ذهاب اليقين

عند الرجوع إلى التاريخ والإمعان في قراءة صفحاته سوف نرى الكثير من الأشخاص الذين كان لديهم أعلى مراتب‏ اليقين والاعتقاد، ولكنّهم عانوا من مشكلة الثبات والاستقامة على الطريق، وبالنتيجة فقدوا ذلك اليقين والاعتقاد والإيمان لا لشي‏ء سوى أنّهم ارتكبوا المعصية والإثم.

وأحد اُولئك الأشخاص هو «الزبير» فقد كان هذا الرجل من المدافعين عن الإمام أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام وأهل بيته ‏عليهم السلام ‏من بعد استشهاد الرسول الأعظم‏ صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من خلص أصحاب الإمام أميرالمؤمنين‏ عليه السلام وأشجعهم موقفاً، ولكنه تغير وانتابته وساوس الشيطان عندما ترعرع ابنه عبداللَّه، فتبدل يقينه إلى شك وتردد وفي النهاية عاقبته أن يشهر السيف بوجه‏ سيد الوصيين وإمام زمانه الإمام أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام.

فقال عنه الإمام علي عليه السلام:

ما زالَ الزُّبَيْرُ مِنَّا اَهْلَ الْبَيْتِ حَتَّى نَشَأَ بَنُوهُ فَصَرَفُوهُ عَنَّا.(220)

ولهذا السبب علينا دوماً التضرع والتوسل باللَّه عزّ وجلّ في أدعيتنا وزياراتنا أن يزيد من يقيننا وأن يثبتنا على الحق والولاية وأن لايملأ قلوبنا الشك والتردد.

فنقرأ في دعاء يوم الجمعة الوارد عن مولانا الإمام الصادق عليه السلام:

اَللَّهُمَّ اِنّي اَسْأَلُكَ ايماناً صادِقاً وَيَقيناً لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ.(221)

ومن هنا فإنّ إيجاد مثل هذه التغيّرات في نفس الإنسان دليل واضح على وجود إمكانية تبديل اليقين بالشك أو النفي‏ والإنكار، وذلك نتيجة ارتكاب المعصية والإثم.

وأمّا الذين وصلوا إلى مرحلة اليقين فعليهم الإلتفات إلى نقطة مهمة، وهي أنّ النفس الأمارة بالسوء تمتلك قوّة وتأثيراً كبيرين، وحال غفلتهم تفعل فعلتها حيث إنّها قادرة على سلب اليقين منهم وبالتالي الابتلاء بالكفر والإنكار، وعلى ذلك‏ يجب الدعاء من البارئ عزّ وجلّ أن يزيد من يقينهم وإيمانهم حتّى لاتزلَّ أقدامهم.

وعلى أي حال، فإنّ القلب الذي يشعّ نوراً نتيجة اليقين قد يتعرّض إلى فقدان ذلك النور، ويتّجه صوب حالة اخرى، وكلّ ‏ذلك عاد إلى عملية ارتكاب المعصية.

وعليه يجب أن لايغتر أصحاب الصفات والخصال المعنوية ويعتريهم العُجب والغرور؛ لأنّ البارئ سبحانه وتعالى الذي ‏منحهم ذلك لقادر على سلبه.

---

220) بحار الأنوار: 347/28.

221) بحار الأنوار: 42/90.