الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
آثار التوفيق في تطور الإنسانية

آثار التوفيق في تطوّر الإنسانيّة

إنّ الفرد منّا يحتاج بكل تأكيد إلى العناية الربانية لكي يقوم بأعمال وأفعال الخير ومن غيرها فسوف تفشل تلك الأعمال‏ وتصطدم بعقبات وتفقدها سبل النجاح والإستمرار، ومن منطلق هذه القاعدة يجب على الفرد الذي يريد فعلها التوسل‏ والتضرع للَّه جلّ شأنه لكي تتدخل العناية الربانية في توفير أسباب ذلك.

قال الإمام الجواد عليه السلام:

اَلْمُؤْمِنُ يَحْتاجُ اِلى تَوْفيقٍ مِنَ اللَّهِ وَواعِظٍ مِنْ نَفْسِهِ وَقَبُولٍ مِمَّنْ يَنْصَحُهُ.(187)

وحسب مقولة الإمام عليه السلام فإنّ التوفيقات الإلهية هي واحدة من الحاجات الأساسيّة لكل فرد مؤمن حتى يستطيع من‏ خلالها والعزيمة التي يمتلكها الوصول إلى مبتغاه.

فنقول في الدعاء الذي يستحب قراءته في أثناء التشرف في زيارة العتبات الطاهرة والمشاهد المشرفة لأئمّتنا الأطهار عليهم السلام:

اللَّهُمَّ صِلْ ... نِيَّتي بِالتَّوْفيقِ.(188)

لأنّ التصميم والنية في القيام بالعمل الصالح الذي يرضاه اللَّه تعالى مع عدم وجود التوفيق الإلهي ليس له بالغ الأثر ولايفتأ إلاّ أن يكون ظاهرياً، ومن هنا لابدّ أن تكون النية التي يبيتها الإنسان في قرارة نفسه والتصميم على فعل الخير مصحوباً بطلب التوفيق الرباني حتى يعطي نتائجه ويكون له معطياته الإيجابية، وإلاّ لن يترتب عليه أي أثر في ميزان الأعمال، ولكن‏ يستفيد من الأجر والثواب المترتب على النيّة والتّي وعد اللَّه عزّ وجلّ بها.

وحسب ذلك؛ فإنّ التوفيق الإلهي واحد من الإحتياجات التي ينشدها كلّ فرد مؤمن؛ باعتبار أنّ الإرادة والقدرة على فعل‏ الخير وحدهما غير كافيين على إيجاد العلة التامة لتحقيق الفعل، وإنمّا هناك عامل هو الأقوى - مضافاً إلى الإرادة والقدرة - وهو التوفيق الإلهي، ففي حالة عدم إسعاف الفرد وغاب عنه التوفيق الإلهي فلن يكون هناك أي إمكانية للقيام بالأفعال ‏الصالحة التي يرتضيها الخالق المعبود.

يقول اللَّه جلّ وعلا في إحدى آياته لنبيّه شعيب: أن خاطب قومك بالقول:

«اِنْ اُريدُ اِلَّا الْاِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَ ما تَوْفيقي اِلاَّ بِاللَّهِ».(189)

وهذه الآية دليل على أنّ الإستطاعة والقدرة لايكفيان في القيام بالأعمال، وإنمّا التوفيق الإلهي هو الأساس والضرورة، وأنّه العامل الذي من شأنه إكمال القدرة والقوّة لدى الإنسان، وإلاّ فإنّ قدراته تقف عند حدّ محدود ولن تكون وحدها العصا السحرية للأمور والقيام بالصالحات والباقيات.

وعلى أساس هذا البيان، فإنّ الأشخاص العاديين هم ليس وحدهم من تشملهم هذه القاعدة، وإنمّا حتى الأنبياء والأولياء والمقرّبون فإنّهم لن يوفقوا في القيام بأي عمل صالح مالم يكون هناك توفيق إلهي يشمل حالهم.

إنّ الإعتقاد والإلتفات إلى هذه المسألة، وهي أنّ الجميع يجب أن يتمتعوا بالتوفيق الإلهي في القيام بأعمال الخير والصلاح، لا أنّه يؤدي في النتيجة إلى غرس هذا الموضوع في النفوس ويجعله من الضرورات التي لابدّ الإيمان والاعتقاد بها فحسب، بل إنّ له أثراً مهمّاً وهو إبعاد النفس عن الغرور والطغيان والمنّة.

إنّ أولياء اللَّه قد أدركوا هذه الحقيقة وعلموا أنّ كلّ فعل خير يقومون به نابع من التوفيقات الإلهية، فلهذا تراهم في قمة التواضع والتذلل والشكر له.

وعادة ما يزداد إخلاص وتوفيقات هؤلاء الذين يمتكلون هذه الروحية والخصلة والإعتقاد، فتخلق لديهم روحاً متواضعة خالية من التكبر والاعتلاء والنظرة الدونية إلى الآخرين.

النفس تبكي على الدنيا وقد علمت

أن السلامة فيها ترك ما فيها

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها

إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخير طاب مسكنها

وإن بناها بشر خاب بانيها

أموالنا لذوي الميراث نجمعها

ودورنا لخراب الدهر نبينها

وكم من مدائن في الآفاق قد بنيت

أمست خراباً وأفنى الموت أهليها

أين الملوك التي كانت مسلطنة

حتى سقاها بكاس الموت ساقيها

لا تركنن إلى الدنيا وزخرفها

والموت لا شك يفنينا ويفنيها

واعمل لدار غدا رضوان خازنها

والجار أحمد والرحمن ناشيها

قصورها ذهب والمسك طيبها

والزعفران حشيش نابت فيها

أنهارها لبن مصفى ومن عسل

والخمر يجري رحيقا في مجاريها

والطير تجري على الأغصان عاكفة

تسبّح اللَّه جهرا في مغانيها

فمن يشتري الدار في الفردوس يعمرها

بركعة في ظلام الليل يحييها


187) تحف العقول للمرحوم الحرّاني: 457.

188) بحار الأنوار: 162/102.

189) هود: 88.

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2760
    اليوم : 0
    الامس : 76107
    مجموع الکل للزائرین : 131438614
    مجموع الکل للزائرین : 91125606