الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
رمز النجاح وسرّ الحرمان

رمز النجاح وسرّ الحرمان

يمكن أن يخطر في الأذهان السؤال التالي: كيف إنّ المرحوم الشيخ‏ الأنصاري كان قادراً على الدخول إلى بيت الإمام أرواحنا له الفداء، والتكلّم معه بعد قراءة الزيارة الجامعة وإعطاء الإذن الثانوي له؟ وكيف حصل على هذا المقام ‏الشامخ والمنزلة الرفيعة؟ وكيف إنّ تلميذه الذي شاهد المنزل لم ينل ذلك‏ الشرف بعد أن قال له الشيخ: إنّك لاتستطيع أن تعثر على ذلك البيت؟!

هذا السؤال المهمّ يحتاج إلى جواب كافٍ وشافٍ، ومع الأسف الشديد يوجد اشخاصٌ لديهم الجواب السريع والفوري لهكذا أسئلة، وليس له أيّ ‏صلة وعلاقة بالموضوع، حيث يقولون أنّ اللَّه سبحانه وتعالى أراد ذلك أو أن اللَّه له - والعياذ باللَّه - صلة قرابة بهؤلاء، وليس للعمل وطلب العباد أيّ صلة تذكر ليس‏ من قريب أو بعيد!

إنّ إجاباتٍ من هذا النوع الغرض منها التنصل والهروب من الواقع ‏والمسؤولية، وليست صحيحة بتاتاً لعدم إقناع الطرف المقابل وإرشاده إلى‏الطريق القويم والصحيح.

نجيب نحن عن هذه الأسئلة من خلال الأحاديث والروايات الواردة عن ‏بيت الوحي والرسالة عليهم السلام فنقول:

إن اللَّه سبحانه وتعالى دعا عباده أجمعين إلى الكمال المعنوي والروحي، وتعهد أن يمنح الثواب والأجر الجزيل إلى كلّ من سار على هذا الطريق كما هو حال‏ من يدعو ضيوفاً، فعليه أن يؤدّي مراسيم الضيافة بأحسن وجه ممكن.

إنّ اللَّه عزّ وجلّ قد أوجد الظروف الملائمة لتقدّم وتكامل الإنسانية ودعاهم ‏إليه، والقرآن صرّح بذلك بوضوح:

«وَالَّذينَ جاهَدُوا فينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا».(200)

فوظيفة العباد أن يستجيبوا لدعوة البارئ عزّ وجل، ويسرعوا بخطوات حثيثة ومتسارعة من أجل الوصول إلى طريق الكمال الروحي والرقي المعنوي.

هذا من جهة، ومن جهة أُخرى فإنّ أرضية التكامل والرقي موجودة في‏ جميع الناس ويمكن لهم الاستفادة من هذه النعمة والفضيلة الإلهية في أيّ ‏وقت شاؤوا، ولكن إذا أرادوا أن يركنوها ويضعوها جانباً فيكون مثلهم كمثل ‏أصحاب الثروة والمال الذين يكدّسون أموالهم في البنكوك ولم يحالفهم الحظّأبداً في الاستفادة منها.

لذا ومن أجل نيل الموفقية والنجاح والسداد يجب الإستفادة القصوى من ‏جميع الامكانيات المتوفّرة، والعمل على رفع نواقص النفس حتّى نصل إلى‏ الأهداف الكبيرة والمنشودة. وهناك الكثير من الناس يهملون في جنباتهم‏ الاستعداد والقدرة على الوصول إلى الكمال المعنوي والروحي، حيث أنّ هذه ‏الأُمور لاتعني لهم شيئاً فيرحلون عن الدنيا ويهال عليهم التراب ولم يستفيدوا منها، كما هو حال الأثرياء الذين عاشوا قديماً فمن أجل الحفاظ على أموالهم ‏وثرواتهم، كانوا يخفونها في باطن الأرض، وبالتالي حرموا أنفسهم وأولادهم‏ منها.

