الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
تحقّق الكمالات المعنوية عن طريق نشر العلم

تحقّق الكمالات المعنوية عن طريق نشر العلم

إنّ فضيلة العلم تمنح بالاضافة إلى الحياة الطيبة للقلب حافز ودافع قوي للعالم على نقل تلك العلوم التي تعلمها إلى‏ غيره، وبالنتيجة إيجاد نوع من التغير في داخل المجتمع، وهذا العمل هو في ذاته يحمل الفضيلة والثواب.

لأنّ من ضروريات العلم ولوازمه نشره وتعليمه إلى الآخرين إذ انّ الوظيفة تحتم على كلّ من تعلمه نقله إلى الآخرين، وبهذه الصورة يمكن ترويجه بين آلاف الناس، وإن كان ذلك العلم قليلاً والقصة التي ننقلها لكم هي دليل على فضيلة العلم‏ وضرورة نشره وتعليمه إلى الآخرين:

كان المرحوم المجلسي الأول من كبار علماء الشيعة، وكان يعمل في حياته دوماً على ترويض نفسه وتهذيب أخلاقه ‏والعمل على خدمة الناس، ويذكر في إحدى كتاباته قائلاً: ذهبت يوماً لزيارة العتبات المقدسة في العراق، فلمّا وصلت إلى ‏مدينة النجف الأشرف كان الجو بارداً فقررت أن أبقى في هذه المدينة، فرأيت في المنام رؤيا، وهي أنّ الإمام ‏أميرالمؤمنين‏ عليه السلام شملني بألطافه ورعايته، فقال لي: عليك بالعودة بعد الزيارة إلى مدينتك إصفهان؛ لأنّ وجودك فيها أنفع‏ للناس.

وبما أنّه كان لي رغبة شديدة في البقاء في هذه المدينة، فقد أصررت على سيّدي ومولاي من أجل البقاء ولكنّه ‏عليه السلام ‏رفض ذلك وقال: سوف يتوفى في هذه السنّة الشاه عباس ويجلس مكانه الشاه صفي، وسوف تقع فتنة كبيرة في إيران وإنّ ‏اللَّه تبارك وتعالى يريد منك هداية الاُمّة في هذه الفتنة.

والنقطة المهمّة التي ذكرها أميرالمؤمنين ‏عليه السلام هي قوله: إنّك تريد أن تأتي إلى باب اللَّه وحدك، ولكنّ اللَّه عزّ وجلّ يريد ومن‏خلال هدايتك أن يأتي إلى بابه سبعون ألف شخص إذن ارجع إليهم، فإنّه لا مناص لك من ذلك.

ونتيجة تلك الرؤيا عدت إلى إصفهان فنقلتها إلى أحد أصدقائي المقرّبين وهو بدوره قام بنقلها إلى الشاه صفي والذي‏كان في ذلك الوقت في المدرسة الصفوية، ولم تمض سوى أيّام وإذا بالشاه عباس يتوفى في سفره إلى مدينة مازندران ‏ويجلس محله الشاه صفي.(183)

وبالفعل فقد عاد المرحوم المجلسي إلى مدينة إصفهان بعد تلك الرؤية العجيبة، وقام بارشاد الناس وهدايتهم صوب‏ العلوم والمعارف المحمدية الأصيلة، وهم الأنوار البهيّه للَّه تعالى وخلاص الناس من محنة شديدة.

نعم؛ إنّ الوظيفة الدينية والشرعية تحتم على جميع العلماء الأعلام الذين لهم معرفة وإلمام بالمواضيع العقائدية وعلوم ‏أهل البيت ‏عليهم السلام السعي في زمن الغيبة إلى هداية وإرشاد الناس والتعامل معهم كتعامل الأب الحنون مع ولده.

والدليل على صحة وحقيقة هذا الأمر هو الرواية الواردة عن الإمام الحسن العسكري عليه السلام والتي نقلها عن جده رسول ‏اللَّه ‏صلى الله عليه وآله وسلم التي يقول فيها:

اَشَدُّ مِنْ يُتْمِ الْيَتيمِ الَّذي اِنْقَطَعَ عَنْ اَبيهِ، يُتْمُ يَتيمٍ اِنْقَطَعَ عَنْ اِمامِهِ وَلايَقْدِرُ الْوُصُولَ اِلَيْهِ، وَلايَدْري كَيْفَ حُكْمُهُ‏ فيما يَبْتَلي بِهِ مِنْ شَرايِعِ دينِهِ.

