الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
2 - الدعاء والتضرّع

2 - الدعاء والتضرّع

من الوظائف المهمّة لتحكيم أواصر اليقين في القلب كثرة الدعاء والتضرع والتوسل إلى الساحة القدسية للبارئ عزّ وجلّ، يقول الإمام مولى الموحدين علي‏ عليه السلام في إحدى خطبه والتي تعرف بخطبة «المعروفة»:

عِبادَ اللَّهِ سَلُوا اللَّهَ الْيَقينَ.(223)

إذن، فإنّ المقصود من هذا الحديث وبقية الأحاديث الواردة عن بيت العصمة والطهارة عليهم السلام هو توجيه الإنسان إلى‏ الطلب من اللَّه تعالى لزيادة يقينه والتعريف بالطرق والكيفية في تحصيله.

إنّ الإنسان معرض في كلّ لحظة للانزلاق في هاوية الشك والإنجراف وراء شهواته، فيذهب يقينه وبالتالي تكون ‏النتيجة ضعف الإيمان والعقيدة، وتصبح غائبة عن حياته؛ لذا فإنّ المعصومين‏ عليهم السلام قد أوصوا بالدعاء الصادق الذي يخرج‏ من اعماق القلب وبحرقة لتحصيل حالة اليقين، ومما لاشك فيه فإنّ حالة اليقين القاطع الذي وصل إليه الصالحون‏ والأولياء جاء نتيجة الدعاء والتوسل بصدق وإخلاص للَّه جلّ وعلا.

وبالطبع فإنّ الإنسان الذي تخلص من الوساوس والشكوك ، ونال درجات اليقين العالية مثله مثل ذلك الإنسان الذي نجا من الكفر، فكتبت له حياة جديدة وخرج من ظلمات الجاهلية والكفر ودخل عالم النور والهداية.

قال اللَّه عزّ وجلّ في محكم كتابه العزيز:

«اَوَ مَنْ كانَ مَيتاً فَاَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها».(224)

فنرى أنّ هذه الآية الشريفة قد وصفت أصحاب الشك والتردد بأنّ لهم قلوباً ميتة بينما وصفت الذين دخلوا إلى عالم‏ اليقين بأنّ لهم قلوباً حيّة، فهل من المعقول أن يتساوى الفريقان الفريق الذي أصاب قلبه الشك وفريق أصحاب اليقين؟

وأيضاً يمكن التأكيد على حقيقة من خلال هذه الآية والآيات الاُخرى الواردة في هذا الموضوع، وكذلك الأحاديث‏ الشريفة الواردة عن أهل البيت‏ عليهم السلام، بأنّ الشك والتردد يجعل قلب الإنسان أسود، بينما اليقين يجعل قلب صاحبه نورانياً، وبعبارة أكثر دقة فإنّ من أكثر القلوب نورانيةً يعود لمن وصل إلى اليقين المطلق.

قال الإمام الباقر عليه السلام:

لا نُورَ كَنُورِ الْيَقينِ.(225)

فهل ياترى إنّ الأشخاص الذين أصابتهم صاعقة التردد والوسواس مثل تلك الفئة التي تنوّر قلبها بنور اليقين؟! وهل إنّ‏ الشخص الذي فقد قيمه ووجوده نتيجة الشك والتردد مثل الشخص الذي تلالأ قلبه بإشعاع اليقين ويتمتع بحياة وقوى ‏روحية ومعنوية جديدة؟!

إذن، فإذا أردنا أن يكون قلبنا محلاًّ للأنوار اليقين ويسطع به فلابد أن ندعو اللَّه عزّ وجلّ دوماً أن يمنحنا اليقين الصادق؛ لأنّ‏ اليقين إذا كان صادقاً فإنّه لن يتأثر بالامتحانات الإلهية الكبيرة فحسب، بل يزيده قوة واستحكاماً.

وعليه فإنّ صاحب اليقين الصادق تراه قوي الشكيمة والعزيمة في الامتحانات، ويقف كالطود ولن يضعف أو تبدو عليه ‏علامات الفشل.

فهاهم أئمّتنا الأطهار عليهم السلام علمونا كيف ندعو في حضرة البارئ عزّ وجلّ وآداب الوقوف بين يديه، وماهي الموارد التي‏ يجب أن نطلبها من البارئ عزّ وجلّ، فنقرأ في الدعاء الوارد عن الإمام الصادق عليه السلام في تعقيب صلاة الظهر قوله:

اَسْأَلُكَ حَقايِقَ الْاِيمانِ وَصِدْقَ الْيَقينِ فِي الْمَواطِنِ كُلِّها.(226)

إنّ التعبير الذي ذكره مولانا صادق أهل البيت‏ عليهم السلام في تعقيب صلاة الظهر وضح بشكل صريح أنّه لابدّ للإنسان أن يتمتع‏ باليقين القوي والصادق حتّى في أصعب الظروف وأحرجها إلى حدّ أن لاتزلّ قدماه فيشكل لديه روحاً لاتهزها تلك‏ الامتحانات ولاتغيّرها قيد أنملة، وتمتاز بلذة الوصال مع المحبوب الحقيقي ونكون راضية برضاه مهما كانت الظروف‏ التي يمر بها.

إنّ الحصول على هذا اليقين ليس بالأمر السهل، وإنمّا يتأتّى عن طريق كثرة الدعاء الخالص والرياضات الروحية؛ لأنّ ‏اليقين كما قلنا هو من صفات وخصال أولياء اللَّه ولن يحظى به إلى شخص.


223) بحار الأنوار: 293/77.

224) الأنعام: 122.

225) بحار الأنوار: 165/78.  

226) بحار الأنوار: 71/86.

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2681
    اليوم : 3312
    الامس : 97153
    مجموع الکل للزائرین : 131671474
    مجموع الکل للزائرین : 91339838