المكانة العظيمة للإمام المنتظر أرواحنا فداه
في كلمات أهل البيت عليهم السلام
المعرفة بالمكانة العظيمة لمولانا صاحب الأمر صلوات اللَّه عليه طريقة مؤثّرة لورود الناس في صراط الإنتظار.
أقول في توضيح الكلام : الروايات الصادرة عن أهل البيت عليهم السلام حول عظمة الإمام صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه وشخصيّته الممتازة ، لها كيفيّة مهيّجة مؤثّرة بحيث توجب التعجّب في الإنسان!
مع هذه الروايات الّتي تؤثّر في أعماق الوجود كيف لم يتعلّق قلب المجتمع به صلوات اللَّه عليه كما هو حقّه ، واختارت الغراب والحدئة عوضاً عن «طاووس أهل الجنّة»(146) ؟ لِمَ هذه الغفلات ؟! ولأيّ شيء هذه العشوات؟!
هل عمل العلماء وأعاظم الدين لهذا المسير عملاً لائقاً به ؟ هل خدم الزعماء وأهل القدرة الّذين ينسبون أنفسهم إلى الإمام صلوات اللَّه عليه خدمةً ؟ هل الأغنياء سعوا في التعاون من أجل هذه المسألة الأساسيّة الحياتيّة ؟ هل غيّر سائر الناس مقدّراتهم المحزنة بالإلتفات إلى صاحب العصر والزمان أرواحنا فداه؟
والحقّ أنّ لكلّ أقشار الملّة سهم في هذه الغفلة مع إختلافهم في هذا السهم ، ومع ذلك هناك من العلماء وغيرهم انطبعت على قلوبهم علامة الحزن كالشقايق ! وعاشوا ويعيشون مع الأسف والحسرة وخدموا ويخدمون لهذا المسير . نمضي من ذلك ، لأنّ الحقّ مُرّ ويألم قلب المتكبّرين.
أذكر هنا روايات من أهل بيت الوحي حتّى تروا أنّهم عليهم السلام كيف عبّروا عن صاحب الأمر صلوات اللَّه عليه عند ذكره ؟ وكيف سعوا في إلفات الناس إليه ؟ وكيف علّمونا التعظيم والتجليل له أرواحنا فداه؟
1 - قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم : بأبي واُمّي ، سميّي وشبيهي.
قال هذا الكلام النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لأميرالمؤمنين عليه السلام بعد ما أخبره عمّا يقع في الأيّام المثيرة للغم في غيبة الإمام المنتظر صلوات اللَّه عليه.
والآن عليكم بالتوجّه إلى ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم:
... سيكون بعدي فتنة صمّاء صيلم يسقط فيها كلّ وليجة وبطانة، وذلك عند فقدان شيعتك الخامس من السابع من ولدك ، يحزن لفقده أهل الأرض والسماء ، فكم مؤمن ومؤمنة متأسّف متلهّف حيران عند فقده.
ثمّ أطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه وقال : بأبي واُمّي سميّي وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه جلابيب النور يتوقّد من شعاع القدس.(147)
2 - قال أميرالمؤمنين عليه السلام في الإمام الغائب صلوات اللَّه عليه : نفسي فداؤه ...
هذا كلام نقله العلّامة المجلسي عن أميرالمؤمنين عليه السلام وقال : في الديوان المنسوب إليه صلوات اللَّه عليه نقل عنه أنّه عليه السلام قال :
فثمّ يقوم القائم الحقّ منكم وبالحقّ يأتيكم وبالحقّ يعمل
سميّ نبيّ اللَّه نفسي فداؤه فلاتخذلوه يا بنيّ وعجّلوا(148)
يعني في ذلك الزمان (أي بعد الحكومات الفاسدة) يقوم منكم من يحيى الحقّ ويجيئ الحقّ لكم وبه يعمل .
هو سميّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم نفسي له الفداء ، فيا بنيّ لاتتركوا عونه واسعوا في نصرته .
3 - الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام : بأبي ابن خيرة الإمآء(149) .
إنّ أميرالمؤمنين عليه السلام بعد بيانه لأوصافه الجسمانيّة لمولانا صاحب الأمر أرواحنا فداه أظهر بهذا الكلام شوقه العظيم إليه .
نقل هذه الرواية جابر الجعفي وهو من النقباء ومن أصحاب السرّ للإمامين الباقر والصادق عليهما السلام .
