الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
قصّة الشّابّين المسيحيين ورأفة ومحبّة الإمام الرّضا عليه السلام والإمام المهدي عجّل الله فرجه

قصّة الشّابّين المسيحيين

  ورأفة ومحبّة الإمام الرّضا عليه السلام والإمام المهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه

  هناك قصّة جميلة مهمّة وقعت وهي تبيّن بوضوح رحمة ورأفة الإمام الرّضا عليه السلام والإمام والمهدي عجّل اللَّه تعالى فرجه ، إليكم ما جرى :

  ينقل رجل - وهو مورد ثقة واطمئنان - : إلتقيت قبل مدّة في مدينة مشهد المقدّسة مع شابّ وزوجته في بيت أحد الأصدقاء ، وكانا يحملان الجنسيّة الأمريكيّة ، وكانت قد حدثت معهما قصّة عجيبة نقلاها لي ، وذلك بطلب وإصرار من صاحب البيت .

  يقول الشّابّان : عندما كنا ندرس في إحدى الجامعات الأمريكيّة كنّا نشعر دوماً أنّ هناك حاجة في داخلنا تدفعنا نحو شي‏ءما ، ممّا جعلنا نتألّم من هذا الأمر كثيراً .

  وأردف الشابّ قائلاً : ومع أنّني كنت أحبّ زوجتي كثيراً ، ولكن لم يكن لدي الرغبة الشّديدة إليها .

  ثمّ أشار إلى صدره وقال : كنت أشعر وباستمرار وطيلة فترة شبابي أنّ هناك فراغاً قاتلاً يسوّد أركان حياتي ، فظننت أنّ الشعور بالنّقيصة ناتج عن الغريزة الجنسيّة ، وتوقّعت أنّها ستزول بمجرّد الزّواج ، واختيار المرأة الّتي أحبّها ، ولهذا صممت على الزّواج ، ولكن بعد فترة ظلّت الحالة السابقة تراودني ؛ بل وازدات عليّ ، فأصابتني حالة من الكآبة والحزن ، مع أنّي أحبّ زوجتي كثيراً ، فقد شعرت بحالة من عدم الرّغبة والميل إليها ، وأحياناً لم تكن لدي الرغبة حتّى فتح باب الكلام معها .

  فصارحتها يوماً وأنا اُقدّم اعتذاري لها قائلاً : إنّ ابتعادي عنك ليس معناه عدم حبّي إليك ؛ وإنّما هي حالة من الإحساس بالفراغ الرّوحي أصابتني أيّام الدّراسة الجامعيّة ، وبقت معي إلى يومي هذا .

  فردّت زوجتي قائلة : إنّ نفس الحالة الّتي تشعر بها ، هي معي أيضاً ؛ ولكن كنت أخفيها عنك .

  وبعد دراسة الموضوع معاً توصّلنا إلى نتيجة نهائيّة وهي : علينا معالجتها واستئصالها مهما كلّف الأمر ، ففي البداية عزمنا على الذّهاب إلى الكنيسة أكثر من ذي قبل والتركيز على القضايا الرّوحيّة . فوسعنا علاقتنا بالكنيسة ، وطالعنا في هذا المجال الكتب الكثيرة ، ولكن بعد مدّة من الزّمن لم نر أيّ تغيّر يطرأ في الخلاص من العطش المعنوي .

  ولهذا قرّرنا السّفر إلى الدّول الشرقيّة ؛ حيث إنّنا كنّا قد سمعنا أنّ هناك مذاهب وأدياناً متعدّدة موجودة ؛ خاصّة في الصين والهند لها القدرة على الوصول إلى الحقيقة المنشودة ، وذلك بواسطة الرّياضات الرّوحيّة .

  وبما أنّ الصّين هي أقرب الدّول الشّرقيّة إلى إمريكا ، بدأنا سفرنا إليها ، وبعد وصولنا طلبنا من المسؤولين في السّفارة الأمريكيّة أن يعرّفوا لنا أشخاصاً معروفين في هذا المضمار . فعرفوا لنا شخصاً قالوا عنه : أنّه هو أكبر رجل روحي في الصّين كلّها .

  وبمساعدة السّفارة وفّقنا الذّهاب إليه ومقابلته ، فأرشدنا إلى بعض الرّياضات الرّوحيّة ، وقمنا بها ، ومع كلّ ذلك فقد ازدادت الكآبة والحزن لدينا .

