الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
قضيّة للرقعة إلى مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه

قضيّة للرقعة

إلى مولانا صاحب الزمان أرواحنا فداه

    قال المحدّث النوري رحمه الله في كتاب جنّة المأوى :

    قصّة العابد الصّالح التقيّ السيّد محمّد العامليّ رحمه الله ، ابن السيّد عبّاس سلّمه اللَّه [آل العبّاس شرف الدين] الساكن في قرية جشيث(2) ، من قرى جبل عامل ، وكان من قصّته أنّه رحمه الله لكثرة تعدّي الجور عليه خرج من وطنه خائفاً هارباً مع شدّة فقره ، وقلّة بضاعته ، حتّى أنّه لم يكن عنده يوم خروجه إلّا مقداراً لايسوي قوت يومه ، وكان متعفّفاً لايسأل أحداً .

    وساح في الأرض برهة من دهره ، ورأى في أيّام سياحته في نومه ويقظته عجائب كثيرة ، إلى أن انتهى أمره إلى مجاورة النجف الأشرف على مشرّفها آلاف التحيّة والتّحف ، وسكن في بعض الحجرات الفوقانيّة من الصحن المقدّس وكان في شدّة الفقر ، ولم يكن يعرفه بتلك الصفّة إلّا قليل ، وتوفّي رحمه الله في النّجف الأشرف ، بعد مضيّ خمس سنوات من يوم خروجه من قريته .

    وكان أحياناً يراودُني ، وكان كثير العفّة والحياء يحضر عندي أيّام إقامة التعزية وربّما استعار منّي بعض كتب الأدعية لشدّة ضيق معاشه ، حتّى أنّ كثيراً ما لايتمكّن لقوّته إلّا [على] تميرات ، يواظب الأدعية المأثورة لسعة الرّزق حتّى كأنّه ما ترك شيئاً من الأذكار المرويّة والأدعية المأثورة .

    واشتغل بعض أيّامه على عرض حاجته على صاحب الزّمان عليه سلام اللَّه الملك المنّان ، أربعين يوماً وكان يكتب حاجته ، ويخرج كلّ يوم قبل طلوع الشمس من البلد من الباب الصغير الّذي يخرج منه إلى البحر ، ويبعد عن طرف اليمين مقدار فرسخ أو أزيد ، بحيث لايراه أحد ، ثمّ يضع عريضته في بندقة من الطّين ويودعها أحد نوّابه سلام اللَّه عليه ، ويرميها في الماء إلى أن مضى عليه ثمانية أو تسعة وثلاثون يوماً .

    فلمّا فعل ما يفعله كلّ يوم ورجع قال : كنت في غاية الملالة وضيق الخلق وأمشي مطرقاً رأسي ، فالتفتّ فإذا أنا برجل كأنّه لحق بي من ورائي وكان في زيّ العرب ، فسلّم عليّ ، فرددت صلوات اللَّه عليه بأقلّ ما يردّ ، وما التفتّ إليه لضيق خُلقي فسايرني مقداراً وأنا على حالي .

    فقال بلهجة أهل قريتي : سيّد محمّد ما حاجتك ؟ يمضي عليك ثمانية (أو تسعة) وثلاثون يوماً تخرج قبل طلوع الشمس إلى المكان الفلاني ، وترمي العريضة في الماء تظنّ أنّ إمامك ليس مطّلعاً على حاجتك ؟

    قال : فتعجّبت من ذلك ، لأنّي لم أطّلع أحداً على شغلي ، ولا أحد رآني ، ولا أحد من أهل جبل عامل في المشهد الشريف لم أعرفه ، خصوصاً أنّه لابس الكفيّة والعقال وليس مرسوماً في بلادنا ، فخطر في خاطري وصولي إلى المطلب الأقصى ، وفوزي بالنعمة العظمى ، وأنّه الحجّة على البرايا ، إمام العصر عجّل اللَّه تعالى فرجه .

    وكنت سمعت قديماً أنّ يده المباركة في النّعومة بحيث لايبلغها يد أحد من الناس ، فقلت في نفسي :

    اُصافحه فإن كان يده كما سمعت أصنع ما يحقّ بحضرته فمددت يدي وأنا على حالي لمصافحته ، فمدّ يده المباركة فصافحته ، فإذا يده كما سمعت ، فتيقّنت الفوز والفلاح ، فرفعت رأسي ووجّهت له وجهي ، وأردت تقبيل يده المباركة ، فلم أر أحداً .(3)


2) جشيث : مخفّف جبّ شيث نبيّ اللَّه ، بئر هناك منسوب إلى نبيّ اللَّه شيث عليه السلام .

3) جنّة المأوى : 248 ، النجم الثاقب : 88/2 .

 

 

 

 

    زيارة : 7228
    اليوم : 8532
    الامس : 109951
    مجموع الکل للزائرین : 132073820
    مجموع الکل للزائرین : 91549994