ذهاب الإمام الرّضا عليه السلام لإقامة صلاة عيد الفطر
عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم ، قال : حدّثني ياسر الخادم - لمّا رجع المأمون من خراسان بعد وفاة أبي الحسن الرضا عليه السلام بطوس - بإخباره كلّها .
قال عليّ بن إبراهيم : وحدّثني الريّان ابن الصلت - وكان من رجال الحسن بن سهل وحدّثني أبي عن محمّد بن عرفة وصالح بن سعيد الكاتب الراشديين ، كلّ هؤلاء حدّثوا بأخبار أبي الحسن الرضا عليه السلام وقالوا :
لمّا انقضى أمر المخاوع ، واستوى أمر المأمون ، كتب إلى الرّضا عليه السلام يستقدمه إلى خراسان ، فاعتلّ عليه الرضا عليه السلام بعلل كثيرة . فما زال المأمون يكاتبه ويسأله حتّى علم الرّضا عليه السلام أنّه لايكفّ عنه ، فخرج وأبو جعفر عليه السلام له سبع سنين .
فكتب إليه المأمون : لاتأخذ على طريق الكوفة وقم ، فحمل على طريق البصرة والأهواز وفارس حتّى وافى مرو . فلمّا وافى مرو ، عرض عليه المأمون يتقلّد الإمرة والخلافة ، فأبى الرّضا عليه السلام ذلك ، وجرت في هذا مخاطبات كثيرة ، وبقوا في ذلك نحوا من شهرين ، كلّ ذلك يأبى أبوالحسن الرضا عليه السلام أن يقبل ما يعرض عليه . فلمّا كثر الكلام والخطاب في هذا ، قال المأمون : فولاية العهد ، فأجابه إلى ذلك ، وقال له : على شروط أسألها .
فقال المأمون: سل ما شئت.
قالوا : فكتب الرضا عليه السلام:
إنّي أدخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا انهى ولا اقضي ولا اُغيّر شيئاً ممّا هو قائم وتعفيني من ذلك كلّه.
فأجابه المأمون إلى ذلك ، وقبلها على هذه الشروط ، ودعى المأمون الولاة والقضاة والقوّاد والشاكريّة وولد العبّاس إلى ذلك ، فاضطربوا عليه ، فأخرج أموالاً كثيرة وأعطى القوّاد وأرضاهم إلاّ ثلاثة نفر من قوّاده أبوا ذلك ؛ أحدهم عيسى الجلودي وعليّ بن أبي عمران وأبو يونس ؛ فإنّهم أبوا أن يدخلوا في بيعة الرّضا عليه السلام ، فحبسهم وبويع الرضا عليه السلام ، وكتب ذلك إلى البلدان ، وضربت الدّنانير والدّراهم بإسمه ، وخطب له على المنابر ، وانفق المأمون في ذلك - للوصول إلى أغراضه وأهدافه المشؤومة الآنية والمستقبليّة - أموالاً كثيرة .
فلمّا حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا عليه السلام يسأله أن يركب ويحضر العيد ويخطب ؛ ليطمئنّ قلوبَ النّاس ، ويعرفوا فضله ، وتقرّ قلوبهم على هذه الدّولة المباركة .
فبعث إليه الرضا عليه السلام وقال :
قد علمت ما كان بيني وبينك من الشّروط في دخولي هذا الأمر .
فقال المأمون : إنّما اُريد بهذا أن يرسخ في قلوب العامّة والجند والشاكريّة هذا الأمر ، فتطمئنّ قلوبهم ، ويقرّوا بما فضّلك اللَّه به !
فلم يزل يردّد الكلام في ذلك ، فلمّا ألحّ عليه ، قال الإمام عليه السلام :
... إن أعفيتني من ذلك فهو أحبّ إليّ ، وإن لم تعفني خرجت كما كان يخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم وكما خرج أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.