  فلمّا وجدنا بقاء الحالة قررنا السّفر إلى منطقة التبّت ، فكان هناك معبد كبير في أطراف جبال هملايا ينعزل فيه الأشخاص ، ويمارسون تلك الرّياضات الخاصّة ، فأخذنا نحن بدورنا نقوم بها ، وكانت بالفعل شاقّة وصعبة للغاية .

  فمن جملة تلك الرّياضات النّوم على سرير فيه مسامير كبيرة لمدّة أربعين ليلة بكاملها . وبعد برهة من الزّمن والمشقّة الّتي تحملناها من تلك الرّياضات والعبادات شعرنا أنّ الحالة السّابقة باقية على حالها ، ولم نحسّ بأيّ تغيّر . فذهبنا مرّة أخرى من هناك إلى الهند ، واتّصلنا بأفضل وأحسن المرتاضين ، ومارسنا أيضاً بعض الرّياضات ولكن بدون نتيجة تذكر .

  في النّهاية حصلت لدينا قناعة أنّ الحقيقة المطلوبة والقادرة على سدّ الفراغ الرّوحي الموجود داخل الإنسان غائبة عن هذا الوجود .

  واتّخذنا قراراً لا عودة فيه ، وذلك بالرّجوع عن طريق الشّرق الأوسط إلى أوروبا من ثمّ العودة إلى وطننا .

  فجئنا من الهند إلى باكستان ، ومن ثمّ مررنا بأفغانستان وإيران ، وعند دخولنا إلى إيران صادف طريقنا مدينة مشهد ، فوجدناها مدينة غريبة بكلّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى ، حيث لم نشاهد مثيلها في أيّ من بلدان العالم قطّ .

  فجلب أنظارنا وجود بناء في غاية الجماليّة في وسط المدينة ، فيه قبّة ومنائر مرتفعة مزيّنة بالذّهب ، يدخله النّاس بشوق واحترام .

  فانتابتنا حالة من الفضوليّة ، فسألنا عن ذلك المكان ، وعن دين هؤلاء الوافدين إليه؟

  فقالوا لنا : إنّ هؤلاء النّاس هم من المسلمين ، وكتابهم هو القرآن ، وإنّ المدفون في هذه البقعة هو أحد قادتهم المذهبين ، ويقال له : الإمام الرّضا عليه السلام .

  فسألنا مرّة أخرى : من هو الإمام ، وماذا يفعل ؟

  فجاءنا الجواب : إنّه إنسان كامل ، له أعلى الدّرجات والمراحل الكماليّة الّتي حصل عليها إنسان ما ، وهو يحصل على هذه المنزلة من اللَّه تعالى ، فهو حيّ لايموت ، وبيده قضاء الكثير من الحوائج .

  وبما أنّ المسلمين لديهم هذه العقيدة ، فإنّهم يذهبون باستمرار إلى زيارته ، ويطلبون بكلّ تواضع وخشوع حوائجهم ، وإنّ الإمام عليه السلام يقضي لهم تلك الحوائج .

  فقلنا : هل من الممكن قراءة بعض السّور القرآنيّة لنا ، وعن ماذا تتكلّم؟

  فقالوا : يوجد في أحد الآيات القرآنيّة : إنّ ما من شي‏ء في هذا الكون الرّحب إلاّ ويسبّح للَّه الخالق الواحد .

  فأضحى هذا الكلام لغزاً لنا ؛ فكيف أنّ الإمام - وهو شخص ميّت - قادر على قضاء الحوائج ، وهو حيّ يرزق ، وكيف إنّ كلّ شي‏ء في الكون من ضمنها الجبال والأشجار تسبّح للَّه ؟ لم نصدّق هذا الموضوع ، فقرّرنا الذّهاب إلى ذلك المكان لمشاهدة ما يجري هناك .

  وعند وصولنا إلى الرّوضة منعنا أحد العاملين فيها ، والّذي كان يحمل في يده وسيلة تشبه القضيب مغلّفة بالفضّة وقال لنا : يمنع دخول الأجانب إلى هذا المكان .

  فقلنا له : إنّنا قطعنا آلاف الكيلومترات ، وسفرنا إلى العديد من الدّول ، ودخلنا أماكن كثيرة ، فلم يمنعنا أحد بتاتاً ؛ إذن لماذا تمنعنا أنت ؟ إنّنا نقصد من دخولنا إلى هنا هو المشاهدة فقط ، وليس لنا أيّ نيّة سوء . فلم ينفع كلامنا هذا وإصرارنا في شي‏ء .

