الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
الهمّة العالية

   الهمّة العالية

إذا أراد الإنسان وعزمه للوصول إلى الأهداف السامية والمتعالية فيجب عليه التحليق في عالم المعنويات الوسيع واللامتناهي‏ والسير بهمة رجال الإرادة، ويضع قدمه في فضاء عالم المعنى، كما تحلق الطيور بجانحيها في اُفق السماء الرحب، فمنذ البداية نجد أنّ الرجال من ذوي أصحاب الههم القوية يحلقون من خلال إرادتهم نحو السماء النورانية لعالم المعنى وينفصلون عن عالم‏ الماديات.

وقد أوضح أئمّة الدين تلك الحقيقية في جملة قصيرة ولكنها عظيمة المحتوى والمعنى فقد جاء في الأثر:

اَلْمَرْءُ يَطيرُ بِهِمَّتِهِ.(46)

فكلّما كانت همّة المرء عالية فإنّه يحلق في عالم المعنويات أكثر والتطلع إلى تحقيق أروع المنجزات والعكس هو الصحيح، فإنّ الفرد الذي لايحمل همة عالية فإنّه لن يتمكن من التحليق حتى لمسافة قصيرة والنتيجة تكون السقوط في ‏أقرب الموانع.

وعلى هذا الأساس فإذا كان الإنسان يحمل في جنباته هدفاً كبيراً ولكنّه ليس له الهمة العالية في تحقيقه ولم يسع وتضمحل‏عنده روح الاندفاع له، فلن يستطيع من نيله بأي صورة كانت.

وقد تمتع أولياء اللَّه واوصياؤه بإرادة قوية وهمة عالية في طريق الوصول إلى‏المقامات والمراتب السامية، وكانت لديهم الاستقامة والصبر الجميل في منهجهم المعنوي وتجنب كلّ أنواع الضعف‏ والتراخي.

إنّ الهدف العالي والمقصد العظيم والهمة الكبيرة هي من الصفات والخصائص البارزة لهؤلاء العظام.

لاتنظرن إلى العباس من صفر في السن

 وانظر إلى الجد الذي شادا

إنّ النجوم نجوم الأفق أصغرها

في العين أذهبها في الجو إصعادا

ولانغالي إذا قلنا إنّ قدر الرجال في حركتهم نحو الأهداف الكبيرة تكون بقدر همّتهم.

فقد ورد عن أميرالمؤمنين علي ‏عليه السلام أنّه قال:

قَدْرُ الرَّجُلِ عَلى قَدْرِ هِمَّتِهِ.(47)

لأنّ الهمّة العالية تجلب للإنسان قيمة مثالية وعالية لايضاهيها شي‏ء، ولهذا نرى أنّ عظماءنا والذين عرفوا بأنّهم أصحاب أسرار أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام والذين بذلوا الغالي والنفيس من أجلهم، قد حملوا أعلى درجات الهمة ومنتهاها، والإ فكيف‏ وصلوا  إلى تلك المقامات والإنتهال من معينهم الرقراق والعذب؟!

حيث كانت نفوسهم بشكل تجعلها قادرة على استيعاب الطاف أهل البيت‏ عليهم السلام فتركت آثارها الإيجابيّة فرفعتهم إلى دور المتحكم في الأبعاد الأخلاقيّة فجنّبتهم أيّ نوع من التكبر والاستعلاء؛ باعتبار أنّ كلّ مقام كانوا يصلون إليه يفكرون ‏ويطمحون للحصول على مقام أعظم واكبر منه.

ولكن الشخص الذي يرى في منامه رؤيا أو حادثة فيها سلوك معنوي أو يأخذ حاجته المادية من الأئمّة المعصومين ‏عليهم السلام‏ فيضع نفسه في مصاف الأولياء المقرّبين فهل ياترى مثل هذا الشخص يتمتع بهمة عالية؟

أو ذلك الشخص الذي يسمع بذلك كله ثم يعمل على إنكاره جملة وتفصيلاً فهل إنّ مثل هذا الشخص له همّة عالية؟

بالتأكيد أنّ هذا الصنف من الرجال افتقدوا لأدنى مقومات الهمّة العالية وجعلوا من المواقف تلك دلالة على هبوط مستواهم العلمي والاجتماعي وتدني فضيلتهم ومنزلتهم.

يقول الإمام أميرالمؤمنين علي‏ عليه السلام:

مَنْ صَغُرَتْ هِمَّتُهُ بَطَلَتْ فَضيلَتُهُ.(48)


46) بحار الأنوار: 380/18.

47) شرح غرر الحكم: 500/4، بحار الأنوار: 14/78.

48) شرح غرر الحكم: 210/5.

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2701
    اليوم : 62113
    الامس : 89459
    مجموع الکل للزائرین : 131410638
    مجموع الکل للزائرین : 91111612