرناه في الواقع فهو الثروة ؛ حيث لها أثراً فعّالاً ، وهي تشترك أيضاً في العامل الأوّل ، باعتبار أنّ العامل المهمّ في إيجاد حالة الفقر وتفشيه في أوساط المجتمع هم الأغنياء الّذين يجهدون وبواسطة أساليبهم الخبيثة والملتويّة لزيادة رأس مالهم ، ومن جملتها الإحتكار وزيادة أسعار الموادّ الإستهلاكيّة ، الأمر الّذي يجلب الفقر وزيادته . وهذه حقيقة ذكرها الأئمّة الأطهار عليهم السلام في أحاديثهم وكلماتهم الشّريفة .
في الواقع إنّ الإقطاعيين الّذين يعيشون في قصور فاخرة ، فإنّهم وراء زيادة قيمة الأراضي ، نظراً لاستلائهم على أكثرها ، وهذا يؤدّي إلى بقاء المحرومين والفقراء عاجزين عن شراء قطعة أرض صغيرة .
وأيضاً فإنّ الكثير من الأغنياء يتّبعون سياسيّة تكديس الأموال وبالتالي يترجمون حالة الفقر وزيادة مضاعفاته - والّذي هو مقدّمة وأرضيّة صالحة وخصبة للفساد - إلى واقع ملموس ، وهذه الحالة توجب أيضاً طغيانهم وعبثهم وانفصالهم وابتعادهم كلّ البعد عن الأحكام الشرعيّة والعقليّة .
وإليك عزيزي القاري هذه القصّة :
كان «خان مرو» من أغنياء ووجهاء مدينة طهران ، فبنى مسجداً ومدرسة فيها تعرفان إلى وقتنا الحاضر بإسمه . يقال : إنّه كان لديه صديق قديم قد إنتظره تحت الشّجرة العظيمة الّتي كانت في مقابل داره للأشهر عديدة ، ينتظر خروجه لعلّه يحظى بنظرة عطف منه ، ولكنّ الخان لم يلتفت إلى هذا الموضوع حتّى تمّ عزله من جميع مناصبه الّتي كان يتمتّع بها ، وجلوسه في الدار .
وبعد حصول هذا الأمر ، زاره صديقه ، فوّجه الخان عتبه ولومه ، لعدم زيارة صديقه له طوال هذه المدّة ، فروى صديقه قصّته ووقوفه تحت الشّجرة وأمام بيته .
فأجابه الخان : إنّني في تلك المدّة لم أر شجرة العظيمة المزروعة أمام بيتي ، فكيف تريدني أن أرى من يقف خلفها ! (2)
نعم؛ إنّ العالم وبطبيعة الحال سيشهد وقبل ظهور الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه منظومة هائلة من الأغنياء وأصحاب الأموال الطائلة ، الّذين يحاولون عبثاً البقاء ضمن دائرة الحالة الإنسانيّة ومحاولة السّيطرة على طغيانهم من خلال تمسّكهم بالموازين الشّرعيّة والعقليّة .
وعلى أساس هذه النّقطة يطرح السؤال التالي : هل أنّ البشريّة قادرة بعد أن تصل إلى الإكتفاء الذّاتي في عصر الظّهور ، وتوفير الثّروة الهائلة ، من ضمانة عدم وقوعها في شباك الطغيان ؟
وبعبارة أكثر توضيحاً : إذا كانت كلّ هذه الثّروة لها تلك الآثار المخرّبة والهدامة ونذيرة شوم ، فكيف يتمتّع النّاس في عصر الظّهور بكلّ هذه الثّروات والأموال الطّائلة ؟
وفي مقام الإجابة على هذا السؤال نقول : إنّ الثّروة والمال الّذي يأتي عن طريق الحلال ، فإنّه لايكون في أيّ وقت من الأوقات نذير شوم وقدم نحس على الإنسان ؛ بل هو وسيلة وطريق لفعل الخير والعمل الصالح ، ولكن علينا أن نفهم أنّ هناك بعض الأغنياء الّذين يوظّفون أموالهم ويصرّفونها بطرق غير مشروعة، وإلّا فإنّ نفس الثّروة بحدّ ذاتها ليس لها آثار سلبيّة ، فإذا كانت كذلك فسوف تجعل كلّ أصحاب رؤوس الأموال في مصاف المفسدين ، وهذه أمر غير صحيح ؛ إذ أنّنا نشاهد البعض من هؤلاء - وإن كانوا قليلون في زماننا الحاضر - يقدّمون خدمات جليلة وعظيمة إلى المجتمع الإنساني ، ويكونون سبباً لنجاة الكثير من الناس ، ويقعون مورداً لمدح وثناء ورعاية أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام .
وأمّا الّذين يسبّحون في التّيار المعاكس ، فإنّهم يعانون من النّقص الفكري وضيق الأفق ، إذ أنّهم سعوا بكلّ ما أوتوا من قوّة لزيادة ثروتهم وتركها لقمة سائغة لورثتهم ، إنّ أصل الثّروة والمال مثله كمثل الحربة ، فهي سلاح ذو حدّين ، فمن خلالها يتمكّن الإنسان من القضاء على عدوّه وإزالته عن طريقه ، وكذلك يستطيع بها قتل الأبرياء وسفك دمائهم .
علاوة على كلّ هذا ، فإنّ الإنسانيّة وبعد وصولها إلى الرّقي والتّكامل المعنوي والرّشد الفكري والعقلي ، والسّعادة الّتي تغمرهم ، فإنّ هذه العمليّة بحدّ ذاتها تدفعهم للعيش في أمان وإستقرار بعيدين عن حالة الطّغيان والفساد .
وفي ذلك العصر السعيد تحصل عمليّة التّوسعة والتّنمية والعطاء ، وتختفي فيه حالات الجشع والإحتكار والطّمع، وتكثر الثروات والإمكانيّات، وينحصر الظّلم والطّغيان .
وهناك الكثير من المؤشرات الّتي تؤكّد كلّها على أنّ الثّروة في ذلك الزّمان والموجودة في كلّ أصقاع العالم سواء تواجدت في باطن الأرض أم فوقها ، يجب أن تجمع كلّها وتنتقل إلى ملكيّة الإمام صاحب العصر والزّمان عجّل اللَّه تعالى فرجه وتبقى عنده .
فهل تعلم يا ترى ماذا تخبئ باطن الأرض من ثروات هائلة وكنوز عظيمة ومهمّة ؟ أليس فيها الأحجار الكريمة والذّهب والفضّة وبقيّة الأشياء الثّمينة الأخرى ؟ وهل تعلم أنّ في باطنها جبالاً من الذّهب ؟ وهل تدري كم أخفى الملوك والحكّام القدماء من ثروات عظيمة فيها ؟ وهل تعلم ما مقدار الأشياء والأموال الّتي دفنت بواسطة الزّلازل الّتي حدثت فيها ؟ وهل تعلم... .
ويتّضح من القراءة المتأنيّة أنّ عصر الظّهور ، هو عصر الإطّلاع والمعرفة ، وظهور جميع الأسرار على حقيقتها، فلذا سوف يرى ظهور جميع الثّروات والأموال الموجودة في باطن الأرض لتطفح فوقها ، ويتمكّن الجميع من الإستفادة منها.
1) يجب الإلتفات بدقّة إلى أنّ التّكاثر وطلب الزّيادة ليس منحصراً في الأموال ؛ بل يشمل جميع مظاهر طلب الزّيادات ، والّتي هي عوامل مهمّة في حدوث مختلف الجرائم والخيانات ، وتتضمّن الزّيادات في المناصب والشّهرة والشّهوات و....
2) إثنا عشر ألف مثل فارسيّاً : 432 .
اليوم : 170321
الامس : 273973
مجموع الکل للزائرین : 120305836
|