قدرة السيطرة
من الجدير بالإهتمام إنّ الّذي قلناه - يعني حصول حالة التّنمية وزيادة الثّروات لجميع الناس ، ونيل السّعادة الأبديّة ، وعدم وجود الطّغيان والتّعدّي في عصر الظّهور المشرق - كلّ هذه الأمور تطرق إليها أهل بيت الوحي والرسالة عليهم السلام من خلال أحاديثهم وخطبهم الواردة.
وإليكم هذه الرّواية الّتي تدعم وتؤيّد قولنا هذا : يقول الإمام الباقر عليه السلام :
يقاتلون واللَّه حتّى يوحّد اللَّه ولايشرك به شيء وحتّى يخرج العجوز الضعيفة من المشرق تريد المغرب ولاينهاها أحد ، ويخرج اللَّه من الأرض بذرها ، وينزل من السّماء قطرها ، ويخرج الناس خراجهم على رقابهم إلى المهديّ ، ويوسّع اللَّه على شيعتنا ، ولولا ما يدركهم من السعادة لبغوا .(3)
لا شكّ ولا ريب في أنّ الغنى والفقر قد يكون منشأين لسعادة الإنسان ، وقد يكونان عاملين للجريمة والخيانة على حد سواء ، ومجموع ما يفهم من هذا المعنى أن الغنى والفقر يلعبان دوراً رياديّاً ومهمّاً في زيادة ومضاعفة الجناية ، وقد يكونان وسيلة لإسعاد الإنسان وإدخال البهجة والفرحة عليه .
ونلاحظ أيضاً بصورة واضحة ، أنّ الطّمع في الحصول على الثّروة هو العلامة الفارقة لظهور هذه الحالة وهذا المنهج ، ولو تطّلعنا ونظرنا إلى ما حولنا ، لعرفنا أنّ مصدرها يكمن في عدم وجود القدرة الكافية على السيطرة في مرحلة الغيبة والظّلمة .
وتبعاً لتجاهل الإنسان وعدم معرفته بالمقام الشامخ والسّامي للولاية وعدم عنايته وإكتراثه للمنزلة العظيمة والرّفيعة لأهل بيت الوحي والرّسالة عليهم السلام ، سيسلب منه السّعادة ، ويبعده كلّيّاً عن مقام الولاية ، والّتي هي الضّمانة والدّعامة الوحيدة للسّيطرة على القدرات .
ولكن في عصر الظّهور ، سوف تتسلّح الإنسانيّة فيه بالحصن المنيع والرّفيع للولاية الإلهيّة من كلّ جهة ومكان ، وتحرسها وتحفظها القدرة الإلهيّة لولاية الإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه . لذا فإنّ هذه النّعم والبركات والسّعادة المنشودة - الّتي لم نتذوّق طعمها إلى الآن - تؤدّي إلى حصول حالة من التّوازن ، فكلّما إزداد مقدار الثّروة والمال عندهم ، كلّما حافظوا على وضعيّتهم ، ولايتسبّب هذا الثّراء إلى طغيانهم وعنجهيّتهم .
نعم ؛ ونتيجة إرخاء ظلال القدرات الموجودة في الولاية على رؤوس النّاس أجمع ، فإنها تستوعب جميع القوى والقدرات والإمكانيّات تحت غطائها وتحفظها من خلال هذه الوسيلة، فإنّها تسيطر على كلّ مجريّاتها وتكبح جماحها .
وهذه هي عين السّعادة والسّرور الّذي صرّح به الإمام الباقر عليه السلام حين قال : «ولولا ما يدركهم من السعادة ، لبغوا» .
نعم ؛ إنّ حصول القدرة والسيطرة للجميع ، هي من الصّفات والميّزات الّتي ينفرد بها عصر الظّهور ، فحينما تزداد فيه كلّ الإمكانيّات المتاحة من مال وثروة وقدرة وفعاليّة ونشاط وجماليّة ، و... .
ونظراً إلى بروز الإشعاعات النورانيّة للولاية ، فإنّها تسجل حضوراً قويّاً في مهارها والتّحكّم بها ، ومماشاتها مع العقل ، وفي النّهاية الإستمرار في حياة ملؤها النّعم والسّعادة والحبور ، بحيث لم ولن ير مثلها في أيّ زمان ومكان قطّ .
تمعّنوا في هذه الرّواية الجميلة الواردة عن الإمام الصادق عليه السلام(4) فقد قال عليه السلام :
تواصلوا وتبارّوا وتراحموا ، فوالّذي فلق الحبّة وبرأ النسمة ليأتينّ عليكم وقت لايجد أحدكم لديناره ودرهمه موضعاً ، يعني لايجد عند ظهور القائم عليه السلام موضعاً يصرفه فيه ، لإستغناء النّاس جميعاً بفضل اللَّه وفضل وليّه .
فقلت : وأنّى يكون ذلك؟
فقال : عند فقدكم إمامكم فلاتزالون كذلك حتّى يطلع عليكم كما تطلع الشّمس ، آيس ما تكونون ، فإيّاكم والشكّ والإرتياب ، وانفوا عن أنفسكم الشكوك ، وقد حذّرتكم فاحذروا ، أسأل اللَّه توفيقكم وإرشادكم .(5)
في هذه الرّواية نقطة رائعة حول مسألة تطهير القلب من اليأس والشّكّ ، وهذه قضيّة بنفسها تحتاج إلى بحث مفصّل ومستقلّ .
إنّ الجزء الّذي يهمّنا في الرّواية وموضع إستدلالنا ، هو قول الإمام الصّادق عليه السلام عن عصر الظّهور ، فيصرّح الإمام عليه السلام إنّ في ذلك العصر لايمكن العثور على شخص فقير حتّى يساعده الأغنياء من أموالهم ، وذلك لاستغناء النّاس جميعاً .
3) بحار الأنوار : 345/52 .
4) جاء جزء من هذه الرّواية في كتاب «عقد الدرر : 226» ، ونُسبت إلى الإمام الحسين عليه السلام كما أنّ غيرها من روايات الإمام الصادق عليه السلام نسبت إلى الإمام الحسين عليه السلام . مثل الرّواية المعروفة : «لو أدركته لخدمته أيام حياتي» . والسبب وراء ذلك هو إشتراك كنية الإمام الصادق عليه السلام مع كنية الإمام الحسين عليه السلام والّتي هي «أبو عبداللَّه» ، وظنّ مؤلّف كتاب «عقد الدرر» أنّ المقصود من «أبي عبداللَّه» هو الإمام الحسين عليه السلام .
5) الغيبة المرحوم النعماني : 150 .
اليوم : 196971
الامس : 273973
مجموع الکل للزائرین : 120332486
|