الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
نظام العالم في ظلّ عصر الظّهور

نظام العالم في ظلّ عصر الظّهور

  من المؤكّد فإنّ هناك الكثير من الأشخاص الّذين أنشأوا المشاريع والبرامج الإقتصاديّة ، وهناك آخرون إنبروا للدّفاع عن الحقوق الإنسانيّة والعمل على نجاتها ، واُريقت - على طول تاريخ - دماء الملايين من النّاس لإزالة آثار الظلم والإضطهاد عن الأرض ، والصراع من أجل توفير حياة أفضل لهم ، ولكن واقع الحال ظلّ على ما هو عليه ، فلم تتحسّن الظروف العامّة للنّاس في العالم ، ولم تسمع إغاثة الملهوف ويعان المستضعف ، وحسب القرائن الموجودة فليس هناك أيّ علائم للنّجاة ، وسوف يظلّ الواقع هكذا ، حتّى يأتي اليوم الّذي يصلح فيه حال الإنسانيّة لا محال .

  ولكن من وجهة نظر العارفين والمطّلعين - ومن معهم سرّ العالم وكيفيّة ابتداء خلق الإنسان ومراحلها ، والّذين على علم حتّى بالذّرّات الوجوديّة لكلّ إنسان ، أعني أهل بيت النبوّة عليهم السلام - فإنّ البشريّة سترى السعادة الحقيقيّة والنّجاة عندما تحكم من قبل قيادة صحيحة قادرة على معرفة جميع أسرار وجود الإنسان وخلقته والحاجات والإحتياجات الضروريّة والواقعيّة له .

  وليس ترفاً فكريّاً أن نقول : إنّ العالم سيبقى يراوح في مكانه ويعيش حياة غير مستقرّة ، مادام هناك حكّام عاجزون ليس عن معرفة الآخرين فحسب ، وإنّما عاجزون حتّى عن معرفة أنفسهم ، وستبقى الثقافة الظّالمة وغير العادلة هي السائدة والحاكمة .

  ولكن كما أشارنا سابقاً فإنّ هذه الحالة زائلة ، فطبق المبادئ الأوّليّة لعقيدتنا ، فإنّ هناك حكومة عادلة وصالحة ستحكم العالم بأكمله ، ولديها كلّ عوامل القدرة والإقتدار ، ولها قدرات خارقة للطّبيعة لتنفيذ برامجها وقوانينها ، وتجعلها غير مضطرّة إلى سلوك طرق غير مشروعة ومحرّمة من قبيل الظّلم والجور وسفك دماء الأبرياء ، وبالتّالي إكمال النّقص الحاصل في منظومتها .

  إنّ النّظريّة الواردة عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، فهي ترى أنّ نجاة الإنسانيّة وإنقاذها ممّا هي عليها لايتمّ إلاّ في حالة واحدة وهي : إنّ أولياء اللَّه - الّذين لهم قدرة الولاية وقدرات تفوّق قدرات البشر - يجب عليهم إمساك زمام الاُمور ليهدوا النّاس بما لديهم من علوم ومعارف حقيقيّة وصحيحة ، فتكون المحصّلة النّهائيّة إشباع حاجات الإنسانيّة وتلبية مطالبها المشروعة ، وإلاّ سيظلّ الفساد ويدوم ، تاركاً العالم يموج ويغوص في بحر من المصائب والويلات .

  قال الإمام الصّادق عليه السلام في إحدى الزّيارات الواردة عنه في يوم عاشوراء ، يعلم بها أحد أصحابه وهو عبداللَّه ابن سنان ، فيقول عليه السلام : قل :

 أَللَّهُمَّ إِنَّ سُنَّتَكَ ضائِعَةٌ ، وَأَحْكامَكَ مُعَطَّلَةٌ ، وَعِتْرَةَ نَبِيِّكَ فِي الْأَرْضِ هائِمَةٌ . أَللَّهُمَّ فَأَعِنِ الْحَقَّ وَأَهْلَهُ ، وَاقْمَعِ الْباطِلَ وَأَهْلَهُ ، وَمُنَّ عَلَيْنا بِالنَّجاةِ ، وَاهْدِنا إِلَى الْإيمانِ ، وَعَجِّلْ فَرَجَنا ، وَانْظِمْهُ بِفَرَجِ أَوْلِيائِكَ ، وَاجْعَلْهُمْ لَنا وُدّاً ، وَاجْعَلْنا لَهُمْ وَفْداً .(الصحیفة المبارکة المهدیة : 166)