  فخرجنا وابتعدنا قليلاً عن المكان ، وشعرنا بخيبة أمل ، وفي أطراف المكان وجدنا مكان فيه ماء(93) قريباً من أحد الفنادق ، فجلسنا هناك فأخذنا نفكّر : هل إنّ عالم الحقيقة موجود في هذا المكان ولا نعلم به ؟ وهل أنّ هناك شيئاً ما يوجد في المكان هذا يمنعوننا من الإطّلاع عليه ؟ وكانت هذه الأسئلة تعذّبنا بشدّة ، خاصّة ونحن قطعنا كلّ تلك المسافات وتحملنا مختلف المحن ، وبالتّالي نرجع خالين الوفاض عن معرفة الحقيقة . فانهالت من عيوننا الدموع بدون اختيار ، وبقينا على هذه الحالة لمدّة .

  فجأة خطر في ذهننا : إنّ هؤلاء الأشخاص هم كاذبون بالفعل ؛ فلو أنّ الإمام هو إنسان كامل وحيّ يرزق ، وله إحاطة بكلّ صغيرة وكبيرة ؛ إذن لعرف غايتنا وهدفنا من تحمّلنا كلّ ذلك ، ومبتغانا الأوّل والأخير هو الوصول إلى الحقيقة ، ولساعدنا على معرفتها ، فإن كانوا كاذبين فليس من الضّروري الذّهاب إلى ذلك المكان ومشاهدته.

  وبينما نحن نسلّي أنفسنا بذلك ، جاءنا أحد الباعة الّذين يبيعون السّبح والترب والّذي كان بالقرب منّا قال لنا باللغة الإنجليزيّة وبلهجة مدينتنا : لماذا تبكيان ؟ ولماذا تشعران بالحزن واللوعة ؟

  فرفعنا رأسنا وقلنا له قصّتنا بالكامل ، وسفرنا إلى مختلف البلدان لطلب الحقيقة ، وتحملّنا من أجل ذلك رياضات صعبة وشاقّة ، ولمدّة سنوات طويلة ، ومن ثمّ منعونا من الدّخول إلى هذا المكان .

  فقال لنا ذلك الرّجل : لاتحزنا ؛ فإنّهم سوف يسمحون لكما بالدّخول .

  فقلنا : نحن كنّا قبل قليل هناك ، فرفضوا دخولنا .

  فقال : لا عليكما قبل ذلك الوقت لم تكن لديهم الإجازة في ذلك . لم يخطر ببالنا في تلك اللّحظة كيف أنّ هذا الشخص البسيط قادر على الحديث باللّغة الإنكليزيّة ، وبلهجتنا المحلّيّة ، ومن أين له خبر سماحنا بالدّخول الآن؟ وكيف أنّنا فتحنا قلوبنا له ، وحدّثناه بكلّ شي‏ء ؟

  بعدها اتّجهنا صوب الحرم مرّة أخرى ، وعند وصولنا لم يمنعنا الخادم من الدّخول، فقلت في نفسي أنّه لم يرانا فرجعت ونظرت إليه ، فلم يظهر أيّ ردّ فعل.

  فدخلنا الحرم وشاهدنا الناس يدخلون إلى القبر الشريف عن طريق ممرّ طويل ، فاتّبعناهم .

  فكان الإزدحام شديد والتّدافع من كلّ اتّجاه ومكان ، والكلّ يسرع للوصول إلى الضّريح ، ولكن في تلك اللّحظات شعرنا أنّ الطّريق مفتوحة أمامنا ، فوصلنا بكلّ سهولة إلى الضّريح ، وشاهدت في الضّريح أنّ هناك شخصاً عليه سمات الهيبة والجلالة ، واقفاً في داخله .

  وبدون أيّ اختيار سلّمت عليه ، فأجابنا والإبتسامة على محياه وقال : ماذا تريدان ؟

  وفي تلك اللّحظة لم يخطر على بالي شي‏ء سوى تلك الفكرة الّتي طبعت في مخيّلتي وهي : كيف أنّ جميع الكائنات الموجودة في هذا الكون تسبّح للَّه ؟ ولمّا سألت عن ذلك ، أجابني : إنّك سوف ترى ذلك بنفسك.