وقد اكتفى أميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الرواية ببيان صفاته الجميلة الجسميّة للإمام الغائب صلوات اللَّه عليه ولم يبيّن خصاله المعنويّة الملكوتيّة ، لأنّه عليه السلام كان يتكلّم مع من هو السبب لكلّ باطل وفساد في عالم الخلقة .
فالآن عليكم بالإلتفات إلى هذه الرواية :
قال جابر الجعفي قدس سره : سمعت عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال :
ساير عمر بن الخطّاب اميرالمؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن المهديّ ما اسمه؟
فقال: أمّا اسمه فإنّ حبيبي عهد إليّ أن لا احدّث باسمه حتّى يبعثه اللَّه، قال : فأخبرني عن صفته .
قال : هو شابٌّ مربوع حسن الوجه حسن الشعر ، يسيل شعره على منكبيه، و نور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإمآء.(150)
4 - الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام : بأبي ابن خيرة الإماء .
كرّر هذا الكلام من أميرالمؤمنين عليه السلام ونقله عنه الحارث الهمداني .
وبيّن في هذه الرواية أنّ ختام ظلم الظالمين بسيف الإنتقام الّذي هو في اليد المقتدرة لصاحب الأمر أرواحنا فداه . وقال أنّه يسقى الظالمين في العالم بالكأس المصبرة .
فالآن عليكم بالتوجّه إلى كلامه هذا الّذي يسرّ قلب المحزونين :
بأبي ابن خيرة الإماء - يعني القائم من ولده عليه السلام - يسومهم خسفاً ، ويسقيهم بكأس مصبرة ، ولايعطيهم إلّا السيف هرجاً .(151)
نعم في ذلك اليوم يختم حكومة أهل السقيفة ووارثيهم ، ويسقي جميعهم بكأسٍ مصبرة !
5 - الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام : بأبي ابن خيرة الإماء .
هذا كلام كرّره أميرالمؤمنين عليه السلام مرّة اُخرى في إحدى خطبه :
فانظروا أهل بيت نبيّكم فإن لبدوا فالبدوا و إن استنصروكم فانصروهم ، ليخرجنّ اللَّه برجل منّا أهل البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء لايعطيهم إلّا السيف هرجاً هرجاً موضوعاً على عاتقه ثمانية .(152)
بشّر أميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الخطبة بإصلاح العالَم وتطهيره من الملعونين وادامة الحرب ضدّ الظالمين في سطح العالم ثمانية أشهر . ثمّ يحكم عليه الصلح والمودّة .
6 - الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام : هاه ، شوقاً إلى رؤيته !
قال هذا الكلام أميرالمؤمنين عليه السلام بعد بيانه للفتن الآتية وبعد ما ذكر عن خصال صاحب الأمر أرواحنا فداه :
هاه - وأومأ بيده إلى صدره - شوقاً إلى رؤيته .(153)
لأنّه عليه السلام مع علمه المحيط بالأشياء يعلم أنّ الفتن الّتي زرع بذرها أهل السقيفة في السقيفة يستمرّ حريقها ويجري في جميع العالم حتّى الأزمنة البعيدة ، ويُظلم العالم وتدوم هذه الجرائم حتّى يظهر من عند البيت قائم آل محمّد صلوات اللَّه عليه مع ثلاث مأة عشر وثلاثة عشر رجلاً من المهذّبين الّذين رسخ في قلوبهم أمر الولاية مع عدّة من المؤمنين ، ويأخذوا إنتقام المظلومين من الظالمين .
إذا كان في يوم السقيفة رجالٌ يفدون أنفسهم لأميرالمؤمنين عليه السلام لم يقدروا الأعداء على إحراق بيت الوحي ولم يقدروا أن يضعوا الحبل في عنق أمير عالم الوجود ولايسودّون وجه القمر !
قال أميرالمؤمنين عليه السلام في إحدى خطبه :
فنظرت فإذا ليس لي معين إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن الموت ، وأغضيت على القذى ، وشربت على الشّجى ، وصبرت على أخذ الكظم ، وعلى أمرّ من طعم العلقم .(154)
نعم ، اوّل مظلومٍ في عالم الوجود يعني أميرالمؤمنين عليه السلام بعد بيانه للمظالم الّتي وردت عليه وبعد التنبيه على الفتن التّي تجري في المستقبل وبعد ذكر إسم رافع هذه المظالم قال : هاه ، شوقاً إلى رؤيته !
7 - الإمام الباقر عليه السلام : لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر .
هذا الكلام صدر ممّن هو الباقر لجميع العلوم في عالم الوجود ومن هو مطّلع على أسرار الخلقة ، الّذي الناس عنده ، من المستقبلين والماضين كمن هو موجود في حضرته .
قال عليه السلام بعد بيانه للمستقبل والمستقبلين وذكر إحدى الحوادث الّتي تقع قبل قيام القائم أرواحنا فداه :
... أما إنّي لو أدركت ذلك لاستبقيت نفسي لصاحب هذا الأمر .(155)
قال آية اللَّه الشيخ محمّد جواد الخراساني في كتابه : مقصود الإمام من ذلك الزمان حينما يخرج اُناس من «شيلا» لأخذ الحقّ .
8 - الإمام الباقر عليه السلام : بأبي واُمّي ، المسمّى باسمى والمكنّى بكنيتى . بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
روى هذه الرواية أبو حمزة الثمالي وهو من كبار أصحاب الإمام الباقر عليه السلام قال :
كنت يوماً عند الإمام عليه السلام فبعد ذهاب من كان في حضرته قال لي : يا أبا حمزة ؛ من المحتوم الّذي حتمه اللَّه قيام قائمنا ، فمن شكّ فيما أقول لقى اللَّه وهو به كافر ، ثمّ قال :
بأبي واُمّي المسمّى باسمى والمكنّى بكنيتى ، السابع من ولدي ، بأبي من يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً .
يا أباحمزة ؛ من أدركه فيسلّم له ما سلّم لمحمّد وعليّ فقد وجبت له الجنّة، ومن لم يسلّم فقد حرّم اللَّه عليه الجنّة ومأواه النار وبئس مثوى الظالمين.(156)
9 - الإمام الصادق عليه السلام : لو أدركته لخدمته أيّام حياتي .
هذا الكلام قاله الإمام الصادقعليه السلام حين ما سُئل عن ولادة صاحب الأمر أرواحنا فداه :
هل ولد القائم ؟
قال : لا ، ولو أدركته لخدمته أيّام حياتي .(157)
10 - الإمام الصادق عليه السلام : دعوت لنور آل محمّد (عليهم السلام) .
قال عباد بن محمّد المدايني :
إنّ الإمام الصادق عليه السلام رفع يداه بعد صلاة الظهر ودعا . فقلت له : جعلت فداك ؛ هل دعيت لنفسك ؟
فقال : دعوت لنور آل محمّد عليهم السلام وسائقهم والمنتقم بأمر اللَّه من أعدائهم .(158)
أنّ الأئمّة عليهم السلام كلّهم أنوار ومعرفتهم بالنورانيّة معرفة اللَّه ولكنّه على قاله الإمام الصادق عليه السلام في هذه الرواية أنّ مولانا صاحب الزمان صلوات اللَّه عليه هو نور الأنوار .
11 - الإمام الكاظم عليه السلام : بأبي من لايأخذه في اللَّه لومة لائم ، بأبي القائم بأمر اللَّه .
قال يحيى بن فضل النوفلي : أنّ موسى بن جعفر عليهما السلام رفع يداه بعد صلاة العصر وقرء دعاءً ، فسألته لمن دعيت ؟
قال :ذلك المهديّ من آل محمّد عليهم السلام ، قال : بأبي المنبدح البطن ، المقرون الحاجبين ، أحمش الساقين ، بعيد مابين المنكبين ، أسمر اللون ، يعتاده مع سمرته صفرة من سهر الليل ، بأبي من ليله يرعى النجوم ساجداً و راكعاً ، بأبي من لايأخذه في اللَّه لومة لائم، مصباح الدجى، بأبي القائم بأمر اللَّه.(159)
12 - الإمام الرضاعليه السلام: بأبي واُمّي، سميّ جدّيصلى الله عليه وآله وسلم وشبيهي وشبيه موسى بن عمران .
قال الإمام عليه السلام هذا الكلام بعد بيانه الفتن الصعبة الّتي وقعت من ابتداء غيبة الإمام المنتظر أرواحنا فداه وهذه الفتن لشدّة صعوبتها توقّع الأذكياء والأكياس في مصيدتها مع إظهارهم التديّن والإيمان وضلالتهم توجب إحاطة الغربة بالإمام المنتظر أرواحنا فداه بحيث يبكي عليه أهل السماء والأرض وكلّ إنسان حرّ.
عليكم بالتوجّه إلى الرواية الواردة عن ثامن الحجج عليهم السلام :
لابدّ من فتنة صمّاء صيلم يسقط فيها كلّ بطانة ووليجة وذلك عند فقدان الشيعة الثالث من ولدي ، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض وكلّ حريّ وحرّان وكلّ حزين ولهفان .
