الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
لقاء السيّد أحمد الرشتي بالإمام أرواحنا فداه

   لقاء السيّد أحمد الرشتي بالإمام أرواحنا فداه

نذكر في خاتمة الكتاب بعض ما أمرنا صلوات اللَّه عليه بوجهٍ من الوجوه بإتيانه من الأدعية والزيارات ، وبعض ما لها مناسبة بمطالب الكتاب ، ونبتدء بما جرى للسيّد الرشتي رضوان اللَّه عليه لتضمّنه على ما أمر مولانا صاحب العصر والزمان صلوات اللَّه عليه بإتيانه .

    قال المحدّث النوري : قال :

عزمت على الحجّ في سنة ألف ومائتين وثمانين فجئت من حدود رشت إلى تبريز ، ونزلت في بيت الحاج صفر علي التاجر التبريزي المعروف ، ولعدم وجود قافلة فقد بقيت متحيّراً إلى أن جهز الحاج جبّار جلودار السدهي الإصفهاني قافلة إلى «طربوزن» .

    فأكتريت منه مركباً لوحدي وسافرت ، وعندما وصلت إلى أوّل منزل إلتحق بي - وبترغيب الحاج صفر علي - ثلاثة أشخاص آخرين ، أحدهم الحاج الملّا باقر التبريزي الّذي كان يحجّ بالنيابة وكان معروفاً لدى العلماء ، والحاج السيّد حسين التاجر التبريزي ، ورجل يسمّى الحاج علي وكان يشتغل بالخدمة .

    ثمّ ترافقنا بالسفر إلى أو وصلنا إلى «أرضروم» ، وكنّا عازمين على الذهاب من هناك إلى «طربوزن» ، وفي أحد تلك المنازل الّتي تقع بين هاتين المدينتين جائني الحاج جبّار جلودار وقال : بأنّ هذا المنزل الّذي قدّامنا مخيف ، فعجّلوا حتّى تكونوا مع القافلة دائماً ، وذلك لأنّنا كنّا غالباً ما نتخلّف عن القافلة بفاصلة في سائر المنازل فتحرّكنا سويّة بساعتين ونصف ، أو ثلاث ساعات بقيت إلى الصبح - على التخمين - وابتعدنا عن المنزل الّذي كنّا فيه مقدار نصف أو ثلاثة أرباع الفرسخ ، فإذا بالهواء قد تغيّر واضلمت الدنيا وابتدأ الوفر بالتساقط ، فحينئذ غطى كلّ واحد منّا من الرفقاء رأسه وأسرع بالسير .

    وقد فعلت أنا كذلك لألتحق بهم ، ولكنّي لم أتمكّن على ذلك ، فذهبوا وبقيت وحدي ، ثمّ نزلت بعد ذلك من فرسي وجلست على جانب الطريق ، وقد اضطربت اضطراباً شديداً ، لأنّه كان معي قرابة ستّمائة تومان لنفقة الطريق .

    وبعد أن فكّرت وتأمّلت بأمري ، قررت أن أبقى في هذا الموضع إلى أن يطلع الفجر ، ثمّ أرجع إلى الموضع الّذي جئت منه ، وآخذ معي من ذلك الموضع عدّة أشخاص من الحرس ، فألتحق بالقافلة مرّة ثانية.

    وبهذه الأثناء رأيت بستاناً أمامي ، وفي ذلك البستان فلّاح بيده مسحاة يضرب بها الأشجار فيتساقط الوفر منها ، فتقدّم إليّ بحيث بقيت فاصلة قليلة بينه وبيني ، ثمّ قال : من أنت ؟ قلت : ذهب أصدقائي وبقيت وحدي ولا أعرف الطريق فتهت.

    فقال باللغة الفارسيّة : «نافله بخوان تا راه پيدا كنى» ، أى صلّ النافلة - والمقصود منها صلاة الليل - لتعرف الطريق.

    فاشتغلت بصلاة النافلة وبعد ما فرغت من التهجّد ، عاد إليّ مرّة اُخرى وقال : ألم تذهب بعد ؟! قلت : واللَّه لا أعرف الطريق .

    قال : جامعه بخوان ، (إقرأ الجامعة) ، ولم أكن أحفظ الجامعة وما زلت غير حافظ لها مع أنّي قد تشرّفت بزيارة العتبات المقدّسة مراراً .. ولكنّي وقفت مكاني وقرأت الجامعة كاملة عن ظهر الغيب ، ثمّ جاء وقال : ألم تذهب بعد ؟! فأخذتني العبرة بلا إرادة وبكيت وقلت : ما زلت موجوداً ولا أعرف الطريق .