اَلا فَمَنْ كانَ مِنْ شيعَتِنا عالِماً بِعُلُومِنا وَهذا الْجاهِلُ بِشَريعَتِنا، اَلْمُنْقَطِعُ عَنْ مُشاهِدَتِنا، يَتيمٌ في حِجْرِهِ؛ اَلا فَمَنْ‏هَداهُ وَاَرْشَدَهُ وَعَلَّمَهُ شَريعَتَنا كانَ مَعَنا فِي الرَّفيقِ الاَعْلى.(184)

ففي هذه الرواية يبيّن الرسول الأكرم ‏صلى الله عليه وآله وسلم أنّ طريق نشر العلم ونقله إلى الناس يتيح الوصول إلى عملية التكامل ‏المعنوي ويقول‏ صلى الله عليه وآله وسلم: إنّ من يهدي الناس ويعلمهم شريعتنا فهو معنا في أعلى درجات الجنة ولهذا نرى أنّ الكثير من ‏العلماء يعملون ليلاً ونهاراً في طريق تحصيل العلوم والمعارف الإلهية، وأحياناً نرى أنّ البعض منهم ينشغل بالبحث في‏ المسائل العلمية فينسى حتى أكله وشربه.

كان المرحوم الحاج كريم الفراش أحد خدام الروضة الحسينية الشريفة ينقل قصة طريفة فيقول:

كنت مشغولاً في الخدمة في حرم سيدالشهداء عليه السلام فأعلن الخدم للزوّار عن غلقهم الأبواب الخاصة بالحضرة الحسينية، فشاهدت المرحوم البهبهاني والشيخ يوسف البحراني قد خرجا سويّة من الحضرة وشرعا في البحث في بعض المسائل‏ العلمية في الرواق، فأعلن الخدم عن غلقهم أبواب الرواق فخرج هذان العالمان من الرواق وبدءا بالبحث في الصحن ‏الشريف فأعلن الخدمه عن نيّتهم في إغلاق أبواب الصحن فخرجا من الصحن واستمرّ بحثهما خلف أبواب الصحن، وأمّا أنا فكنت في داخل الصحن ولم أبارحه حتى فجر اليوم الثاني، فعندما قمت بفتح أبواب الصحن وكان من المراسيم تقتضي ‏فتح باب القبلة أوّلاً قبل بقية الأبواب الاُخرى، وبمجرّد أن فتحتها وجدت هذين العالمين مشغولين في البحث والنقاش!

وحينما شاهدت ذلك المنظر تعجبت كثيراً فوقفت استمع لما يقولانه وهما لاينقطعان عن التباحث إلى أن أذّن المؤذّن،فرجع الشيخ يوسف الذي كان إمام جماعة الصحن الشريف إلى الصحن فانتهى بحثهما.(185)

إنّ الواجب الأخلاقي والديني يحتم علينا جميعاً تكريم وتجليل العلماء الأعلام الذين عملوا طوال تاريخ التشيع بكل‏ إخلاص وتفانٍ وتحملوا مختلف الصعاب والمحن، وأن نتجنب الإساءة والتعرّض لهم.

فقد قال الإمام الصادق عليه السلام:

مَنِ اِسْتَخَفَّ بِالْعُلَماءِ اَفْسَدَ دينَهُ.(186)

وقد تحدث الإمام عليه السلام في حديثه هذا عن اُولئك العلماء الذين هم دعامة الدين والذابين عنه، حيث اعتبر عليه السلام إهانتهم وإن‏ كانت بسيطة فهي بمثابة إهانة للدين والشريعة الإلهيّة؛ باعتبارهم سلكوا طريق العلوم والمعارف الربانية وجاهدوا وثابرواحتى وصلوا إلى هذه الدرجة وعملوا بكل تفانٍ وإخلاص على نشره وتعليمه بين أوساط الناس، وبذلك حظوا بالقرب‏ الإلهي ولطف وكرامة من أهل البيت ‏عليهم السلام.

ولهذا السبب فإنّ إهانتهم في الواقع هي إهانة للدين، وإن الشخص الذي لايعبأ ولايكترث بالأوامر الإلهية فهو قد ضيّع ‏دينه وجعله في مهب الريح.


183) فوائد الرضوية المرحوم المحدّث القمي: 440.

184) بحار الأنوار: 2/2.

185) فوائد الرضوية المرحوم المحدّث القمي: 406.

186) بحار الأنوار: 233/78.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2755
    اليوم : 0
    الامس : 68613
    مجموع الکل للزائرین : 134381189
    مجموع الکل للزائرین : 92946364