ثمّ قال عليه السلام : بأبي واُمّي سميّ جدّي صلى الله عليه وآله وسلم وشبيهي وشبيه موسى بن عمران عليه السلام ، عليه جيوب النور ، يتوقّد من شعاع ضياء القدس .(160)
نقل نحو هذه الرواية عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم .
«روي عن مولانا الرضا عليه السلام في مجلسه بخراسان أنّه قام عند ذكر لفظة «القائم» ووضع يديه على رأسه الشريف وقال : أللّهمّ عجّل فرجه وسهّل مخرجه ، وذكر من خصايص دولته .
ذكر المحدّث النوري طاب ثراه في كتابه «النجم الثاقب» ما ترجمته بالعربيّة : هذا القيام والتعظيم خصوصاً عند ذكر ذلك اللقب المخصوص سيرة تمام أبناء الشيعة في كلّ البلاد من العرب والعجم والترك والهند والديلم وغيرها بل وعند أبناء أهل السنّة والجماعة أيضاً .»(161)
قال العلّامة الأميني في «الغدير» : روي أنّه لمّا قرأ دعبل قصيدته على الرضا عليه السلام وذكر الحجّة عجّل اللَّه فرجه بقوله :
فلولا الّذي أرجوه في اليوم أو غدٍ تقطّع نفسي إثرهم حسراتي
خروج إمام لا محالة خارج يقوم على اسم اللَّه والبركاتِ
وضع الرضا عليه السلام يده على رأسه وتواضع قائماً ودعى له بالفرج .(162)
× × ×
نختم الكلام في المقدّمة بما رواه في «تنزيه الخاطر» : سئل الصادق عليه السلام عن سبب القيام عند ذكر لفظ «القائم» من ألقاب الحجّة صلوات اللَّه عليه ، قال :
لأنّ له غيبة طولانيّة ومن شدّة الرأفة إلى أحبّته ينظر إلى كلّ من يذكره بهذا اللقب المشعر بدولته والحسرة بغربته ومن تعظيمه أن يقوم العبد الخاضع لصاحبه عند نظر المولى الجليل إليه بعينه الشريفة فليقم وليطلب من اللَّه جلّ ذكره تعجيل فرجه .(163)
نسأل اللَّه تعالى أن يجعلنا من المنتظرين لظهوره صلوات اللَّه عليه والحمد للَّه ربّ العالمين . وما توفيقي إلّا باللَّه
مرتضى المجتهدي السيستاني
---------------------------------------------
146) البحار : 91/51 .
147) كفاية الأثر : 158 ، البحار : 337/36 و 109/51 .
148) البحار : 131/51 .
149) امّ القائم عليهما السلام هي من أولاد ملك الروم وللإتّصال ببيت الوحي عليهم السلام ألبست لباس الإماء ودخلت في جمعهنّ ، واكتسبت لياقة صيرورتها اُمّ القائم عليهما السلام . ولإرتدائها لباس الإماء وإسارتها معهنّ يقال لها في الروايات : خير الإماء .
150) البحار : 36/51 .
151) الغيبة النعماني : 229 .
152) البحار : 121/51 .
153) البحار : 115/51 .
154) نهج البلاغة فيض الإسلام : خطبة 26 ص 92 .
155) الغيبة للنعماني : 273 .
156) البحار : 394/36/241/24/139/51 .
157) الغيبة للنعماني : 273 ، البحار : 148/51 . نسب الرواية في «عقد الدرر» وكذا غير هذه الرواية المرويّة عن أبي عبداللَّه الصادق عليه السلام إلى أبي عبداللَّه الحسين عليه السلام ، وهو لايصحّ بدليل سند الرواية ، وعلّة إشتباهه إشتراك الإمامين عليهما السلام في الكنية . إرجع : «الصحيفة المباركة المهديّة» .
158) فلاح السائل : 170 .
159) بحار الأنوار : 81/86 .
160) الغيبة للنعماني : 180 ، كمال الدين : 370 ، البحار : 152/51 ، إلزام الناصب : 221/1 .
161) إلزام الناصب : 271/1 .
162) الغدير : 361/2 . نقل العلّامة المجلسي رحمة اللَّه عليه نحو هذه الرواية في بحار الأنوار : 154/51 .
163) إلزام الناصب : 271/1 .
بازديد امروز : 29272
بازديد ديروز : 98316
بازديد کل : 134220963
|