فقال المأمون : اُخرج كما تحبّ ، وأمر المأمون القوّاد والنّاس أن يبكروا إلى باب أبي الحسن الرضا عليه السلام ، فقعد النّاس لأبي الحسن الرّضا عليه السلام في الطّرقات والسّطوح من الرّجال والنّساء والصّبيان ، واجتمع القوّاد على باب الرّضا عليه السلام .
فلمّا طلعت الشّمس ، قام الرّضا عليه السلام فاغتسل وتعمّم بعمّامة بيضاء من قطن ، وألقى طرفا منها على صدره ، وطرفا بين كتفه ، وتشمّر ، ثمّ قال لجميع مواليه : افعلوا مثل ما فعلت .
ثمّ أخذ بيده عكازة وخرج ونحن بين يديه وهو حافٍ قد شمّر سراويله إلى نصف الساق ، وعليه ثياب مشمرّة . فلمّا قام ومشينا بين يديه ، رفع رأسه إلى السّماء وكبّر أربع تكبيرات ، فخيّل إلينا أنّ الهواء والحيطان تجاوبه .
والقوّاد والنّاس على الباب قد تزيّنوا ، ولبسوا السّلاح ، وتهيّؤا بأحسن هيئة . فلمّا طلعنا عليهم بهذه الصّورة حفاة ، قد تشمّرنا وطلع الرّضا عليه السلام وقف وقفة على الباب قال :
اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ ، اَللَّهُ أَكْبَرُ عَلى ما هَدانا ، اَللَّهُ أَكْبَرُ عَلى ما رَزَقَنا مِنْ بَهيمَةِ الْأَنْعامِ ، وَالْحَمْدُ للَّهِِ عَلى ما أَبْلانا.
ورفع بذلك صوته ، ورفعنا أصواتنا ، فتزعزعت مرو من البكاء والصّياح ، فقالها ثلاث مرّات ، فسقط القوّاد عن دوابّهم ، ورموا بخفافهم لمّا نظروا إلى أبي الحسنعليه السلام ، وصارت مرو ضجّة واحدة ، ولم يتمالك النّاس من البكاء والضّجيج .
وكان أبوالحسن عليه السلام يمشي ويقف في كلّ عشر خطوات وقفة ، فكبر اللَّه أربع مرّات ، فتخيّل إلينا أنّ السّماء والأرض والحيطان تجاوبه .
وبلغ المأمون ذلك ، فقال له الفضل بن سهل ذوالرياستين : يا أميرالمؤمنين ! إن بلغ الرّضا عليه السلام المصلّى على هذا السبيل ، إفتتن به النّاس ، فالرّأي أن تسأله أن يرجع .
فبعث إليه المأمون ، فسأله الرّجوع ، فدعا أبوالحسن عليه السلام بخفّه ، فلبسه ورجع .(227)
* * *
محمّد بن الفضيل عن الرّضا عليه السلام قال لبعض مواليه يوم الفطر وهو يدعو له :
يا فُلان ؛ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْكَ وَمِنَّا.
ثمّ أقام حتّى كان يوم الأضحى ، فقال عليه السلام له :
يا فُلان ؛ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكَ.
قال : فقلت له : يابن رسول اللَّه ؛ قلت في الفطر شيئاً وتقول في الأضحى شيئاً غيره .
قال : فقال عليه السلام :
نعم ؛ إنّي قلت له في الفطر : تقبّل اللَّه منك ومنّا ؛ لأنّه فعل مثل فعلي ، واستويت أنا وهو في الفعل . وقلت له في الأضحى : تقبّل اللَّه منّا ومنك ؛ لأنّا يمكننا أن نضحّى ، ولايمكنه أن يضحّى ، فقد فعلنا نحن غير فعله.(228)
227) عيون أخبار الرضا عليه السلام : 147/2 ، وسائل الشيعة : 120/5 ، بحار الأنوار : 133/49 و 360/90 .
228) جامع أحاديث الشيعة : 191/7 ، وسائل الشيعة : 138/5 ، بحار الأنوار : 105/49 .
بازديد امروز : 149046
بازديد ديروز : 297409
بازديد کل : 121462692
|