    قال : عاشورا بخوان ، ( اقرأ عاشوراء ) ، وكذلك أنّي لم أكن أحفظ زيارة عاشوراء وما زلت غير حافظ لها ، فقمت من مكاني واشتغلت بزيارة عاشوراء ، من الحافظة عن ظهر غيب إلى أن قرأتها جميعاً وحتّى اللعن والسّلام ودعاء علقمة ، فرأيته عاد إليّ مرّة اُخرى وقال : ( نرفتى ، هستى ) ألم تذهب بعدك ؟! فقلت : لا ، فإنّي موجود وحتّى الصباح .

    قال : أنا أوصلك إلى القافلة الآن ، ( من حالا تو را به قافله مى‏رسانم ) . ثمّ ذهب وركب على حمار ووضع مسحاته على عاتقه وجاء فقال : إصعد خلفي على حماري ، ( به رديف من بر الاغ من سوار شو ) .

    فركبت وأخذت بعنان فرسي فلم يطاوعني ولم يتحرّك ، فقال : ( جلو اسب را به من ده ) ناولني لجام الفرس ، فناولته ، فوضع المسحاة على عاتقه الأيسر ، وأخذ الفرس بيده اليمنى وأخذ بالسير ، فطاوعه الفرس بشكل عجيب وتبعه.

    ثمّ وضع يده على ركبتي وقال : ( شما چرا نافله نمى‏خوانيد ؟ نافله ، نافله ، نافله ) ، لماذا لا تصلّوا النافلة ؟ النافلة ، النافلة ، النافلة . قالها ثلاث مرّات .

    ثمّ قال : ( شما چرا عاشورا نمى‏خوانيد ؟ عاشورا ، عاشورا ، عاشورا ) لماذا لاتقرئوا عاشوراء ؟ عاشوراء ، عاشوراء ، عاشوراء ، ثلاث مرّات .

    ثمّ قال : ( شما چرا جامعه نمى‏خوانيد ؟ جامعه ، جامعه ، جامعه ) لماذا لاتقرئوا الجامعة ؟ الجامعة ، الجامعة ، الجامعة.

    وعندما كان يطوي المسافة كان يمشي بشكل مستدير وفجأة رجع وقال : ( آنست رفقاى شما ) هؤلاء أصحابك .

    وكانوا قد نزلوا على حافة نهر فيه ماء يتوضّؤون لصلاة الصبح ، فنزلت من الحمار لأركب فرسي فلم أتمكّن ، فنزل هو وضرب المسحاة في الوفر وأركبني وحول رأس فرسي إلى جهة أصحابي ، وبهذه الأثناء وقع في نفسي :

    من يكون هذا الإنسان الّذي يتكلّم باللغة الفارسيّة علماً أنّ أهل هذه المنطقة لا يتكلّمون إلّا باللغة التركيّة ، ولا يوجد بينهم غالباً إلّا أصحاب المذهب العيسوي (المسيحيّون) ، وكيف أوصلني إلى أصحابي بهذه السرعة ؟! فنظرت ورائي فلم أر أحداً ولم يظهر لي أثر منه ، فالتحقت برفقائي .

 

    صلاة الليل : إعلم إنّ فوائد وفضائل صلاة الليل خارجة عن حدّ البيان والوصف ، لما وصل من دقائق وأسرار الكتاب والسنّة في الجملة ، لذلك جاء التأكيد عليها في بعض الأخبار بذكرها ثلاث مرّات .

    روى الشيخ الكليني والصدوق والشيخ البرقي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أوصى أميرالمؤمنين عليه السلام بوصايا وأمره بحفظها ، ثمّ دعا اللَّه تعالى أن يعينه عليها ، ومن جملة ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم :

 وعليك بصلاة الليل ، وعليك بصلاة الليل ، وعليك بصلاة الليل .

    وذكر في كتاب «فقه الرضا عليه السلام» قريباً من هذا المضمون .

 

    أمّا الزيارة الجامعة : فبتصريح جماعة من العلماء أنّها أحسن وأكمل الزيارات . قال العلّامة المجلسي بعد شرح إجمالي لفقراتها الزائدة عمّا في سائر الزيارات : إنّما بسطت الكلام في شرح تلك الزيارة قليلاً وإن لم إستوف حقّها حذراً من الإطالة ، لأنّها أصحّ الزيارات سنداً ، وأعمّها مورداً ، وأفصحها لفظاً ، وأبلغها معنىً ، وأعلاها شأناً .