ولكي نوضّح كيف أنّ هناك بعض الأشخاص لديهم طاقات روحيّة أكبر وقدرة أكثر ومن أين جاءوا بها نستعين بكلام منقول عن المرحوم الشيخ الحرّ العاملي والذي يعتبر من مفاخر الشيعة حيث يقول:

«من البديهي أنّ النظر والسمع وأمثالهما لاتعمل مستقلة عن العين والأُذن ‏وأمثالهما، ولكنّهما وسائل لأجل الروح، فالروح ترى وتسمع بتلك الوسائل، وبما أنّ روح الإنسان ليست لها القوى الكافية لهذا، فإنّ النظر والسمع مقيّدة ومحدودة بتلك الأسباب الماديّة وفي أُطر وحدود خاصّة.

ومن هذا المنطلق فإنّها ترى الماديات فقط وهي عاجزه عن درك المسائل‏ والأُمور الروحية، ولكن إذا زادت قوّة روح الإنسان من خلال القيام بالعبادات ‏والواجبات وترك المحرمات فإنّها تجد الطريق للقربة الإلهية، وبالتالي تقوى ‏النفس وتضحى لها القدرة على الاستفادة من الماديات والطبيعيات، لهذا سوف‏ يرى ذلك الشخص بعينه أشياء لايراها الآخرون، ويسمع بأذنيه ما لايسمع ‏غيره.

هذه القدرة والسيطرة تختلف من شخص إلى آخر، كما هي درجات القربة، فكلّ من يتقرّب إلى اللَّه سبحانه وتعالى بواسطة العبادة والرياضة تكون حالاته ‏المعنويّة والروحية أكثر، وهذا ما يجعله أقوى في درك الأشياء بالعين والأُذن ‏وأمثالهما، وليس للآخرين القدرة على دركها.»(201)

ووجود حالة الانتظار بمعناها الكامل يجعلك قادراً على الحصول على‏ هكذا أُمور.

في هذا المجال هناك شعر مضمونه:

عندما تنظر بعين البصيرة تدرك، وتشاهد ما لم تكن تراه من قبل.

إنّ المنتظرون الذين اكتووا بنار صراط الانتظار، وهذّبوا أنفسهم، وبنوها وابتعدوا عن هوى النفس، وحلقوا بالروح عالياً، لاتستطيع النفس من جذبهم‏ إليها بعد هذا التحصّن المنيع، كما نراه حاصلاً في السفن الفضائية والتي تخرج في‏ بعض الأحيان عن مدار الأرض بحيث لاتتمكّن جاذبتها من التأثير عليها، اذن فإنّك‏ إذا استطعت وبمرور الزمان من أن تخرج عن مدار هوى النفس، حينها لاتؤثر عليك ‏جاذبيّتها المغرية، وكذلك وسوسة الشيطان وحبائله.

ومن هذا يتضح أنّ أصحاب الأئمّة عليهم السلام كانوا نماذج فريدة لهذا المصداق، أمثال سلمان المحمدي رضوان اللَّه عليه، حيث تحرّر من هوى النفس وقيود المادّيات، فارتقى إلى مراتب عظيمة، وبنى أواصر محكمة مع عالم الغيب.

وجاءت قدرة سلمان رضوان اللَّه عليه نتيجة ابتعاده عن هوى النفس، وكذلك‏ نتيجة جعله ارادة ورغبة الإمام أميرالمؤمنين عليه أفضل التحية والسلام فوق إرادته ‏ورغباته، لهذا وصل إلى تلك المقامات والقدرات الخفيّة والقوة الغيبيّة، ووظّفها لصالحه.


200) العنكبوت: 69.

201) للمزيد من التوضيحات يمكن مراجعة كتاب «الفوائد الطوسية» للمرحوم الشيخ الحر العاملي: 82.

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 3166
    اليوم : 27568
    الامس : 92727
    مجموع الکل للزائرین : 134878393
    مجموع الکل للزائرین : 93288268