الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
المقدّمة

بسم الله الرحمن الرحیم

 

المقدّمة

   من المؤكّد أنّ الفكر الثاقب والرؤية الصائبة والصحيحة، هي من الخصال المهمّة والنادرة للشخصيّات العظيمة والناجحة، فاذا رغبت عزيزي القارئ السير في طريق هؤلاء، والوصول إلى السعادة المنشودة، ونيل النجاح في اُمورحياتك سواء العملية منها أو العلميّة، فما عليك سوى الإستفادة المثلى والقصوى من قدرة التفكير، وإيجاد رؤى بعيدة المدى وتحديد الاتّجاه الواضح.

   ويمكنك من خلال الإستعانة بالأفكار والرؤى الإيجابيّة التغطية على جميع النقائص الموجودة في شخصيّتك، ومن‏ثَمَّ الوصول إلى ما تطمح إليه من أهداف رفعية وسامية، فتجعل مجتمعك يتناغم، ويعيش حالة من الأفكار والرؤى القيّمة والكبيرة التي تسيره نحو عالم من الرقي والتطور والصلاح والإبداع.

   وكلّما أراد الإنسان الحصول على مساعدة فكريّة واستشارة تهديه وتأخذ بيديه إلى الجادّة الصحيحة، فلابدّ له من‏ استشارة ذوي الخبرة والإطّلاع والعقد والحلّ، ومَن يحملون جميع مقوّمات الإستشارة والإستفادة من تجاربهم ورؤاهم‏ وأفكارهم الناجحة والبناءة.

   ويمكن للفرد التعرّف على الأهداف القيّمة والعظيمة، وذلك بواسطة إستشارة هؤلاء الشخصيّات، وأن يأخذ منهم‏ أفضل الأهداف وأكثرها نجاحاً؛ باعتبار أنّ مستقبله مرهون بهدف يتطلب الكثير من العطاء والبذل والتضحية، ومن دونه الايمكن بحال من الأحوال تحققه والوصول إليه.

   وبطبيعة الحال فإنّ الإنسان يستطيع ومن خلال الإرادة القويّة والعزيمة الراسخة والفولاذية التي حصل عليها نتيجة الاُمور التي تحققت في عملية التطوّر النفسي، والموفقيّة في التخطيط ورسم المعالم والآليات التي من شأنها السير مع‏ الهدف الذي وضعه أمامه بشكل متوازٍ، الوصول إلى الهدف المنشود وبسرعة وزمن قياسي؛ لأنّ التخطيط والتنظيم‏ لبرنامج صحيح يقرب المسافات، ويسهّل الاُمور والقضايا، ويجعلها كتاباً مفتوحاً.

   ويمكن إستغلال الوقت والفرص المتاحة في مجالسة النخب والصفوة والإستفادة منهم، إذ إنّ مجالستهم ومصاحبتهم‏ تظفي على الإنسان نوعاً من التسامي، وتزرع في داخله روحاً جديدة مفعمة بالأمل والعطاء والحبّ والخير، وتزيد من‏ القدرات الروحيّة والمعنويّة.

   إنّ الإستفادة من التجارب القيّمة التي حصل عليها هؤلاء الرجال العظماء طوال مسيرتهم في الحياة تشكل لدى‏ الشخص رادعاً قويّاً لكبح جماح نفسه الأمّارة بالسوء، والحثّ على السير بخطئٍ ثابتة صوب النجاحات الفرديّة والإجتماعية.

   ولايختلف إثنان أنّ الإنسان لو استطاع السيطرة على نفسه، واستعان في حياته بالصبر والإستقامة فسوف يجمع قواه‏ الروحيّة في مكان واحد، ويرفع من قدراته المعنوية؛ لأنّ الصبر يوجد حالة من القوّة والمناعة أمام أهواء النفس وإغراءتها وشهواتها وملذّاتها، وتكون المحصلة النهائيّة هي تطهير الباطن والسريرة من الدنائس والرذائل، فينال بذلك مقام‏ الإخلاص، الذي هو سرّ من أسرار القدرة الإلهية.

