الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
كتمان السرّ

كتمان السرّ

ممّا لا شكّ فيه أنّ أولياء اللَّه تعالى والنخب التي صقلت نفسها وهذبتها قد وصلت ونتيجة الأخلاق والإخلاص في عملها وسلوكها وفعالها وبقيّة الخصال الحميدة الأخرى إلى بعض من الأسرار التي ينطوي عليها عالم معرفة الخلقة والاطّلاع على بعض الأمور الخافية عن عالم الخلق.

وقد كان معرفة تلك الأسرار في زمن حضور أهل البيت‏ عليهم السلام يحدث بواسطة الإلهامات الرحمانية التي تنزل عليهم، وهم بدورهم ينقلونها إلى أصحابهم‏ المقرّبين ويأمرونهم بحفظها وعدم البوح بها.

يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في رواية مفصلة لجابر بن عبد اللَّه الأنصاري:

يا جابِرُ؛ اُكْتُمْ ما تَسْمَعُ، فَاِنَّهُ مِنْ سَرائِرِ اللَّهِ.(214)

وعلى هذا الأساس فإنّ جابراً والشخصيات الكبيرة التي اطلعت على‏ الأسرار والعلوم والمعارف عن طريق أهل البيت ‏عليهم السلام سعوا إلى كتمانها عن سائر الناس، وبالطبع فإنّ السعي الذي بذله هؤلاء الصلحاء والأبرار في حفظ تلك‏ الأسرار والعلوم هو في غاية الصعوبة، وتحملوا في طريق ذلك مختلف ‏الصعوبات والمشقّات، ومن هذا المنطلق يقول الإمام الصادق عليه السلام في الارتباط في هذا الموضوع:

كِتْمانُ سِرِّنا جِهادٌ في سَبيلِ اللَّهِ.(215)

ويقول عليه السلام في رواية أخرى:

مَنْ كَتَمَ الصَّعْبَ مِنْ حَديثِنا، جَعَلَهُ اللَّهُ نوُراً بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَرَزَقَهُ اللَّهُ‏ العِزَّةَ في النَّاسِ.(216)

وحفاظاً على عدم إشاعة الأسرار فلابدّ للإنسان من معرفة الموضوع المراد طرحه وعدم الكلام فيه بسرعة من دون رويّة، بل لابدّ له من دراسته من جميع‏ الجوانب وما يحتويه من أفكار وعقائد، إذ قد تضرب تلك الأسرار بعصاها الغليظة وتنكشف للعيان، فحيئذ تموت في مهدها.

فحينما يفكّر الإنسان ويتأمّل فيما يقوله فإنّ الندامة لن تصبه أبداً؛ لأنّ ومن‏خلال التفكير العميق والتأمّل في الأسرار التي لايجب أن تقال، فإنّ تلك الأسرار ستبقى في طيّ الكتمان حيث لايمكن القول به، وهذه الحقيقة قد ثبت للإنسان‏ عمليّاً.

قال مولانا أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام:

لاتَقُلْ ما لاتَعْلَمُ، بَلْ لاتَقُلْ كُلَّ ما تَعْلَمُ.(217)

باعتبار العلم بكلّ شي‏ء لايعني البوح به؛ لأنّ الكثير من المعلومات لا قيمة لطرحها، ولذا فإنّ الحديث فيها هو مضيعة للعمر لمن يتحدّث فيها وللآخرين ‏الذين يستمعون إليها ويناقشون فيها، وقد تكون هناك بعض المعلومات القيّمة التي يحملها الإنسان، ولكن الناس ليس لها ذلك الإستيعاب والظرفية المناسبة لسماعها، وينبغي لمثل هذا الإنسان اجتناب طرحها؛ لأنّ هؤلاء الناس لن ‏يكون ردهم على ذلك سوى إنكارها وعدم إستيعابها واستخلاص نتائج ‏عكسيّة، وبذلك تضيع الفائدة المرجوّة منها، ومن هنا نرى أوّل مظلوم في‏ العالم أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام يقول:

لاتَقُلْ كُلَّ ما تَعْلَمُ.

ويقول عليه السلام في «نهج البلاغة» كذلك:

مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كانَتِ الخِيَرَةُ بِيَدِهِ.(218)

لأنّ الإنسان بإمكانه إظهار سرّه إلى الآخرين متى ما وجد صلاح في ذلك، ولكن هو من باح به ولن يعود الضرر في ذلك إلّا عليه، ولايمكن بحال من كتم ‏السر بعد أن ذاع به.

بل وبالإضافة إلى أنّه ذاع سرّه فإنّه يتضرّر روحيّاً، إذ يفقد بعضاً من تلك‏ الحالات المعنويّة؛ لأنّ البعض ونتيجة المساعي الروحيّة والرياضات الصعبة استطاع التمتع ببعض الآثار والنتائج المعنوية، ولكن نتيجة البوح بها إلى هذا وذاك، فسوف يفقدها ويصيبه الغرور والعُجب، وبقيّة الحالات السلبية الاُخرى، وفي النهاية ستكون النتيجة غير محسوبة، ولأجل الحيلولة والوقوف ‏أمام تلك الاُمور فإنّ من الأفضل بمكان حفظ اللسان وعدم إفشاء الأسرار.

إذا المرء أفشى سرّه بلسانه

ولام عليه غيره فهو أحمق

إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه

فصدر الذى يستودع السرّ أضيق


214) بحار الأنوار: 103/35.

215) بحار الأنوار: 70/75.

216) بحار الأنوار: 381/25، نقلاً عن كتاب الإختصاص: 321.

217) بحار الأنوار: 122/2.

218) نهج البلاغة، الكلمات والحكم القصار: 162.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 3898
    اليوم : 14323
    الامس : 137658
    مجموع الکل للزائرین : 137102458
    مجموع الکل للزائرین : 94403639