 

    وأمّا زيارة عاشوراء : فيكفي في فضلها ومقامها أنّها لاتسانخها سائر الزيارات الّتي هي بحسب الظّاهر من إنشاء المعصوم وإملائه ، ولو أنّه لايظهر من قلوبهم المطهّرة شي‏ء إلّا ما وصل إلى ذلك العالم الأرفع ، بل هي من سنخ الأحاديث القدسيّة ، نزلت بهذا الترتيب من الزيارة واللعن والسّلام والدعاء من الحضرة الأحديّة جلّت عظمته إلى جبرئيل الأمين ومنه إلى خاتم النبيّين صلى الله عليه وآله وسلم .

    وبحسب التجربة فإنّ المداومة عليها أربعين يوماً أو أقلّ ، لا نظير لها في قضاء الحاجات ، ونيل المقاصد ، ودفع الأعداء .

    ولكن أحسن فائدة استفيد منها بالمواظبة عليها ما نقله الثقة الصالح المتّقي الحاج الملّا حسن اليزدي وهو من أحسن مجاوري النجف الأشرف وكان مشغولاً دائماً بالعبادة والزيارة ، عن الثقة الأمين الحاج محمّد علي اليزدي .

    قال : كان رجل صالح فاضل في يزد مشتغلاً في نفسه ، ومواظباً لعمارة رمسه ، يبيت في الليالي في مقبرة خارج بلدة يزد تعرف بالمزار ، وفيها جملة من الصلحاء وكان له جار نشأ معه منذ صغر سنّه عند المعلّم وغيره إلى أن صار عشّاراً في أوّل عمله وبقي كذلك إلى أن مات ودفن في تلك المقبرة قريباً من المحلّ الّذي كان يبيت فيه المولى المذكور .

    فرآه بعد موته بأقلّ من شهر في زيّ حسن وعليه نظرة النعيم ، فتقدّم إليه وقال له : إنّي أعلم بمبدئك ومنتهاك ، وباطنك وظاهرك ، ولم تكن ممّن يحتمل في حقّه حسن في الباطن ليحمل فعله القبيح على بعض الوجوه الحسنة كالتقيّة أو الضرورة أو أعانة المظلوم وغيرها ، ولم يكن عملك مقتضيّاً إلّا للعذاب والنكال ، فبم نلت هذا المقام ؟!

    قال : نعم ، الأمر كما قلت ، كنت مقيماً في أشدّ العذاب من يوم وفاتي إلى أمس وقد توفيت فيه زوجة الاُستاد أشرف الحدّاد ، ودفنت في هذا المكان ، وأشار إلى طرف بينه وبينه ، قريب من مائة ذراع ، وفي ليلة دفنها زارها أبوعبداللَّه عليه السلام ثلاث مرّات ، وفي المرّة الثالثة أمر برفع العذاب من هذه المقبرة ، فصرت في نعمة وسعة ، وخفض عيشه ودعة .

    فانتبه متحيّراً ، ولم  تكن له معرفة باسم الحدّاد ومحلّه ، فطلبه في سوق الحدّادين ، ووجده فقال له : ألك زوجة ؟ قال : نعم ، توفّيت بالأمس ودفنتها في المكان الفلاني .. وذكر الموضع الّذي أشار إليه .

    قال : فهل زارت أباعبداللَّه عليه السلام ؟ قال : لا ، قال : فهل كانت تذكر مصائبه ؟ قال : لا ، قال : فهل كان لها مجلس تذكر فيه مصائبه ؟ قال : لا ، فقال الرجل : وما تريد من السؤال ؟ فقصّ عليه رؤياه ، وقال : أريد أن استكشف العلاقة بينها وبين الإمام عليه السلام .

    قال : كانت مواظبة على زيارة عاشوراء .

    ولا يخفى أنّ السيّد أحمد صاحب القضيّة من الصلحاء والأتقياء ، مواظباً على الطاعات والعبادات والزيارات وأداء الحقوق وطهارة اللباس والبدن من النجاسات المشبوهة ، ومعروفاً بالورع والسداد عند أهل البلد وغيره ، ويأتيه نوادر الألطاف في كلّ زيارة ليس هنا مقام ذكرها .(1)

------------------------------------------

1) النجم الثاقب : 273/2 .

 

 

 

 

    زيارة : 7281
    اليوم : 32547
    الامس : 92721
    مجموع الکل للزائرین : 131535965
    مجموع الکل للزائرین : 91207313