  بعد ذلك خرجت من الحضرة ، وكما في دخولنا لم يزاحمنا أحد ؛ كذلك في خروجنا ، ولكن كنّا مبهوتين .

  ولمّا وصلنا إلى الصّحن ، شعرنا بوجود حالة في داخلنا وهي : إنّ كلّ شي‏ء حولنا يسبّح للَّه ؛ لاسيّما الأرض والجدران الّتي من حولنا.

  وفي تلك اللّحظة غشي علينا ، ولم نفهم ماذا جرى لنا ، وبعد فترة استيقظنا فوجدنا أنفسنا على السّرير ، وحولنا عدد من الأشخاص يسكبون الماء علينا.

  وبعد ما علمنا وتيقّنا أنّ الحقيقة موجودة في هذا الكون ، وهي موجودة في هذا المكان المقدّس وهذه المدينة ، وإنّ الإنسان لقادر على الوصول إليها ، وإنّ هناك أشخاصاً يستطيعون من الوصول إلى مقامات يكون عندهم الموت والحياة سيّين ، وكذلك أدركنا حقيقة ما جاء في القرآن الكريم : إنّ ما من شي‏ء في هذا الوجود إلاّ يسبّح بحمد اللَّه سبحانه وتعالى .

  ونستخلص أعزّائيّ القرّاء من هذه القصّة حقائق عديدة ، ولعلّ أهمّها هو : إنّ الإنسانيّة ومهما انغمست بالقضايا المادّيّة ، ولكنّها بمجرّد التصميم على الوصول إلى الحقيقة ، فإنّها سوف تحظى بالإمدادت الرّبّانيّة والعناية الإلهية ؛ كما حدث في هذه القصّة وقيام الإمام الرّضا عليه السلام بهداية هذين الشّابّين المسيحين إلى النّور والطّريق القويم .

  نعم ؛ فإنّ الإنسان الصّادق والّذي يبغي الوصول إلى الحقيقة تراه وإن أخذه الهوى في هذا الإتّجاه أو ذلك ، ولكنّه في النّهاية سيضع قدميه على المسار الصحيح .

  ويمكن القول وبكلّ اطمئنان أنّ التّدقيق والإمعان في هذه القصّة وما جرى ، يضع تأثيراته المباشرة على الجانب الفكري والعقائدي لدى الكثيرين .

  ومن هذا الجانب ، فعلى كلّ زائر يدخل الحضرة المقدّسة التّوجّه بكلّ وجوده وأحاسيسه إلى عظمة ومكانة الإمام الرضا عليه السلام - الّذي له الولاية المطلقة علينا بعد اللَّه عزّ وجلّ وحجّة اللَّه على أرضه وسمائه - والتفكّر بذلك دوماً .

  وعلينا جميعاً اغتنام فرصة وجودنا في داخل ذلك المكان المقدّس ، واستغلال كلّ لحظة منها بالدّعاء والتّوسّل بكلّ والإتيان ما هو مطلوب منّا تجاه الإمام ‏عليه السلام ، والعمل والسّير طبقاً لما ينتظره منّا ، والدّعاء بكلّ وجودنا وحسب ما تقتضيه وظيفتنا الدينيّة والإنسانيّة بالتعجيل بظهور فرج قائدنا ومنقذنا ، قطب دائرة الإمكان مولانا الحجّة ابن الحسن أرواحنا لمقدمه الفداء ، وتطبيق حكومته الكريمة والعادلة ، وبذلك الدّعاء سوف تنزل علينا رحمة ورأفة ولطف الإمام الرّضا عليه السلام أكثر فأكثر .

  ندعو من البارئ عزّ وجلّ أن يقبل منّا هذا السّفر المتواضع ، وأن يقع موثّراً على قلوب الكثيرين ، والطّلب من الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام وبقيّة الأئمّة الأطهارعليهم السلام الصّفح والعفو ، وإذا كان هناك ثواب يرتجى من هذا الكتاب ، فهو هديّة منّي إلى مولاتي وشفيعتي يوم الجزاء أخت الإمام الرّضا عليه السلام السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام ، الّتي تعيش في كنفها ومن بركات وجودها المقدّس .

 

 

 

    زيارة : 3394
    اليوم : 20139
    الامس : 76446
    مجموع الکل للزائرین : 129933378
    مجموع الکل للزائرین : 90146761