  فعلى هذا الأساس ، فإنّ خلاصنا ونجاتنا يتحقّق في ظلّ الفرج والظّهور لأولياء اللَّه ، وتحقّق حكومة العدل لأهل الوحي والرسالة عليهم السلام، ففي ذلك الطريق نجاتنا وتنظيم اُمورنا ونجاح أعمالنا ؛ لأنّه لايمكن في حال من الأحوال أن يعيش المجتمع الإنساني في رغد ورخاء وتتفتّح آفاق الحياة أمامه ، مادام قادته ومنقذوه - الّذين هم إكسير الحياة - يعيشون في الغيبة والألم .

  إذن ؛ يجب - كما جاء في الزيارة - التضرّع والطلب من البارئ عزّ وجلّ أن يجعل نجاتنا وخلاصنا بظهور أوليائه ، وأن ينظم أمورنا ويجعلنا من أنصار أوليائه الّذين بيدهم إنقاذ الإنسانيّة من مختلف الويلات والمصائب ، والّذين سيأخذون على عاتقهم ترتيب وتنظيم الأوضاع المضطربة التي نعيشها اليوم .

  وعلى ضوء ما ذكرناه ، يجب الإذعان أنّ الكون ومع أنّه يجري ويسير وفق الأسباب الطبيعيّة ، ولكن ليس معناه ترك جميع الأمور بيد الأسباب وعدم رؤية الآثار الّتي هي ماوراء الطبيعة ؛ بل إنّ العوامل الغيبيّة لها دور فعّال ومهمّ في وقوع الأفعال والأعمال ، ولها إحاطة كاملة بالأسباب الظاهريّة .

  ومع أنّ ظاهر العالم مقرون ومرتبط بالعوامل الطبيعيّة ومجهوليّة وجود دور لعالم الغيب لدى عموم النّاس ، وعدم توجّههم لذلك ، لكن هذا الأمر لايدوم كثيراً ؛ حيث أنّ عصر الظّهور سيكون عصر تجلّى العوامل الحقيقية لعالم الخلق ، ونتيجة ذلك فإنّ الإنسانيّة ستتّجه صوب العوامل الغيبيّة ، وتضع جانباً تعلّقاتها وارتباطاتها بالأسباب والعوامل الطبيعيّة ، وستطّلع بشكل جليّ على دور وتأثير عالم الغيب في عالم الوجود .

  إنّ إتّجاه البشريّة صوب عالم الغيب في ذلك العصر العظيم لايبعث على تقدّمهم العجيب والسريع في معرفة الأمور والقضايا المعنويّة فحسب ؛ وإنّما سيخطون خطوات ويقفزون قفزات نوعيّة في الجوانب الطبيعيّة ، بحيث تكون الحضارة الفعلية قبالها أمراً تافهاً لايستحقّ الذكر .

  ونظراً لهذا التطوّر الّذي يحصل لهم في الأمور الطبيعيّة ومعرفتهم وعلمهم بالحقائق الكونيّة ، فإنّهم لايعتقدون أنّ العالم هو عالم الأسباب ، والدّنيا هي دنيا الوسائل الماديّة ؛ بل أنّهم ينظرون إلى العالم نظرة اُخرى نتيجة معرفتهم الواسعة بالمقام السّامي والشامخ والنوراني للإمام بقيّة اللَّه الأعظم أرواحنا لمقدمه الفداء ، ويعتقدون أيضاً أنّ الإمام عجّل اللَّه تعالى فرجه هو أمير وحاكم هذا العالم ، وأنّ ولايته مبسوطة في جميع الأمور الطبيعيّة وغير الطبيعيّة ، وهذا يحصل بفضل وعناية وألطاف البارئ عزّ وجلّ.

 

 المصدر : موقع «انجمن زینت هفت آسمان»

نقلا عن کتاب «دولة الإمام المهدی عجّل الله تعالی فرجه : 10»

زيارة : 3087
اليوم : 0
الامس : 78852
مجموع الکل للزائرین : 131444105
مجموع الکل للزائرین : 91128351