الإمام الصادق علیه السلام : لو أدرکته لخدمته أیّام حیاتی.
3 - مجالسة أهل الأهواء والميولات النفسية

3 - مجالسة أهل الأهواء والميولات النفسية

لايغامر أحد منّا الشك إذا قلنا : أنّ الجلوس مع أصحاب الهوى ومع من لايولي أي أهمية إلى عالم المعنى والآخرة،يسلب الإيمان من القلب، ويجعله عرضة لارتكاب الذنوب والمعاصي الصغيرة والكبيرة من دون أيّ إكتراث ومبالاة،وبالتالي يستوجب حضور الشياطين فيه.

وتعدّ المجالس التي ينظمها أهل الهوى وجلوس بعضهم إلى جانب البعض الآخر  ومساندة كلّ واحد منهم الآخرحربة مؤثرة في إزهاق الحق وتشويه الحقيقة، وقد عقد أعداء أهل البيت ‏عليهم السلام مثل هكذا مجالس منذ صدر الإسلام وإلى‏ يومنا هذا وبشكل كثير لتحقيق أغراضهم ومصالحهم الشيطانية ومآربهم الدنيوية، وإيجاد مخطط مدروس لضرب معالم ‏ومبادئ هذا البيت المحمدي الأصيل في الصميم.

ويؤكّد مولانا الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّ هذه المجالس هي مكان لحضور الشياطين، فأوضح ذلك في نهج البلاغة قائلاً:

مُجالَسَةُ اَهْلِ الهَوى مُنْسِأَةٌ لِلْإِيمانِ وَمُحْضِرَةٌ لِلشَّيْطانِ.(102)

ويذكر أول مظلوم في هذا العالم والصابر على أشد المحن والمصائب أمير المؤمنين علي عليه السلام في نفس الخطبة أنّ واحدة من الصفات التي يتحلى بها عباد اللَّه هي الإبتعاد من مجالسة أهل الهوى فيقول عليه السلام:

اَحَبُّ عِبادِ اللَّهِ اِلَيْهِ عَبْداً... خَرَجَ مِنْ صِفَةِ العِمى وَمُشارَكَةِ اَهْلِ الْهَوى.(103)

إنّ مجالسة ومصاحبة أهل الفسق والفجور والأنس معهم لها تبعاتها السيئة ليس على الأشخاص العاديين فقط، وإنّما تتركت آثارها السلبية حتى على الأخيار والصلحاء من أفراد المجتمع، فتسلب منهم وتنتزع انتزاعاً صفات الخير والإحسان والصلاح، وعليه يكونون من أصناف شرار ذلك المجتمع.

قال الإمام أميرالمؤمنين علي عليه السلام:

مُجالَسَةُ الْاَبْرارِ لِلْفُجَّارِ تُلْحِقُ الْاَبْرارَ بِالْفُجَّارِ.(104)

يقول عليه السلام في حديث آخر:

اِيَّاكَ وَمُصاحَبَةَ الْفُسَّاقِ.(105)

وهذه نمادج من التعاليم السامية والإرشادات البالغة التي جاءت عن لسان أهل البيت‏ عليهم السلام وهي تتضمن بعض النصائح ‏الأخلاقية العامة التي تشمل الإنسانية جمعاء، حيث المراد منها تنظيم لمرحلة يتوخى منها صناعة مجتمع إنساني نموذجي‏ ومثالي.

وعلى أساس هذا فإنّ الوظيفة تحتم على كلّ من يريد الحقيقة والوصول إلى الأهداف المتعالية الإشفاق من عواقب‏ مجالسة الأصدقاء الذين يكون هدفهم الوحيد هو الحصول على الماديات، فتركوا ذكر اللَّه تبارك وتعالى؛ لأنّه لايمكن‏ بحال من الأحوال مدّ يد الصداقة والمحبة لمن كانت إرادته وخياراته وهمّه كله ينصب على الحياة الدنيا فقط، ولايفكر بعواقب الأمور والدار الآخرة.