   وفي هذه الحالة يضي‏ء قلب الفرد بالبركات السبحانيّة، والفيوضات الربّانيّة، فتجري ينابيع الحكمة والمعرفة علی لسانه، والتي حصل عليها نتيجة الإرتقاء إلى مصاف الدرجات والرتب المتعالية والتقرّب الإلهي.

   ونقول بكلّ تأكيد: إنّ الشخص الذي يحلق بجناحيه عالياً طالباً العلم والمعرفة، ستزداد قيمته، وترتفع مقاماته، ويعلو شأنه، ويستضي قلبه بالأنوار المشعّة لعلوم ومعارف أهل بيت الوحي والرسالة عليهم السلام، ويكون نور هداية لمجتمعه، فينشر الضياء في كلّ أوساطه وزواياه، ويعرفهم على حقيقية هذا المذهب الحق الذي يهب الحياة الكريمة، ويضمن السعادة الإنسانيّة، والفوز في الدارين، فتنجلي قلوبهم، وتحيا من جديد.

   وينبغي للإنسان العمل بكلّ إمكانيّاته، وأن يسعى بجدّ واجتهاد للقيام بمثل هذه الأعمال والنشاطات والفعاليّات، لكي‏تشمله التوفيقات الإلهيّة؛ لأنّ التوفيق يحتاج بالإضافة إلى الدعاء إلى السعي المتواصل والجهد الحثيث.

النفس قوس والعزيمة سهمها

فإرم الرجى من هذه الأقواس

وأضئ حياتك بالمعارف إنّما

هي في ظلام العمر كالنبراس

واجعل أساس النفس حبّ الله إذ

لا خير في بيت بغير أساس

   ويجب الإلتفات إلى نقطة وهي: إنّنا لن نصل إلى قافلة الحقيقة والحقّ قطعاً ما لم نظفر بالتوفيق الإلهي، ولأجل الوصول‏ إليها نحتاج أن نقطع شوطاً كبيراً في مراحل حياتنا، وتحقّق جملة من الاُمور والقضايا التي منها عدم الخوف في اللَّه من لومة لائم، والتحرّك صوب المبادئ والقيم التي نحملها عن وعي وعقيدة دون الإكتراث لما يقال أو يثار، وشدّ العزائم والهمم‏ في طلب العلم والمعرفة لكي نصل إلى مرحلة اليقين، التي هي من الصفات والمؤهلات التي يتمتّع بها أولياء اللَّه المقرّبون‏ والصالحون.

* * *

   وبما أنّ طرح مثل هذه البحوث بأيّ اُسلوب وترتيب كان يكون نافعاً ومفيداً للمجتمع، ويجعله مرتعاً خصباً للإنفتاح‏ على آفاق رحيّة، ومن هذا المنطلق فقد ارئى المؤلّف أن يكتب في هذا الباب مستنداً في ذلك إلى الأحاديث والروايات‏ الواردة عن أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين وخاصّة صاحب ولاية الملك والملكوت، مولانا الإمام أمير المؤمنين علي بن‏ أبي طالب‏ عليه السلام والتجارب التي مرّ بها كبار علماء الطائفة الشيعة الحقّة ويضعها تحت تصرف عامّة الناس.

نأمل أن يحقّق هذا السفر المتواضع بعض الأغراض والأهداف التي ألّفه من أجلها، ويفتح الباب على مصرعيها أمام كلّ من‏ يطلب الحقّ والحقيقة، ويساعد كلّ من يريد الوصول إلى التكامل الروحي والمعنوي، وذلك بألطاف البارئ عزّوجلّ وعناية أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام.

 

   السيّد مرتضى المجتهدي السيستاني

 

 

 

 

    زيارة : 3535
    اليوم : 18589
    الامس : 72005
    مجموع الکل للزائرین : 129185798
    مجموع الکل للزائرین : 89701760