عدم قدرة العلم على قيادة العالم
ظنّ الكثير من العلماء في القرن السّابع عشر والثّامن عشر ونتيجة التّطوّر الهائل والقفزات النّوعيّة الّتي شهدها العلم ، أنّه سيأتي اليوم الّذي يتمكّن العلم من خلاله الهيمنة والسّيطرة على العالم ، وسوف ينجيه من كلّ المصائب والنّواقص والحرمان والويلات الّذي يعانيه بواسطة القوانين الّتي يقنّنها.
ولكن بمرور الزّمن تبخّرت تلك الأحلام الورديّة ، وظهرت نتائج عكس ما ظنّوه وأرادوه ؛ لأنّ تطوّر العلم والمعرفة عجز عن تحقيق العدالة في الأرض ، بل إضافاً إلى المجتمع الإنساني المزيد من المآسي والأحزان.
فقد سجّل التّاريخ حقيقة مفادها أنّ الملايين من البشر ذهبوا ضحيّة هذا التّطوّر ، وأنّ الملايين شردوا عن ديارهم وأوطانهم وسقطوا عن عالم الوجود .
إنّنا في الواقع لاننكر المراحل المتطوّرة الّتي حصلت في العلم ، لكن نقول : إنّ هذا التّطوّر يجب أن يكون مصحوباً بالتّطوّر في جميع المناحي ولايقتصر في جانب واحد ، ففي الوقت الّذي تطوّر العلم بقيت الإنسانيّة على حالها ضعيفة ، ولم تزرق بعناصر القوّة والمنعة .
على أيّ حال ، فإنّ العلم يتطوّر ويصل إلى مراحله النّهائيّة عندما يتزامن تطوّره مع تطوّر العقل والإنسانيّة . ومن خلالهما يساق المجتمع إلى حالة التّكامل ، وبدونهما فإنّ مصيره الزّوال والإنحطاط .
وهناك شعر جميل في الأدب الفارسيّة مضمونه :
إذا المصباح كان بكفّ لصّ سیسرق أثمن الأشياء قدراً
إنّ نظام الخلقة وضع على أساس التّكامل الصّحيح ، ومعنى هذا الكلام هو : أنّ جميع الكائنات من نباتات وحيوانات وإنسان بدأت مسيرتها التّكامليّة منذ اليوم الأوّل لخلقتها . فإذا كانت قد بقيت على حالها فما هو شكل العالم حينها ؟ لذا فإنّ التّكامل بهذا المعنى هو من الشّروط الضّروريّة للحياة .
إنّ النّقطة الّتي يجب الإلتفات إليها هي : إنّه يجب أن يكون التّكامل الجسدي متزامناً مع التّكامل الفكري والرّوحي ، يعني وكما أنّ الأطفال ينمون من النّاحية البدنيّة ، يجب كذلك حصول النّموّ لديهم في الجانب الفكري والرّوحي وإلاّ فإذا كان نموّهم من النّاحية الجسديّة وبقيت أفكارهم صبيانيّة ، فما هو حالة ووضع المجتمع آنذاك ؟
إذن ؛ يجب أن يكون هناك مسير متوازن بين التّكامل الجسدي من جهة ، والتّكامل الفكري والرّشد العقلي من جهة أخرى . وذلك في جميع أبعاد المجتمع الواحد ، وإلاّ في حال وصول الإنسان ناحية التّكامل ، وحصل نوع من الخلل والسّكون في بقيّة الأبعاد الأخرى ، فإنّ المجتمع سيفقد توازنه ويتّجه إلى الهاوية والسّقوط .
ومن هذا المنظار وكما يسعى المجتمع في طريق العلم والمعرفة ويطلب عمليّة التّطوّر والتّكامل العلمي والصّناعي والوصول إلى قمّة المسائل الماديّة ، عليه بنفس المقدار المكافحة والمجاهدة لكي يصل إلى التّكامل من النّاحية الرّوحيّة والمعنويّة ، وإلاّ سيجلب التّطوّر في العلم والمعرفة بدون رعاية القضايا الرّوحيّة والمعنويّة مستقبلاً خطيراً تكتنفه متاهات مظلمة !
فمن هنا نشير إلى أنّ المجتمع الإنساني وأنصار الحداثة والعولمة إذا أرادوا التّطوّر والتّكامل ، فعليهم في الوقت نفسه السّعي الجادّ في طريق التّكامل الفكري والرّوحي لمجتمعهم سويّاً ، وليس السّعي والعمل في تكامل الوسائل الّتي يصنعونها فقط .
إنّ الخطوة الأولى الّتي يجب عملها هو إيجاد حالة التّحوّل والتّكامل في بناء وجود الإنسانيّة من ناحية الشّخصيّة والأفكار والعقائد والرأى الصحيحة ، كي يحصل بالفعل التّطوّر الواقعي والحقيقي في العلم والصّناعة ، وعدم العمل بالبُعد الواحد الّذي من شأنه تهديد العالم بالفناء .
بازديد امروز : 190567
بازديد ديروز : 273973
بازديد کل : 120326084
|