وقد قال اللَّه عزّ وجلّ في محكم كتابه العزيز:

«فَاعْرِضْ عَمَنَّ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ اِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا».(106)

إنّ الهدف الذي يبتغه هؤلاء هو الإستفادة من الدنيا وملذاتها المادية ويطلبون المزيد منها وكأنهم يريدون كنوز قارون،وهذا ما صرح به القرآن الكريم حين قال:

«قالَ الَّذينَ يُريدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما اوُتِيَ قارُونَ اِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظيمٍ».(107)

إنّ مثل هؤلاء الأشخاص - وعلى فرض أنّهم تمكّنوا من الحصول عل كنوز قارون - فأنّهم يطلبون المزيد من المال ‏والثروة، فهل إنّ مجالسة ومصاحبة هولاء تأتي بالنفع على الإنسان ويرتضيه البارئ عزّ وجلّ  أم يوقعه في شباك هذه الدنيا الدنية الزائلة ؟

إنّ مثل هؤلاء الأشخاص كمثل السيف القاطع، حيث ترى مجالستهم تعجب الناس، ولكنّهم يدسون السم بالعسل‏ ويتركون آثارهم السلبية هنا وهناك.

قال الإمام الجواد عليه السلام:

اِيَّاكَ وَمُصاحَبَةَ الشَّريرِ ؛ فَاِنَّهُ كَالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ يَحْسُنُ مَنْظَرُهُ وَيَقْبُحُ اَثَرُهُ.(108)

أَخِلاَّءُ الرِّجَالِ هُمْ كَثِيرٌ

وَلَكِنْ فِي البَلاَءِ هُمْ قَلِيلُ

فَلاَ تَغْرُرْكَ خُلَّةُ مَنْ تُؤَاخِي

فَمَا لَكَ عِنْدَ نَائِبَةٍ خَلِيلُ

وَكُلُّ أَخٍ يَقُولُ أَنَا وَفِيٌّ

وَلَكِنْ لَيْسَ يَفْعَلُ مَا يَقُولُ

سِوَى خِلٍّ لَهُ حَسَبٌ وَدِينٌ

فَذَاكَ لِمَا يَقُولُ هُوَ الفَعُولُ

وكما أنّ مصاحبة الأبرار والأخيار وأولياء اللَّه تعالى دليل على رجحان العقل وإدراك الإنسان، فإنّ مجالسة الأشرارخلاف ذلك، عن أميرالمؤمنين علي عليه السلام أنّه قال:

لَيْسَ مَنْ خالَطَ الْاَشْرارَ بِذي مَعْقُولٍ.(109)

والسبب في ذلك أنّ مجالسة الأشخاص الأشرار يسلب القيم الإنسانية، والنتيجة هو النظر بالنسبة إلى أولياء اللَّه نظرة شؤم.

ومن هنا فقد تتبدّل النظرة الإيجابية والمثالية وحسن الظن إلى الأشخاص الصالحين والأخيار، ومن ربّى نفسه تربية صالحة إلى عقائد خاطئة ورؤى لاتمت إلى الحقيقة بصلة؛ وذلك نتيجة آثار مجالسة الضالين والأشرار.

وقد ورد حديث عن مولانا أميرالمؤمنين علي عليه السلام في هذا السياق يقول فيه:

صُحْبَةُ الْاَشْرارِ تُورِثُ سُوءَ الظَّنِ بِالْاَخْيارِ.(110)

وقد لايعي الكثيرون أنّ مجالسة هؤلاء والنظر إليهم لايترك وحده آثاراً سيّئة، وإنّما أقوالهم المتدلسة تحرف الإنسان ‏صوب الضياع والانجراف والفساد أيضاً.


102) نهج البلاغة: الخطبة رقم 86.

103) نهج البلاغة: الخطبة رقم 86.

104) بحار الأنوار: 197/74.  

105) شرح غرر الحكم: 289/2.  

106) النجم: 29.  

107) القصص: 79.

108) بحار الأنوار: 364/78.  

109) شرح غرر الحكم: 86/5.

110) بحار الأنوار: 12/78. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

    زيارة : 2695
    اليوم : 46180
    الامس : 116876
    مجموع الکل للزائرین : 134147615
    مجموع الکل للزائرین : 92781229